نظمت مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام في كربلاء المقدسة وضمن نشاطات ملتقى النبأ الاسبوعي ندوة حوارية استضافت فيها الأكاديمي والدبلوماسي الدكت
نظمت مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام في كربلاء المقدسة وضمن نشاطات ملتقى النبأ الاسبوعي ندوة حوارية استضافت فيها الأكاديمي والدبلوماسي الدكتور محمد سعيد عبد الصاحب الشكرجي، ليعرض من خلال ذلك تفاصيل تجربته الاكاديمية والبحثية بغية انتشال الواقع العراقي من امراضه المستوطنة، وقد حضر الندوة شخصيات سياسية واكاديمية وعدد من مدراء مراكز الدراسات والبحوث وعدد من الصحفيين والاعلاميين.
افتتح الندوة سماحة الشيخ مرتضى معاش المشرف العام على مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، "مرحباً بإسم مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام وبجميع اقسامها وفروعها البحثية، باستضافة الاكاديمي والدبلوماسي محمد سعيد عبد الصاحب الشكرجي، الذي كان يشغل العديد من المناصب الدبلوماسية خارج العراق، حيث كان سفيرا للعراق في فرنسا وايضا سفير العراق في كينيا وشغل منصب مندوب العراق في الامم المتحدة في كينيا، وله العديد من الدراسات والبحوث الاكاديمية التي تعنى في كيفية بناء الدولة في العراق، وهنا بطبيعة الحال كان لابد من العودة إلى حيثيات وتفاصيل كتابه الموسوم (العراق جذور فشل بناء الدولة)".
اضاف معاش "ولأجل استنطاق تلك الحقيقة وجذورها التاريخية ومدى تأثيرها على الاقتصاد العراقي، الذي يعاني اليوم الكثير من اعراض الدولة الفاشلة، بالتالي نحن ملزمين أن نخوض في تفاصيل هذا الكتاب من جوانب بنيوية اساسية في قضية بناء الدولة، فاذا لم نذهب نحو الاساسيات وبقينا في الشكليات، مهما وضعنا من نظام سواء كان رئاسيا أو برلمانيا تبقى الاضرار والمشاكل موجودة".
بدايات تأسيس الدولة العراقية
"من جهته اوضح الدكتور الشكرجي اهم النقاط الجوهرية التي تكاد أن تتمحور حولها الاخفاقات، التي احاطت بالمشهد السياسي العراقي وطيلة الفترة الماضي واثناء تشكيل الدولة العراقية الحديثة، خصوصا وهو يمثل حالة الجذر والبذرة والتربة التي تنمو من خلالها الاشجار، فربما تكون البذور غير صالحة أو هناك خلل بالتربة أو ربما في الاثنين معا، فضلا عن السقاية والرعاية وهي حتما ستؤثر على نضوج هذه الثمرة أو تلك، بالتالي نحن لابد من العودة إلى بداية تأسيس الدولة العراقية، وهي بطبيعة الحال تبدأ ما قبل العام (1921) من خلال ما متوفر من دراسات سياسية واجتماعية، وهنا لابد من التأكيد على (الاجتماع السياسي) الذي يعني بالمدرسة الفرنسية (علم السياسية)، هو يهتم بالسلطة وكل الظواهر السياسية حتى تصبح دولة".
"بالتالي هو يربطها بالمجتمع ومن ثمة يربطها بالاقتصاد، لذلك علم السياسية هو علم قائم على كل الارث الموجود بشقيه السياسي والاجتماعي، لذا لا يمكن فهم ظواهر السلطة من دون أن نتعمق بهذه الامور، فالعراق على سبيل المثال شهد العديد من الدراسات التي تتناول تفاصيل حية خصوصا تلك الدراسة التي وضعها (حنا بطاطو) وبثلاثة مجلدات، وهو قد اهتم بشرائح معينة في العراق (الضباط الاحرار/والاحزاب السياسية) وإلى اخره، وهذا مفيد جدا ولكن اساسه قائم على سنة (1921)".
