q

بوفاة الزعيم الكوبي فيدل كاسترو تنتهي مرحلة عمرها اكثر من نصف قرن من الزمن كانت رمزاً لتحدي جزيرة صغيرة لأكبر قوة في العالم كما كانت كوبا ساحة لأزمة ساخنة جداً حدثت بين قطبي الحرب الباردة بسبب الصواريخ الروسية على أرضها القريبة من الولايات المتحدة.

وساد حال التوتر والقطيعة في العلاقات الأميركية – الكوبية على مدار ستة عقود، أي منذ انتصار الثورة الكوبية في العام 1959 وسقوط حكومة باتيستا المدعومة من الولايات المتحدة، ثمّ بسبب أزمة الصواريخ الروسية في كوبا بالعام 1962، والتي انتهت بسحب الصواريخ مقابل تعهّد أميركي بعدم اجتياح الجزيرة أو التعرّض لها عسكرياً، مع الحفاظ على استمرار القاعدة العسكرية الأميركية في "غوانتنامو" المقامة على أرض كوبا منذ العام 1903 بعقد إيجار مفتوح الزمن!.

وقد جرى فتح صفحة جديدة في العلاقات بين واشنطن وهافانا خلال العامين الماضيين تتوجت بزيارة الرئيس أوباما لكوبا في ربيع هذا العام والتي جاءت تثبيتاً لما أعلنه الرئيس الأميركي في نهاية العام 2014 عن السعي لإعادة العلاقات بين واشنطن وهافانا، ثمّ إعادة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين في العام 2015.

وأوباما هو أول رئيس أميركي يزور كوبا منذ العام 1928، ولذلك كسبت زيارته طابعاً سياسياً هامّاً، لكن قيمتها الفعلية كانت في توقيتها ومعانيها. فالزيارة حدثت في الأشهر الأخيرة من حكم أوباما ب"البيت الأبيض"، وستكون هي -كما الاتفاق الذي حصل مع إيران– في رأس الإرث السياسي له على مستوى السياسة الخارجية، كما أنّ الزيارة ارادت من دون شك خدمة المصالح الاقتصادية والتجارية الأميركية في السوق الكوبي الجديد.

ومن المعاني الرمزية المهمّة لزيارة أوباما لهافانا، فشل سياسة المقاطعة والعقوبات في تغيير نظام الحكم في كوبا أو تغيير سياساته، تماماً كما قال أوباما عن ذلك. وقد حدث هذا التزامن بين التوجّه "الأوبامي" الجديد نحو كوبا وبين نجاح المفاوضات مع إيران في العام الماضي، لكن طبعاً أزمة العلاقات الأميركية – الكوبية تختلف في ظروفها وموضوعاتها عن أزمة علاقات واشنطن مع طهران، رغم أنّ الرئيس أوباما اراد في الحالتين: مع كوبا وإيران، تأكيد فشل اسلوب المقاطعة.

لقد صمد النظام الشيوعي في كوبا لحوالي ستّة عقود، لكنّه لم يقدّم نموذجاً جيّداً في الحكم يُحتذى به في دولٍ أخرى، خاصّةً بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، وانهيار المعسكر الشيوعي عالمياً، وغياب مصادر الدعم الخارجي لحكم كاسترو. ولولا اضطرار الولايات المتحدة لاحترام اتفاقيتها مع موسكو في العام 1962 بعدم التعرّض عسكرياً لكوبا لكانت واشنطن قد اجتاحت هذه الجزيرة ونظامها منذ عقود، تماماً كما فعلت في فيتنام والعراق، وفي باناما بأميركا الوسطى، حيث اعتقلت القوات الأميركية الرئيس البانامي مانويل نورييغا وأودعته السجون الأميركية أيام حكم الرئيس جورج بوش الأب.

كان في أجندة الرئيس أوباما حينما وصل للرئاسة الأميركية أن يغلق "معتقل غوانتنامو" في كوبا، لكن أوباما نجح في فتح كوبا أمام الأميركيين بينما المعتقل ما زال معتقلاً وفشل أوباما بإغلاقه!. فهكذا هي طبيعة الحكم في الولايات المتحدة، حيث ما كل ما يتمنّاه "الرئيس" يدركه!.

السؤال الآن، كيف ستكون العلاقات الأميركية – الكوبية تحت إدارة ترامب، وهو الذي انتقد في حملاته الانتخابية ما فعله الرئيس أوباما من إعادة للعلاقات مع هافانا؟!. على الأرجح أنّ ترامب لن يتراجع عمّا فعلته إدارة أوباما تجاه كوبا حتى الآن لكنه سيوقف التطور الإيجابي في العلاقات لفترة من الزمن ريثما تحقق حكومة راؤول كاسترو خطوات إصلاحية في المجالين السياسي والإقتصادي يريدها ترامب كشرط لتحسين العلاقات مع كوبا.

* صبحي غندور، مدير مركز الحوار في واشنطن

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق