اثارت التطورات الاخيرة - التي رافقت انطلاق عمليات تحرير محافظة نينوى ومشاركة قوات حرس اقليم كردستان " البيشمركة" في محور مهم من محورها - والمتمثلة بمطالبة تركيا مشاركة قواتها في بعشيقة في تلك العمليات والتي جوبهت بالرفض من قبل العراق، وكذلك مطالبة تركيا قوات سوريا الديمقراطية –التي يشكل الكرد اغلبها- وقوات الاتحاد الديمقراطي السوري الذي تعده تركيا فرع حزب العمال الكردستاني في سوريا، ووحدات حماية الشعب الكردي المدعومة جميعها من الولايات المتحدة بعدم المشاركة في عمليات تحرير مدينة الرقة السورية بعد عزمهم المشاركة في تحرير مدينة منبج السورية، اثارت خشية تركيا من تنامي الدور الكردي على الجانبين العراقي والسوري. لذا جاء اعلان الرئيس اردوغان ان المدينتين (منبج والرقة) هما هدف القوات المدعومة من تركيا -ويقصد قوات الجيش السوري الحر- وعدد من القوات الخاصة التركية. وكذلك رفض تركيا لتحول سنجار الى جبال قنديل ثانيةً.
كذلك يُلاحظ التناقض الكبير بين الاهداف التركية المتضمنة اضعاف دور المقاتلين الكرد وعدم تواصل الاكراد على جانبي نهر الفرات، والاهداف الاميركية في القضاء على داعش الارهابي في العراق وسوريا. لذا حاولت الولايات المتحدة وعبر زيارة وزير دفاعها أشتون كارتر الى تركيا والعراق ومحاولته طمأنة الاتراك حول الموضوع. فهل نجحت في ذلك؟
مع تشكيل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لقتال تنظيم داعش الارهابي في آب /2014 بعد سيطرته على مساحات واسعة من العراق وسوريا، بدأت الولايات المتحدة والدول المشاركة في التحالف بتقديم الدعم العسكري واللوجستي للحكومة العراقية وكذلك اقليم كردستان –عبر بغداد- في جهودهما للتصدي لداعش الارهابي وتحرير المناطق من سيطرته. وبدأ يُنظر الى اقليم كردستان من قبل الولايات المتحدة والتحالف الدولي على انه حليف موثوق به وبمؤسسته العسكرية وعملياتها.
واصبحت قوات حرس اقليم كردستان "البيشمركة" قوات مستقلة قامت بعمليات عسكرية ونجحت في تحرير مناطق عدة في شمال وغرب محافظة نينوى وبذات الوقت عملت على كسب تأييد المجتمع الدولي لاسيما مع احتضان الاقليم لأكثر من مليون نازح.
في سوريا ودعمًا لقوات "الجيش السوري الحر"، أطلقت وحدات من القوات الخاصة في الجيش التركي، بالتنسيق مع القوات الجوية للتحالف الدولي، فجر 24 آب/ الماضي، حملة عسكرية في مدينة جرابلس، تحت اسم "درع الفرات"، تهدف إلى تطهير المدينة والمنطقة الحدودية من المنظمات "الإرهابية"، وخاصة تنظيم داعش كبداية لتشكيل منطقة آمنة على طول الحدود مع سوريا. ونجحت العملية، خلال ساعات، في تحرير المدينة ومناطق مجاورة لها، كما أنه تم لاحقا تحرير كامل الشريط الحدودي ما بين مدينتي جرابلس وإعزاز السوريتين، وبذلك لم يبقَ أي مناطق متاخمة للحدود التركية تحت سيطرة التنظيم.
هذا الانجاز -وبعد انطلاق عملية تحرير مدينة الرقة السورية- اعطى زخما لتركيا وحافزا لمنع قوات وحدات حماية الشعب الكردي وسوريا الديمقراطية وحزب الاتحاد الديمقراطي السوري من المشاركة في تحرير مدينتي منبج والرقة لمحاولة عزل الاكراد –كما قلنا– عن جانبي نهر الفرات كهدف آخر بعد نجاحها في تشكيل منطقة امنة على الحدود مع سوريا.