"لذلك الاستاذ المشرف على اعداد دراستي اشار اليه بضرورة العودة إلى الجذور كما هو حاصل مع دول اخرى مثل (الهند/ روسيا/ الصين)، لذا كان لابد من وضع دراسة شاملة ومفصلة تهتم بالجذر التاريخي للعراق من جوانبه السياسية والاجتماعية، ولكن التاريخ يهتم بربط وسرد الاحداث التي تحدث في بلد ما ومكانا ما وزمانا ما، ايضا علم الاجتماع السياسي يهتم بالمسارات التي اتخذها هذا التاريخ (قوانين التاريخ)، فالاتجاه العام للكتاب كان يسير وفق منظور (علم الاجتماع التاريخي) وليس (التاريخ الاجتماعي)، خصوصا وأن (التاريخ الاجتماعي) هو علم وصفي، اما (علم الاجتماع التاريخي) فهو يدرس مسارات التاريخ".
"عندما ننظر إلى دولة ما نشخص بأن تلك الدولة فاشلة والدولة الاخرى هي ناجحة، الامر هنا وبمضمون تلك الفرضية يكون مرهونا على حقيقة تماسك الدولة كشعب وحكومة، هذا التماسك الاجتماعي في تلك الدولة يفسر لنا ثبات الوضع في هذا البلد أو ذلك، من جهة اخرى الخلل والاضطرابات والفشل الدائم في بلد اخر، ومن ثمة بين الاثنين هناك درجات معينة من التباين، لذا لابد أن نهتم بهذه الفكرة التي لها خلفية تاريخية وهي تعنى بالجذور الاجتماعية".
"فمثلا الروح العشائرية تعني لي كونها تجمع بشري موجود وقائم وله امتدادات اجتماعية مهمة، ولكن ما يهمنا في هذا الخصوص هو مدى طغيان الروح العشائرية في المدينة كما هو الحال في القرية، وايضا تجدها في الجامعة وفي الدوائر الرسمية، فمثلا هناك تحديات تم تحديدها في الصفوف الدراسية، فالطلبة سواء كانوا مثابرين على الدرس من عدمه يحاولون نشر بعض التعليقات على امل بناء شخصيتهم، بالتالي الاستاذ لا يسمح بهذه السلوكيات غير المتزنة، فضلا عن عدم وجود تبادل بين الطالب والاستاذ، لذلك فالأستاذ يعاني من قلة الاحترام من الكلية إلى الابتدائية، لذا فإن عدم احترام القوانين المدنية وفرض الرأي يوفر الينا خصوصية احتواء الروح العشائرية، وذلك من خلال البرامج التربوية أو من خلال رجالات الدين والعلماء والمثقفين، الذين هم بدورهم يعملون على وضع الدراسات والابحاث وعقد الحلقات النقاشية بغية استئصال الروح العشائرية.
"إلى جانب ذلك فنحن إلى الان لم نتوصل إلى حلول مناسبة لقضية المرأة والرجل، فنحن ما زلنا ننظر إلى المرأة بنظرة دونية، ولم نتقدم قيد انملة ازاء حالة التطور الحضاري، خصوصا ومع وجود حالة الصراع الايجابي الداعي لتحرير طاقات المرأة، باعتبارها تشكل نصف المجتمع، وعندما يكون نصف المجتمع معطل سيؤثر تلقائيا على النصف الاخر، فالأبناء على سبيل المثال يتربون في كنف الام، وهنا من الطبيعي وبحكم الثقافة الشعبية والاجتماعي ستنعكس سلوكيات الام على الابن، فينشأ الابن خائفا ومترددا وغير واثق من نفسه".
"لذلك تأتي الضرورة لدراسة تلك الثقافات والعودة إلى الجذور ومحاولة استئصالها، لأنها ومن دون أدنى شك قد اثرت على بناء الامة، فالعراقيون وعلى مدى اشواط بعيدة اصبحنا نعيش حالة عدم الانتماء لبلد واحد، بحيث أن التكامل والاندماج غير موجود أو ربما هو ضعيف جداً، لذا لابد أن نحقق نوعا من انواع التكامل فيما بيننا، وهذا يتحقق من خلال العمل على تحفيز النشاط الجماعي وأن نفرغ آفة المجاملات من مضمونها، فالنسيج العراقي على سبيل المثال يتكون من مسلمين ومسيحيين ومن سنة وشيعة ومن عرب واكراد، فهناك مثلا في المدن عداوات بين محلة واخرى وبين محافظة واخرى وهذا النسق هو نوع من انواع القبلية، الشيء الاخر الذي ينساق في الاطار العشائري هو عدم وجود القراءة وبأشكال متنوعة، وهذا ايضا عنوان مهم جدا ينمي شعور التكامل الاجتماعي والشعبي بين مكونات الشعب الواحد".
"فعلى هذا الاساس ممكن أن تقام الحلقات النقاشية وأن تدرس تلك القضية بشيء من التأني، وذلك على امل أن نحول الناس من حالة الاصطفاف غير المتكامل إلى اصطفاف متكامل ومميز".
بناء ثقافة وطنية مشتركة
"النقطة الاخرى التي يمكن الوقوف عندها هي تشكيل الوعي الوطني، وهذا بطبيعة الحال لا يتم ما لم نوجد العقيدة التي تقوم عليها الدولة وهي المساواة بين جميع المواطنين، فاذا هذه النشاطات هي من شأنها أن تحارب هذه الظاهرة، طبعا العملية دائما ديناميكية فالكل يسير جنبا إلى جنب، من مثل (التكامل الاقتصادي/ التخلص من العشوائيات/ بناء ثقافة وطنية مشتركة)، بالتالي كل هذه الامور تسهم مجتمعة في تشكيل الوعي الوطني عبر الثقافة المشتركة.
"وفي العام (1958) فشل النظام في استيعاب حركة المجتمع وحاجات المجتمع، فكانت هناك فوارق طبقية قوية بين الذين استفادوا من النظام وعلى الطريقة العشائرية، (طاهر الهاشمي) كان يجري عقود بيع وشراء على الاراضي في مكتبه، فحين يأتيه شيخ العشيرة ويطلب منه طلب وبالتالي يتفاوض على هذا الطلب حتى صارت لديه املاك هائلة".
"وهذه الابحاث حتما ستوضح لنا سبب الانتكاسات التي مر بها العراق خاصة الانقلاب الذي حصل في (1958)، بالتالي هذا الحدث شكل حالة قطع خصوصا وأن عملية تشكيل الدولة لم تستمر بل تقطعت اوصالها، فرجعنا نؤسس من جديد على اسس غير معلومة وغير ثابتة، علما أن ثورة (1958) جاءت لتصحح الاوضاع السابقة، لكنها واقعا ضجت بالكثير من الاخطاء من قبيل الغاء الانتخابات التي كانت موجودة وفيها بعض التزوير، ايضا المحاكمات وبعدما كانت غير اصولية احيانا من مثل تسلم المحامين للملفات قبل المحاكمة، الا انه اصبحت هناك محاكم غوغائية من مثل محكمة الثورة، الاحزاب السياسية ايضا لم يصدر لها قانون الا في العام(1961)، علما أن الحزب الشيوعي لم يقبل لولا الصياغة التي قام بها(داود الصائغ)".
"لذا فان هذا التغيير الذي حصل شكل عملية قطع لتكوين الدولة، وبدل أن نعود بسرعة وندافع عن المكتسبات السابقة عاد الشعب إلى اصوله القبلية تحت شعار (نارهم تأكل حطبهم)، بعدها كان هناك انقلاب اخر (لعبد السلام عارف) واستمرت الانقلابات إلى العام (1968)، وهنا المأساة اخذت بعدا أعمق حيث الحروب المستمرة والقتل والايتام والارامل وكانت هناك اعداد غفيرة من الضحايا، من ثمة جاءت صفحة دخول العراق إلى الكويت".
"بالتالي نحن امضينا فترة (23) عام بين حروب وحصار وافقار واذلال للمواطن، لذلك لا غرابة في هذا الموضوع حينما لا نجد قواعد ولا نجد قوانين، فكل شخص منا يتصرف كما يحلو له ويتفاعل نوعا ما مع القوانين، لذلك اينما تذهب انت هناك قانون من طراز معين حسب الموظف وحسب نوعية الدعم المقدم اليك، لذلك لابد ان تتم معالجة المسألة من الجذور، وهذا لا يعني عدم محاسبة الاشخاص الحاليين وعدم اتخاذ الاجراءات اللازمة التي يمكن وصفها في علم الادارة (اطفاء الحرائق)، ولابد أن تتوفر اجراءات معينة لمكافحة الفساد ولتصليح وضع المحاصصة، لذا علينا أن نناضل من اجل تلك الاشياء وديمومتها، ولكن في نفس الوقت هناك بناء على المستوى المتوسط والبعيد".
