q

الجميع يدعو للإصلاح في المجتمع، والجميع ايضاً يشعر بالعجز عن تحقيق هذا الهدف المنشود، سواءً في إصلاح الظواهر أو الرموز، حتى باتت مفردة الإصلاح تشكل لافتة عريضة وشعار جميل يستريح عندها المعنيون من مؤسسات حكومية وثقافية، مع معرفتهم الكاملة بحجم التأثير الذي يتركه الإصلاح الاجتماعي وعلى سائر الميادين الفاسدة، وفي مقدمتها السياسية ثم الاقتصاد والقضاء، فما السبب وراء ذلك؟

بدايةً؛ مظاهر الفساد في أوساط المجتمع تلقى بظلالها على المجتمع نفسه، ولا تمسّ الدولة ولا الشريحة الغنية، فظواهر مثل الفقر والعنف الأسري والتحلل الأخلاقي والنزعة الفوضوية، كل هذه وغيرها تمثل عوارض لأمراض اجتماعية خطيرة تصيب افراد المجتمع جميعهم، وفق معادلة "المسؤولية الجماعية" التي أشار اليها القرآن الكريم: {واتقوا فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصة}.

وعندما يبلغ السيل الزُبى – كما هو المثل- ينطلق الخطباء والكتاب والاعلام ومن يمثلون لسان وضمير المجتمع، لرفع الشكوى الى اصحاب القرار والقدرة لإصلاح الفساد، وفعلاً؛ نلاحظ بعض الاجراءات الترقيعية التي لا تعدو كونها مسكناً للآلام سرعان ما ينتهي مفعوله، لأن الحلول لم تصل الى الجذور فيبقى الفساد ينتج المشاكل والازمات وتستمر المعاناة.

إذن؛ لابد من التعمّق في الحلول والنظر ملياً في الخلفيات، وما هي العوامل المسرطنة التي أوجدت أزمات اجتماعية كهذه؟.

لو نظرنا الى تجربة الرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله، في المدينة المنورة، ونظرنا ما كان يضم المجتمع الاسلامي الأول الذي تحدث عنه المفكرون والمؤرخون في العالم، نجد العجب العجاب! فقد كان يحيط بالنبي من افراد المجتمع المسلم؛ المنافقون، والنفعيون، والوضّاعون للحديث، والسطحيون في الايمان من سكّان البادية، حتى أن القرآن الكريم أشار اليهم بوضوح بأنهم {أشد كفراً ونفاقاً}. مع كل هذه التحديات الرهيبة، لم ينشغل النبي الاكرم بالجزئيات،ومن يكون المنافق؟ وماذا قال؟ وما الذي فعل كذا...؟ ومن اين حصل ذاك على المال؟! وغيرها من متاهات الاسئلة التي لها بداية ولا نهاية لها، إنما ركز على عامل الوعي وجعله القاعدة النفسية التي ينطلق منها افراد المجتمع انفسهم لللإسهام في الإصلاح والتغيير.

لذا نجد تأكيد النبي الاكرم في معظم مراحل حياته على الاخلاق، ومن خلال المنظومة الاخلاقية تمكن النبي من الكشف عن مواطن الخلل في سلوك الناس وتقاليدهم واعرافهم المتشكلة منها الثقافة الجاهلية التي طالما عانوا منها ردحاً من الزمن، ربما أبرزها؛ ظلم الانسان لأخيه الانسان، في ماله وعرضه، او تجسيد المشاعر الانسانية النبيلة إزاء الطفل والمرأة وحتى الحيوان في حالات وقصص يذكرها أصحاب السِير.

وهنا؛ ينبغي الاشارة ثانية الى التكوّن الحضاري للمسلمين في حياة النبي الاكرم، والذي ظهر للعالم بذاك الشكل الرائع والمهيب، ومن بعده تمكن من الانتشار في الآفاق شرقاً وغرباً دون أن يحدث المجازر وحروب الإبادة ونشر الدين تحت حدّ السيف، بأن كل هذه المنجزات جاءت من ذلك المجتمع الصغير الذي تمكن من معالجة مظاهر الفساد لديه بالوعي وفهم حقيقة تلك المظاهر، تماماً كما يحصل للمريض الذي يحمل مرض السرطان وهو يمارس حياته الطبيعية، ثم لا يلبث أن يخبره الطبيب بأنه مصاب بمرض يؤدي به الى الموت خلال فترة وجيزة.

إن مهمة نشر الوعي الاجتماعي تتطلب تظافر جهود المؤسسات الحكومية وغير الحكومية مع المؤسسة الدينية وايضاً الاعلام ومنظمات المجتمع المدني لكشف العلل التي تقف وراء ظهور تلك الامراض والازمات الاجتماعية، ثم الكشف عن مخاطرها على حياة الافراد والمجتمع ثم الدولة بشكل عام.

اضف تعليق