بعض الكتاب والسياسيين والمحللين المقربين من طهران وحلفائها، استقبلوا بكثير من الترحيب الممزوج بنشوة النصر، حتى لا نقول الشماتة، الرسالة التي حملها وزير الخارجية الكويتي صباح الخالد الصباح إلى الرئيس حسن روحاني، والمشتملة على عرض خليجي (اقرأ سعودي) بتصحيح مسيرة العلاقات العربية–الإيرانية بالاستناد لجملة من الشروط والقواعد التي تضمنتها الرسالة.
في تفسير رد الفعل الاحتفالي بالتطور الجديد الذي طرأ على موقف الرياض، يرى بعض هؤلاء أن سياسات المملكة ومشاريعها في المنطقة، من اليمن إلى لبنان، مروراً بالعراق وسوريا والبحرين، قد وصلت إلى طريق مسدود، وأن إحساساً بـ "الهزيمة" يخيم على صناع القرار في السعودية، فضلاً عن هبوط أسعار النفط وما تسبب به من عجوزات في الميزانية ونزيف للاحتياطيات والصناديق السيادية.
ليس هذا فحسب، بل أن بعض الناطقين باسم طهران وحلفائها، وجدوا في المبادرة الكويتية مناسبة لتجديد الدعوة للمملكة لتغيير سياساتها والكف عن التدخل في شؤون اليمن والبحرين وسوريا، والامتناع عن نشر ثقافة التكفير ودعم جماعات التطرف الإسلامي العنيفة، باعتبار كل ذلك، مدخلاً وشرطاً لتطبيع العلاقات والانتقال بها من ضفة التوتر إلى ضفاف التعاون والاستقرار.
مثل هذه الأطروحات، وإن انطوت على بعض الصواب من حيث "تقديرها للموقف السعودي" الحالي، إلا أنها تتسم بنظرة أحادية الجانب، لا ترى إلا بعين واحدة، لكأن "القرح" الذي مسّ السياسات والأدوار السعودية في بعض دول المنطقة، كاليمن وسوريا ولبنان والعراق، لم يمسس السياسات والأدوار الإيرانية كذلك، وفي هذه الساحات بعينها... السعودية لم تنجح في اليمن، هذه حقيقة، لكن هل نجحت إيران في المقابل؟... السعودية لم تنجح في سوريا كذلك، لكن عن أي نجاحات تتحدث إيران فيها؟ وكذا الحال بالنسبة لبقية ساحات وميادين حروب الوكالة بين البلدين.
لم يذهب الوزير صباح الخالد الصباح إلى طهران، بقرار كويتي منفرد، أو في مسعى متفرد لإطلاق مبادرة وساطة كويتية، هو ذهب بتفويض من دول مجلس التعاون وقمة المنامة... أي بتكليف من المملكة العربية السعودية على وجه التحديد... ومثل هذا التكليف، ما كان ليحدث لو أن الرياض في أحسن حالات دورها الإقليمي والقيادي في المنطقة، ولو أن عاصفة الحزم اليمنية قد حققت أهدافها، ولو أن الرياض وليست الأستانة هي التي استضافت جلسات الحوار السوري – السوري... لكن أي من ذلك لم يتحقق، وثمة قناعة – على ما يبدو – بدأت تتسرب لبعض دوائر صنع القرار في الرياض، مفادها تعذر الخروج من حروب الوكالة بغالب أو مغلوب، وأن البديل لحرب المائة عام بين المذاهب والمحاور، لن يتأتى إلا بالاعتراف بالآخر واحترام مصالحه المعقولة، والجلوس معه على موائد الحوار والتفاوض.
في المقابل، تتنظر طهران، مع إدارة ترامب على وجه الخصوص، سنوات أربع صعبة للغاية... ومع تقدم المحاولات لحل الأزمة السورية سياسياً، ستتسع شقة الخلاف بين طهران وموسكو.... وأنقرة اليوم، باتت أقرب للكرملين من طهران كما تشير كذلك من الدلائل والمؤشرات... ثم أنه يتعذر القول بأن مشاريع طهران في كل من سوريا واليمن، قد حققت أغراضها، أو نجحت بالمستوى الذي حققه مشروعها في العراق... ثمة دلائل على أن القناعة بتعذر إلغاء الطرف الآخر أو إلحاق الهزيمة به، قد بدأت تتسلل لبعض دوائر صنع القرار في إيران أيضاً، لكن يبدو أن "المتطرفين" و"الغلاة" ما زالت لهم كلمة مسموعة على ضفتي الصراع السعودي – الإيراني.
ذات الشروط والسرديات التي تطرحها الأصوات المؤيدة لطهران والمحسوبة على "محورها"، تسمعها في الرياض وعلى ألسنة المحسوبين على المملكة، وإن استمر الحال على هذا المنوال، وإن قيل في الغرف المغلقة ما يتردد عبر وسائل الإعلام، فلن تكون هناك مصالحة ولن يكون هناك حوار، ولن تنجح لا وساطة الكويت، ولا أية وساطة التي قد تبذلها عشر دول، قال الرئيس حسن روحاني أنها سعت في رأب الصدع واحتواء الخلاف بين الجانبين.
ثمة قاعدة مصالح مشتركة وصلبة، يمكن الانطلاق منها لتجسير الفجوات الحادة التي تباعد ما بين الجانبين، وتبقي صراعاتهما مفتوحة على "سيناريو الانتحار الجماعي"، تبدأ بالطاقة وأسعار النفط ولا تنتهي بالحرب على الإرهاب الذي بات آفة تتهدد الجميع، بمن فيهم رعاته وداعميه، وصولاً إلى تفادي سيناريو إعادة رسم خرائط المنطقة، وفقاً لخطوط الطوائف والمذاهب والأقوام.
إن حالة الإعياء والانهاك التي تضرب مختلف لاعبي الإقليم، تدفع للتفاؤل بسيادة قدر من العقلانية على مواقف دوله وقياداته، من شتى المحاور والمعسكرات، وتعلي من شأن نظرية الراحل اللبناني الكبير، صائب سلام، صاحب شعار "لا غالب ولا مغلوب" في الحرب الأهلية اللبنانية.، لكن المسافة نحو "منظومة إقليمية للأمن والتعاون"، ما زالت طويلة وشاقة، وسيدفع كثيرٌ من العرب والإيرانيين والأتراك، أثماناً كبيرة من حيوات أبنائهم وبناتهم ومن بنيانهم وعمارهم ومواردهم، قبل أن ترسو سفن الامن والتعاون في موانئ المنطقة.
اضف تعليق