"ويجب أن نقوم في عملية البحث وتسخير العلم والبحث العلمي في تشخيص الامراض الموجودة في المجتمع وتقديم الحلول، وهذا طبعا سوف يساهم في تشكيل وعي وطني في بلد ممزق، خصوصا واننا امام حقيقة مفادها أن كل شخص في مكانه وكل شخص يحمل تفكير معين وحتى داخل المدينة الواحدة، لذا فإن هذه الدراسات من شأنها أن تقدم قاعدة لتقريب الناس مع بعض، وذلك لان الحقيقة في كل قضية هي واحدة، بالتالي عندما تكون لكل موضوع حقيقة واحدة وتثبت علميا، بالتأكيد العلم سوف يساهم بتشكيل الوعي الوطني، وذلك كون المقاربات لا تستطيع أن تتجاهل العلم".
"لاسيما وأن المحاولة التي قمنا بها نحن هي يتيمة وتشكلت منذ العام (1985) في فرنسا، ولم تأتي بعدها دراسة تحمل ذات المضمون وتعمل على تطوير أو تصحيح ما ورد فيها، بالتالي نحن كلنا امل على أن تتشكل دراسات اخرى كي ينتشر هذا الوعي الذي هو (ثقافي اجتماعي)، فالأحزاب السياسية العراقية لابد أن تهتم بهذا الموضوع وأن تبتعد عن الانماط الجاهزة، كأن يكون شعارات (تطوير الاقتصاد/ تسخير الثروة النفطية/ بناء الاقتصاد المستقبلي/ تطوير القطاع الخاص/القضاء على الفساد)".
"كلمة اخيرة الفساد الذي خرب المجتمع ونخر الاقتصاد العراقي، هو عموما يشكو من حالة التخبط والعشوائية، وهو مدعوم بحقيقة تقاضي كبار موظفي الدولة مبالغ مالية كبيرة بدل الحصول على الاستثمار، الامر هنا ايضا ينسحب على المواطن العراقي البسيط الذي يحاول أن يبتز الدولة من خلال التجاوز على الاملاك العامة، بالتالي الفساد المالي استطاع أن يتمركز من القاعدة إلى القمة، لذلك امست الفساد ظاهرة اجتماعية ووباء اجتماعي يجب مكافحته في الوسائل المناسبة".
المداخلات
انقطاع عن التاريخ
- الشيخ مرتضى معاش، المشرف العام على مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام "يتصور أن البحث الذي اشار عليه الدكتور هو جدا مهم للعراق في الوقت الحاضر، فنحن في العراق لدينا انقطاع عن التاريخ العراقي الحديث، فتاريخنا يبدأ عندنا من (2003)، ما قبل هذا التاريخ لا يوجد عندنا تاريخ، وصولا إلى العهود العثمانية، إلى جانب ذلك نحن نعيش الان نفس الظروف التي مر بها العهد الملكي، حيث كانت هناك عزلة بين الطبقة السياسية والطبقة الاجتماعية، ادى إلى نفور الطبقة الاجتماعية اي الشعب من الطبقة السياسية".
اضاف معاش "بالنتيجة حصل انقلاب على الملك وتأسس العهد الجمهوري، عندها الشعب اضحى ساكتا ولم يحرك ساكنا، والسبب لان الطبقة السياسية تحمل على عاتقها مسؤولية الفساد المستشري، بالنتيجة دخلنا في عهد من الكوارث، الان التاريخ يعيد نفسه حيث الشعب يرحب بأي ثورة تقوم على تلك الطبقة السياسية القائمة اليوم، بالتالي نحن كمن يدخل في عهد كوارث جديدة ونعيد رسم وصياغة التاريخ مرة اخرى، علما أن الفساد الذي تكلم عنه الدكتور هو جذوره عثمانية خاصة فيما يتعلق بظاهرة بيع المناصب، لذا فإن هذه مشكلة تحتاج لدراسة متأنية تستوعب دروس الماضي السحيق".
الاندماج في الوطن
- الدكتور حسين احمد السرحان، رئيس قسم الدراسات الدولية في مركز الدراسات الاستراتيجية/جامعة كربلاء والباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية "يؤكد على أن الكتاب فيه محطات مهمة، خصوصا فيما يتعلق ببناء الدولة العراقية والاشكاليات السياسية التي رافقت بناء هذه الدولة، والتي انعكست حتى على سلوك المواطن العراقي اتجاه النظام العام واتجاه الدولة، بالتالي نحن دائما ما نعلق بان مهمة دمج المجتمع أو المكونات الاجتماعية بنظام الدولة، هذه مهمة النظام السياسي التي لابد أن يعمل عليها من اجل دمج المجتمعات في اطار نظام الدولة الحديثة".
