تقف الدولة العراقية كمجتمع ونظام سياسي واحزاب وكتل سياسية امام مرحلة مهمة وخطيرة بذات الوقت وهي مرحلة مابعد تنظيم داعش الارهابي. وهذه المرحلة حاضرة في إدراك تلك الاحزاب والاحلاف السياسية بصورة قلق من انعدام الدور في المرحلة المقبلة. لذا تبرز على السطح بين الحين والاخر مواقف تعبر عن هذا القلق وليس آخرها ما أطلق عليها التسوية التأريخية، ومواقف الاطراف الاخرى منها، وكذلك التخوف الذي أطلقته بعض قيادات الكتل الكبيرة من خطورة المرحلة المقبلة، ودعوة البعض الاخر الى تشكيل الاقاليم.
الحصة الاكبر من هذه المواقف كان من نصيب التحالف الوطني الكتلة النيابية الاكبر في البرلمان العراقي، كما ان تلك المواقف تُبرّز الى السطح حجم التناقض بينها ما يؤشر عدم الاتفاق على شكل وطبيعة المرحلة المقبلة وما يشكل الاساس لذلك هو عدم احتواء التحالف على نظام داخلي منذ ثلاث دورات انتخابية. هذا التناقض في التوجهات نابع من محاولة أطراف التحالف مغازلة واسترضاء جماهيرهم. ولكن يبدو من اتجاهات الرأي العام انها تؤكد وجود رفض جماهيري كبير للأحزاب والكتل السياسية المشاركة في ادارة الدولة، وكذلك القلق الذي يساور تلك الجماهير من تكرار الانتكاسة الامنية في المستقبل اذا ما استمر تواجد تلك الاحزاب والكتل السياسية، ناهيك عن حالة الامتعاض العارمة تجاه اخفاق النظام السياسي وفشله على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي وتوفير الخدمات العامة.
هذا الامر يشكل مصدر قلق للأحزاب السياسية المتيقنة من فشلها خلال المرحلة الماضية وعدم تمكنها من تحقيق انجاز على ارض الواقع يضفي عليها شرعية في ممارسة سلوكها السياسي في ادارة الدولة وبالتالي مجرد التبجح والتهويل بفوزها في الانتخابات لم يعد كافي في ظل فشلها المتراكم.
على صعيد آخر حقق الحشد الشعبي ولازال عبر فصائلهِ المختلفة انجاز كبير في مرحلة استثنائية في تاريخ الدولة العراقية متمثل في درء تنظيم داعش الارهابي عن بغداد في الدرجة الاولى، وكذلك تحوله (اي الحشد الشعبي) الى مرحلة الهجوم وابعاد التنظيم عن المناطق الغربية والشمالية الغربية من البلاد. هذا من جانب، ومن جانب آخر، شُكِل الحشد الشعبي بفتوى من المرجعية الدينية في النجف الاشرف التي تحظى بمقبولية واسعة لدى الجماهير المختلفة في مناطق العراق المختلفة. وهذا يضفي له شرعية ومقبولية أكبر على الرغم من ان تسمية الحشد الشعبي تسمية سياسية وليس تسمية من قبل المرجعية التي أطلقت فتواها ودعت الى التطوع في صفوف القوات الامنية، الا أن القوى السياسية ارادت ان تتصدر الموقف وتؤكد وجودها الذي كاد ان يتلاشى بعد سيطرة داعش على مايقارب من نصف مساحة العراق.
مع ذلك، شكل اساس تشكيل الحشد الشعبي وانجازاته على ارض الواقع وتضحياته منحته شرعية انجاز كبيرة وواسعة ليس فقط في وسط وجنوب العراق فحسب، بل في اغلب المناطق التي كان يسيطر عليها داعش الارهابي وساعد الحشد الشعبي بتحريرها وانضمام بعض ابنائها الى تشكيلاته. وبذلك شرعية الانجاز هذه تشكل مصدر قلق بالنسبة للقوى السياسية وفي مقدمتها التحالف الوطني. لذا كان ذلك سبب مهم لاندفاع التحالف الوطني بقوة تجاه اقرار قانون الحشد الشعبي ليضمن عدم تدخله في الحياة السياسية بعد المقبولية التي حُظي بها جماهيريا على اقل تقدير، فضلا عن ضمان استمرار وجوده.
ومع ان اغلب فصائل الحشد الشعبي ترتبط بقوى واحزاب سياسية تأكدَ فشلها في ادارة الدولة الا ان تلك القوى والاحزاب تشعر بالقلق من بروز شخصيات جديدة في الحشد الشعبي اثبتت تواجدها في جبهات القتال وربما تسحب البساط من تحتها وقد تضعها في المستقبل في خانة المحاسبة واقرار المسؤولية التقصيرية تجاهها.
فيما يتعلق بالتحالف الوطني، ظهرت في الاونة الاخيرة رغبة بعض قوى التحالف بالتنسيق بين الحشد الشعبي والتحالف الوطني في المستقبل حول القضايا والترتيبات الامنية. وهذه الخطوة تُصنف في خانة مصادرة شرعية الانجاز التي حققها الحشد الشعبي لاسيما مع الحديث عن ظهور كتلة سياسية باسم الحشد الشعبي.
من الناحية القانونية عُد الحشد الشعبي بعد اقرار مشروع قانونه جزء من القوات المسلحة العراقية وتحت قيادة القائد العام للقوات المسلحة رئيس مجلس الوزراء. وبالتالي اصبح الحشد الشعبي خارج عباءة ومظلة الاحزاب السياسية. عليه ليس من صالح تلك الاحزاب السياسية اليوم ان تحرج نفسها على المستوى القانوني وتحاول التواصل مع جهة عسكرية تأتمر بأمر القائد العام للقوات المسلحة كما في حالة الجيش العراقي والشرطة الاتحادية وجهاز مكافحة الارهاب وغيرها.
كذلك الحال مع الحشد الشعبي كقوة عسكرية مشابهة للتشكيلات العسكرية الاخرى لابد ان يبتعد عن القوى السياسية وينسلخ عن هويته الحزبية، ويذيب انتمائاته الفرعية في هوية وانتماء واحد وهو قوات الحش الشعبي التابعة للقيادة العامة للقوات المسلحة العراقية. وهنا لايمكن لحزب او كتلة معينة ان يدعي رعايته وتمثيلهِ على المستوى السياسي.
اضف تعليق