تتزايد المخاوف الدولية والإقليمية، لاسيما في العراق من احتمالات التصعيد الأمريكي الإيراني وما سيترتب عليه من تداعيات على أمن العراق والمنطقة بشكل عام. إذ شهدت العلاقات بين البلدين بعد تولي الرئيس الجديد "دونالد ترامب" الإدارة الأمريكية تصعيد كبير في المواقف السياسية والإعلامية بعد تمديد واشنطن العقوبات الأحادية على طهران لمدة عشرة سنوات قادمة، وفرض عقوبات جديدة شملت شركات واشخاص إيرانيين، بعد أن أعلنت طهران عن تجربتها الصاروخية مؤخراً.
وتتزايد المخاوف العراقية الداخلية من حالة التصعيد بين طهران وواشنطن؛ بسبب الأدوات السياسية والعسكرية والاقتصادية التي يمتلكها الطرفان في الساحة العراقية. وبهذا الاتجاه ذكرت بعض المصادر بأن الرئيس الأمريكي كان شديد اللهجة مع السيد العبادي خلال المكالمة الهاتفية التي دارت بين الرئيسين يوم الخميس 9شباط/فبراير، منتقداً دور إيران في العراق، ومطالباً العبادي بموقف أكثر شفافية في العلاقة مع طهران.
وتأتي هذه المكالمة بالتزامن مع حالة التصعيد بين البلدين، واتهام واشنطن لطهران "بانها دولة داعمة للإرهاب" في المنطقة. وهذا بالتأكيد سيجعل الحكومة العراقية في حرج كبير، لاسيما مع اتهام ترامب بأن "إيران تبتلع المزيد من العراق بعد أن انفقت عليه الولايات المتحدة 3 تريليونات دولار"؛ وذلك بسبب الأدوات التي تمتلكها طهران في العراق.
وتعد قوات الحشد الشعبي المنضوية في المؤسسة العسكرية العراقية من أخطر هذه الادوات-بالنسبة للأمريكيين-. إذ تضم هذه القوات بداخلها فصائل عديدة ترتبط بشكل أو بآخر بالجمهورية الإيرانية، سواء كانت سياسيا أو أيديولوجياً. وبطبيعة الحال فإن هذه الفصائل لا تخفي ولاءها أو ارتباطها السياسي والأيديولوجي مع إيران، وما يثير الوضع سوءاً ويضع حكومة بغداد في حرج شديد مع الولايات المتحدة والعالم أجمع والمحيط الإقليمي، بأن هذه المؤسسة أصبحت مؤسسة رسمية اكتسبت الشرعية القانونية بعد تصويت البرلمان العراقي على قانون الحشد الشعبي وارتباطها بشخص رئيس الوزراء.
هذه المخاوف عبر عنها عضو اللجنة الأمنية النيابية النائب "حامد المطلك" في تصريح له بقوله بإن «اي تصعيد بين احدى دول الجوار والدول الكبرى يؤثر سلبا على الوضع في العراق، لاسيما وأن العراق لا يمتلك زمام امره ولا قراره السياسي» فضلاً عن حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني والتقاطعات السياسية والمجتمعية، والأزمة الاقتصادية التي تعيشها الدولة العراقية؛ نتيجة لانخفاض اسعار النفط والحرب ضد تنظيم "داعش".
بالتأكيد هذه المخاوف التي توّلدها حالة التصعيد الأمريكي الإيراني في المنطقة، يدركها صانع القرار العراقي وقادة الحشد الشعبي بشكلٍ أو بآخر، فضلاً عن إدراك قوات الحشد الشعبي لها، وهذا ربما يفسر موقف الحشد الشعبي الإيجابي لحد الآن من تصاعد الأزمة بين طهران وواشنطن، بالتزامه حالة الصمت وعدم زج نفسه في هذا الصراع الإعلامي على أقل تقدير.
وبما أن خيار المواجهة العسكرية مستبعد بين واشنطن وطهران؛ بسبب رفض وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" التدخل عسكرياً بصورة مباشرة في الشرق الأوسط لعدة اعتبارات، إذ تعتبر إدارة ترامب أن الصراع مع الصين هو الأهم وبدأ بالفعل في بحر الصين الجنوبي، ستلجأ الإدارة الأمريكية إلى خيارات أخرى في التصعيد ربما تكون من خلال التنفيذ الحازم للاتفاق النووي أو إلغاءه، فضلاً عن المواجهة الإعلامية الشرسة.
بموازاة ذلك، قد تلجأ طهران إلى تقويض المصالح الأمريكية في العراق والمنطقة من خلال ادواتها السياسية والعسكرية بشكل يقلق واشنطن وحلفاءها في المنطقة، وأن تصريحات رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية في مجمع تشخيص النظام "علي أكبر ولايتي" يوم الأربعاء 15شباط/ فبراير، بأن "بلاده ستدافع عن العراق بكل قوة"، هي تأكيد لتلك المخاوف. وهذا بالتأكيد سيعّرض العلاقات العراقية-الأمريكية إلى خطر غير مسبوق، لاسيما وأن الإدارة الحالية في البيت الأبيض على حد وصف الكثيرين بأنها إدارة متهورة وجريئة في اتخاذ القرارات، ولا تأبه للعلاقات السياسية والدبلوماسية وذات عقلية اقتصادية "براغماتية".
ومع أن العراق مجبر على توطيد العلاقة مع الولايات المتحدة والمحافظة عليها بغض النظر عن اختلاف الإدارات الأمريكية، إلا أنه مجبر أيضاً على التعاطي مع الواقع السياسي الداخلي والإقليمي في المنطقة بشكل يضمن سيادة واستقلال القرار العراقي، وألا يزج نفسه في هذا الصراع لصالح طرف على طرف أخر، وأن يتم التعامل مع حالة التصعيد هذه بما يتناسب مع المصلحة العراقية الداخلية والخارجية.
وقد تكون قوات الحشد الشعبي معنية بهذا الأمر أكثر من غيرها؛ لعدة اعتبارات سواء كانت تلك المتعلقة ببنيتها التنظيمية وهيكليتها التأسيسية أو تلك المتعلقة بارتباطها الأيديولوجي وقوتها العسكرية ومصادر تمويلها، فضلاً عن أنها اصبحت مؤسسة عسكرية رسمية مرتبطة بشخص رئيس الوزراء. وبالتالي عليها أن تبتعد عن الصراعات السياسية، والحرب الإعلامية الدائرة بين القطبين بما يضمن استقلالية المؤسسة ومهنيتها، وعدم احراجها للحكومة العراقية.
اضف تعليق