اضاف السرحان "لكن في اطار الدولة العثمانية كان هناك نوع من الحكم عابر للحدود، لكنه هذه المجتمعات كلها منضوية تحت هذا الحكم الذي يدعي انه اسلامي او ديني، طبعا لا يشكل اليوم على العراق فقط انه فيه مجموعة مكونات، بالتالي كل المجتمعات في العالم هي مجتمعات متكونة من مجموعة مكونات، ولا يوجد مجتمع في العالم من مكون واحد، هذه الجذور العشائرية التي تم ذكرها هي اكيد اثرت بعد العام (1921) وايضا بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة، اقرت على موضوع اندمج الافراد في نظام الدولة الحديثة، وهذا مما ساهم ورسخ من عدم اندماج هذه المكونات أو الافراد في نظام الدولة الحديثة".
يكمل السرحان "هو الجانب العشائري وايضا الجانب الديني، خصوصا وأن هناك بعض الفتاوى من رجال الدين سنة وشيعة، على أنه هذه الدولة كنظام جديد وكنمط للحياة جديد على المجتمعات، وأنه المال العام وهو غير معروف ملكيته فبصراحة منعت من اندماج الافراد في نظام الدولة، لذا فلا يعاب على المجتمع العراقي كونه مكون من مجموعة مكونات، بالتالي فإن مهمة النظام السياسي على المدى البعيد، هو ادماج المجتمع بكل مكوناته في نظام الدولة، وذلك حتى جعل كل الافراد يشعرون انه نظام الدولة (حامي لصالحهم /ضامن لحرياتهم/ ضامن حقوقهم/ضامن لمستقبل اولادهم وعوائلهم)".
يضيف ايضا "النظام السياسي بعد (1921) ونتيجة هذا النظام السياسي كان يمر في اطار الوصاية الدولية والانقلابات والتغيرات، حقيقة لم تترك هذه المهمة للنظام السياسي أن يعمل أو يقوم بدورة في ترسيخ هذا الاندماج، وهنا تعززت العشائرية وهذا امر طبيعي فحينما يصعد مستوى العشائرية يقابله هبوط في نظام الدولة والعكس صحيح، فاليوم بعد (2003) نرى مؤسسات انفاذ القانون تراجعت صعد تلقائيا الدور العشائري، وهذا الامر متواصل منذ تأسيس الدولة العراقية وإلى الان، فكلما انخفض اداء الدولة الدور العشائري يتفاعل اكثر، ايضا الازمات التي رافقت بناء الدولة العراقية منذ العام(1921) إلى الوقت الحاضر".
كما اوضح السرحان "ازمات كارثية بعضها يهدد الوجود، فانقلاب عام (1958) عمل على تهديد وجود الدولة، وحتى الانقلابات الاخرى هي عملت على تهديد وجود النظام، وبالتالي هي قطعت عملية بناء نظام الدولة وتعزيزه، علما أن متضمنات بناء الدولة هي(فنية/ رياضة/ اجتماعي/ ثقافية/ تعليم/ تربية)، هذه كلها تدخل في هذا النظام اذا كان القائمين عليه يمتلكون رؤية شاملة، لكن في حال عدم امتلاك هذه الرؤية وايضا الاحداث التي رافقت بناء الدولة، بالتالي اصبح يشكل تهديد وجودي لبناء الدولة، وبالتالي بعد (2003) نحن اقمنا دولة جديدة وفلسفة جديدة، فأمام هذا المنعطف كانت امام الحكومات الجديدة فرصة تاريخية".
اخيرا اورد السرحان "لذا لابد أن نضع رؤية شاملة لاندماج جميع المكونات وازالة كل القلق والتخوف مع بعضها البعض، عندها فإن المهمة الاساسية للنظام السياسي أن يوجد ثوابت وطنية تضم كل المكونات في الدولة، هذه الثوابت الوطنية للأسف لم توجد لحد الان".