لا يبقى الهاجس امام تركيا دور القوات الكردية المتصاعد في شمال سوريا لاسيما مع انطلاق عمليات تحرير مدينة الرقة السورية المقر الرئيس لتنظيم داعش الارهابي فحسب، بل اصرار الولايات المتحدة على دعم تلك القوات الامر الذي يجعلها قوات مستقلة في قرارها، وطبيعة الهدف الاميركي في القضاء على داعش الارهابي دون النظر الى التخوف التركي من تصاعد الدور الكردي في المنطقة وخطورة اقامة دولة كردية عنصرية، لاسيما مع وجود اكبر عدد من الاكراد في تركيا.
وبخصوص هذا الدعم يؤكد كولن كلارك الخبير العسكري والإستراتيجي الأميركي ورئيس تحرير موقع بريكن ديفينس، "إن أميركا ستواصل دعم الأكراد ما داموا لا يشكلون خطرا على السلام الإقليمي ووحدة الأراضي التركية، وما داموا فعالين في محاربة تنظيم الدولة".
على الجانب العراقي، تشير التصريحات التركية المضادة لحزب العمال الكردستاني ورفض تركيا لاستقراره في سنجار لئلا تتحول الى جبال قنديل ثانيةً، الى التخوف ذاته لاسيما مع قيام الحزب بأعمال عنف داخل تركيا، ناهيك عن ارتباطه بحزب الاتحاد الديمقراطي السوري. لذا يعد هذا الخطر الاهم لتركيا، الا ان تركيا أدركت عدم مشاركته في عمليات تحرير نينوى. وكذلك مايثير الاستغراب هو ان تركيا لم تعبر عن تخوفها من الطموحات المعلنة لحكومة اقليم كردستان العراق في استقلال الاقليم وظهور الدولة الكردية رغم تنامي قوة البيشمركة العسكرية وزيادة اصدقائه الغربيين!.
وفي اطار سعي تركيا لتغيير موازين القوة على الارض في سوريا وخلخلة الجبهة الكردية مع انطلاق عملية تحرير مدينة الرقة، قال الرئيس التركي رجب طيب اردوغان يوم الثلاثاء 22/تشرين الثاني الجاري "ان قوات مدعومة من تركيا فرضت حصارا من جهة الغرب على مدينة منبج السورية الخاضعة لسيطرة داعش الارهابي، وانها تعتزم التوجه الى منبج بعد ذلك" واضاف "ان وحدات حماية الشعب الكردية يجب ان تغادر منبج تماما". كذلك اصدر القضاء التركي يوم الثلاثاء 22/تشرين الثاني الجاري مذكرات اعتقال بحق زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي السوري صالح مسلم، إلى جانب 47 من قيادات الحزب وقيادات من حزب العمال الكردستاني.
عليه ومن هذه الخطوة يبدو ان الولايات المتحدة لم تنجح في اقناع تركيا لتنظم معها في تحقيق هدف القضاء على داعش، ولم تنجح في طمأنتها بمشاركتها الفعالة في عملية تحرير الرقة التي عدّها اوردغان احد اهداف تركيا والقوات المدعومة من قبلها في شمال سوريا، او على الاقل اقناعها بعدم تشكيل الكرد خطر على وحدة الاراضي التركية. ولكن بماذا يُفسر عدم وجود تدخل عسكري تركي في عمليات تحرير الموصل؟
يبدوا ان المسألة مختلفة في العراق عنه في سوريا. ولب الاختلاف هو محدودية التخوف التركي من القوات الكردية على غير ما هو موجود في شمال سوريا عدا تخوفها من حزب العمال الكردستاني، فضلا عن ان تركيا كانت متخوفة ايضا من قوات الحشد الشعبي وتدخلها في مدينة تلعفر. وربما يعود تأخر دخول قوات الحشد الشعبي بمهامه في المحور الجنوبي الغربي لمحافظة نينوى وتلعفر الى نجاح الولايات المتحدة نسبيا في اقناع تركيا بعدم ظهور خطر على التوزيع الديمغرافي في حال مشاركة الحشد الشعبي بعد ملاحظة انضباط قوات الحشد والتزامهم بقرارات العمليات المشتركة والقائد العام للقوات المسلحة. وبذلك انتفى المبرر الذي تبجحت فيه تركيا وبررت تواجدها العسكري واصبحت في حرج كبير امام الرأي العام التركي والرأي العام العالمي.
اضف تعليق