لذلك، فنحنُ أولى بالحبِّ، في عيدِ الحُبِّ، من أيّةِ ملّةٍ أُخرى على وجه هذه البسيطة، الّا انّنا أصبحنا اليوم من اكثر الامم تبنياً للكراهية، فبتنا لا نُحب حتى انفسنا، نكره الحياة فنحرّض على القتل، ونكره العمل فنسرق من الوقت، ونكره طلب العلم فنغشّ في الامتحانات، ونكره الرّعية فنظلمها، ونكره السلطة فلا ننصفها، ونكره الوطن فنسطو على الحقوق والمال العام، ونكره الفكر والثقافة فنكفّر الاخر، ونكره الدين فنفسّق الناس، ونكره الحق فنتبنى الباطل، ونكره الحقيقة فننافق، ونكره الحوار فنكذب، وهكذا.
لماذا؟ لأننا ضيّقنا الرؤية بتزمت عجيب وصل الى حدّ احتكار الحقيقة، فلم نعد نرى الا انفسنا وما نعتقد به وما نؤمن به وما نذهب اليه وما نفعله وما نقوله، وغير ذلك ضلال يقود صاحبه الى النار! إذا بالواحد منّا نصّب من نفسه حاكماً اعلى يجلس على عرش الله يُدخِلُ من يشاء الجنة ويزجُّ بمن يشاء النار.
اما القران الكريم فيقول؛ {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
انها معادلة إنسانية راقية تقوم على الأسس التالية؛
الانسان
العفو
الاحسان
الحُبّ
الله جلّ جلالُه
لقد خلق الله تعالى الخلق لعلّة مركزيّة واضحة فقال تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} ثم بعث الرسل والانبياء بدينه الحنيف ليعلّموا الناس طريق العبادة، الذي قال عنه الامام الصادق ع {وهل الدّينُ الا الحُبّ} هذا يعني ان الحُبّ هو أساس العبادة وهو حجر الزاوية، ولذلك، مثلاً، قال رسول الله (ص) {حبُّ عليٍّ عبادة} لانّ اوّل الإيمان الحُبّ وأوّل الاعتقاد الحُبّ وأوّل المودة الحُبّ وأوّل التعارف والتعايش الحُبّ وأوّل الحياة الحُبّ واول الإبداع الحبّ وأوّل النجاح الحُبّ وأوّل معرفة الله تعالى الحُبّ، فالذي يعتمد الحب كأساس في حياته هو الذي يحقق فلسفة الخلق الا وهي العبادة، اما الذي لا يعرف معنىً للحبّ فهو بالتأكيد لا يعرف معنى للعبادة حتى اذا اسودّت جبهته من كثرة السّجود وتقطّع لحم ركبتيه من كثرة الصلاة والتصقَ جلده بعظمه من كثرة الصيام، فالذي قتل امير المؤمنين (ع) كان يصلّي والذي قتل الحسين السبط (ع) كان يصوم، وان الذي يقتل الأبرياء بتفجير السيارات المفخخة والاحزمة الناسفة ويحزّ الرّقاب ويحرق ضحاياه احياء، هؤلاء كلهم يصلّون ويصومون ويحفظون القرآن، الا ان إيمانهم بلا حب وعبادتهم بلا حب، فالحب انتُزِع من قلوبهم وحلّت محلّه الكراهية والبغض، ولذلك لم يحققوا فلسفة الخلق الا وهي عبادة الله تعالى.
ان العفو يؤسس للحب الذي يؤسس للدين الذي يؤسس للعبادة التي هي أساس فلسفة الخلق.
ان الاناني لا يعرف معنىً للحبّ الا ذاته، كما ان المتزمّت لا يعرف معنى للحب الا بما يدور في خلده، بل انّه ربما لا يحبّ حتى نفسه لانّ من يحب نفسه يساعدها على التعرف على الحقيقة والتي لا تتأتّى الا بالإيمان بالتعددية التي تحتاج الى عقل منفتح قادر على الاصغاء بشكل جيد ثم اختيار افضل القول كما في قوله تعالى {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ}.
ما اروع ان نتميّز بثقافة العفو لنعيش الحُبّ في حياتنا وننشره في المجتمع، بدءاً بالاسرة تحديداً، فبالعفو نتجاوز الكثير جداً من المشاكل التي تعيشها الأسر والتي تنتهي في اغلب الأحيان الى الطّلاق والضّياع.
كذلك، فبالعفو نتجاوز توافه الامور والمشاكل والزلّات التي يضخّمها العناد والكبرياء المزيّف لتنتهي الى القطيعة.
وصدق الله العظيم الذي قال {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} فمن أخذ بالعفو هُديَ الى الحب، ومن هُديَ الى الحب عبد الله حق عبادته.
علّموا اولادكم وصغاركم الحُبّ، ولا تزرعوا في قلوبهم الكراهية والبغضاء والشحناء، علّموهم كيف يعفوا ويصفحوا، فلطالما خنقتني العَبرة حزناً على الجيل الجديد وانا اتابع مقطعاً من فيلمٍ لأبٍ او أُمٌّ يلقّنان طفلهما الصغير او طفلتهما الصغيرة الحقد والكراهية وطرق حزّ الرقاب!.
اضف تعليق