التغيير سطحي
- الحاج جواد العطار، برلماني سابق "يعتقد أن جذور المشكلة واضحة والكل يتحدث عنها (العشائرية /روح الاستئثار /عدم قبول الاخر)، لكن الكل يساهم فيها ولكن لا يساهم في اثبات عكسها، الان السؤال من يصلح من؟، فالإصلاح اذا ما جاء من فوق يكون التغيير سطحي، ايضا التغيير يحتاج إلى اناس قادرين، واولئك القادرين على التغيير اذا ما ارادوا التغيير فتغيرهم لا يمس الجذور، فعلى سبيل المثال الامريكان عندما جاءوا بالديمقراطي عملوا على خلق نظام يقوم على التصويت فقط، ولم يعملوا على ابراز حالة (القبول بالأخر /المشورة/ التعاون/ الاندماج الوطني)، هذا كله يدخل في مفهوم الثقافة الديمقراطية".
اضاف العطار "اما بالنسبة للتغيير الجذري فهو يحتاج إلى هزة عنيفة مجتمعية، وهذه يقوم بها اناس مصلحون، خصوصا وأن التحولات التاريخية في العالم تحتاج إلى شخصيات استثنائية".
التغيير الذاتي
- الاستاذ المساعد الدكتور عبد الباقي الخزرجي، استاذ النحو في الكلية الاسلامية جامعة كربلاء "يرى أن العراق يحتاج إلى تهذيب سلوك، لاسيما وأن في المفاهيم العشائرية هناك نقاط انسانية جدا رائعة، ولكن هذا المفاهيم تحتاج منا إلى تقويم هذا اولا، ثانيا العراقي له من القابلية في تشخيص الامراض قابلية عالية جداً، بحيث يصل تشخيصه إلى المبالغة ومرات اخرى إلى الظلم، ولكن من المهم جدا أن يوظف ذلك التشخيص لوضع العلاج، بالتالي اذا لم تمتلك القدرة على غيرك فكيف تمتلك نفسك".
اضاف الخزرجي "فالفرد هو الذي تقع عليه المسؤولية المباشرة، في تحمل تبعات بناء الدولة وبناء نظامها، لذا فإن الظلم من الجميع ابتداء من المسؤول إلى المواطن العادي ولكن بسب متفاوتة".
من يغير من؟
- الدكتور قحطان الحسيني، الباحث في مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية "يؤكد على وجود عوامل اخرى ساهمت في فشل تجربة بناء دولة العراق الحديثة، فبالإضافة إلى الاعراف والتقاليد العشائرية وغياب الهوية الوطنية والارث القديم من ادارة الدولة ايام الدولة العثمانية، استجد لدينا في الآونة الاخيرة عامل التدخل الدولي والاقليمي في الشأن العراقي، هذا التدخل كان بدرجة حادة جداً إلى حد أنه اصبح صانع للقرار المحلي، وهذه مشكلة خطيرة تكاد تكون اخطر من العوامل الاخرى، التي من الممكن أن تعالج بقوانين تصدر من الحكومة أو من البرلمان، وهي ممكن أن تنظم الشأن العشائري بقانون ملزم، ويردع كل من يخالف هذه الثوابت الوطنية، وبالتالي عامل التدخل الخارجي هو الابرز في افشال أي تجربة لبناء دولة عراقية على الطراز المدني".
اضاف الحسيني "نقطة اخرى وهي تبادل الحوار وتبادل التأثير ما بين السلطة والجماهير، فهنا الاشكاليات التي تواجه الباحثين والمختصين في تحديد من يغير من أو من يؤثر على من، فعل تغيير السلطة كفيل بتغيير الجماهير، اما العكس صحيح فإصلاح المجتمع هو الذي يكون كفيلا في اصلاح السلطة وسلوك السلطة، بالتالي هناك اكثر من تجربة يمكن أن تمهد إلى خلق حالة الاصلاح المجتمعي".
الفساد قديم
- الدكتور علاء الحسيني، التدريسي وأستاذ القانون الإداري في جامعة كربلاء- كلية القانون والباحث في مركز آدم "يضع مجموعة ملاحظات منها أن المؤلف وضع يده على الجرح، خصوصا وأن العراق كان ولا زال يعيش التاريخ ولكن من دون أن يشعر، فالنتائج التي نعيشها اليوم والاثار التي تتفاقم يوم بعد اخر وعلى رأسها الفساد على سبيل المثال، هو ينتمي لتلك الجذور العميقة التي تضرب في الدولة العباسية صعوداً، واقرب دليل على ذلك هو الروتين القاتل لحد الان والبيروقراطية الشديدة، التي يعيشها البلد فضلا عن ارث الدولة العثمانية، ايضا اذا جاءنا على المجتمع الدولي فالتعويل على الامم المتحدة وما يصدر منها، هذه المنظمة الهرمة وهي اصبحت لعبة تمارس على الدول لإضعافها ولإلهاء الشعوب".
اضاف الحسيني "فالعراق مثلا صادق على اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد في قانون(35) لسنة (2007)، نتج عنه تأسيس لجنة النزاهة والتي هي فساد بحد ذاتها، حيث زيادة في الانفاق وهناك (11) مدير عام وهناك اعداد كبيرة من الموظفين من غير المحققين".
المجتمع بدائي
- علي حسين، طالب دراسات عليا "يرى أن جذور الفساد في العراق هي قديمة جدا وبدأ من عام (1914)، بعدما دخلت القوات البريطانية إلى العراق فالناس بدأت تهجم على معسكرات الجيش العثماني في العراق، حتى تشكلت حينذاك طبقة غنية واخرى فقيرة، بالتالي انتظرت الطبقة الفقيرة حدوث تغيير اخرى حتى يتسنى لهم الحصول على غنائم، عندها جاءت انتفاضة العشائر وايضا انقلاب (بكر صدقي)، وايضا حصل الهجوم على ممتلكات اليهود في العام (1941)، ومن ثمة أتى الهجوم على ممتلكات الناس المسفرين إلى ايران وهم اناس مسلمين، ايضا في (تسعينيات القرن الماضي تم سرقة محتويات الاماكن المقدسة)، بالنتيجة أن مسألة الفساد متجذرة، الشيء الاخر أن الطبقة السياسية الحالية وعندما جاءت من الخارج هي غير فاسدة، لكنها من الطبيعي أن تتكيف مع الوضع الراهن".
اضاف حسين "المجتمعات يقسمها (ماكس فيبر) إلى ثلاثة مجتمعات، الاول المجتمع بدائي وهو ينظر إلى السلطان على أنه الاله، من ثمة ينتقل إلى المجتمع الكارزمي حيث ينتظرون الحلول من الحاكم ومن السلطان، وهذا هو عودة إلى البدائية في الواقع، بالتالي نحن لا نخطو إلى الامام وإلى مجتمع قانوني".
- احمد جويد، مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات "يجد أن المجتمع له القابلية على أن يتفاعل مع الفساد بشكل طبيعي، بالتالي أن المسالة ترتبط بجينات الفرد العراقي، لكن هذا الامر واقعا يتغير بمجرد ما يجد المواطن العراقي نظام يعزز الصحوة الذاتية لديه، وهذا لما لمسناه من جراء السلوك المتبع لدى الفرد العراقي في الدول الاوربية".
التعليق على المداخلات
اخيرا يرد الدكتور الشكرجي على جميع الاشكالات التي وضعها الاخوة الحضور حيث ينطلق من كون الفساد قائم تاريخيا في الوسط العراقي، ايضا الحاضنة الفاسدة هي التي تنمي وتحفز حالة العودة أو اللجوء إلى الفساد، بالإضافة إلى ذلك فإن القيم العشائرية فيها محطات رائدة وجميلة كالضيافة والكرم، ولكن الجانب السلبي الذي استفحل كالصراع وعدم الاستماع إلى الاخر واقصاء الاخر هو الذي جعل تبعات العادات العشائرية ثقيلة، الشيء الاخر بعض الاحزاب السياسية تحاول أن تطعم الكابينة الوزارية ببعض الشخصيات المختصة، على امل نقل التجربة العراقية وبشكل تدريجي نحو الاداء الافضل".
"بالمقابل أن الاحلام الصادمة التي تتوعد الناس بأنموذج مثالي وخلال الفترة القادمة هذا امر غير وارد حاليا، بالتالي فإن الامور لحد الان مشجعة خصوصا وأن الفاصل الزمني ليس طويل في ذاكرة بناء الامم، ختاما نحن امام منجز علمي استطاع أن يلامس جانب من الحقيقة ونحن كلنا امل أن تسفر الايام القادمة عن نقاش موضوعي ومتكامل عن كل ما ورد في هذا الكتاب".
اضف تعليق