q

يجدر بنا البدء باستعراض تاريخي اولاً، اذ خلال العقدين المنصرمين كانت الحكومات الغربية وبخاصة الرأي المهيمن على السياسة الخارجية الامريكية، ترى ان الحركات الاسلامية، استبدادية ورجعية، وليس لديها القدرة ولا الادارة لتتصور وتكيف نفسها مع التغيرات التي تشهدها المجتمعات عموماً، وانها لا تستطيع التخلي عن ميراثها وعدائها الايدولوجي للغرب ايضاً. لذلك، اصبحت امريكا وحلفاؤها الاوربيون عن التعامل مع التيارات الاسلامية السائدة، بناء على تصور نموذج ثنائي للشرق الاوسط يشكل فيه الاصولوين الاسلاميون البديل الوحيد للحكام المستبدين الموالين للغرب.

ومع ذلك افتراض ضمني من جانب المسؤولين الغربيين بأنه لا وجود لطريق ثالث، او رأي عام، ولكن يوجد " شارع عربي " – كتابة عن المفهوم القائل انه اذا اتيح للمسلمين التصويت في انتخابات، سينتقون الخيارات الخاطئة، وان القوى الديمقراطية غير المجربة وغير المعروفة لن تدعى مصالح الولايات المتحدة في المنطقة بقدر رعاية الحكام المستبدين لها. وكما قال جين كيدك باتريك الذي كان سفير الولايات المتحدة لدى الامم المتحدة، والذي اشتهر بظرفه في حديث عن الديمقراطية والعرب.

العالم العربي هو الجزء الوحيد في العالم الذي هز ايماني بأنه اذا اتيحت لشعب اتخاذ القرار، فسوف يتخذ قرارات عقلانية تماماً. اعتقد كبار واضعي السياسات الخارجية الامريكية الى حين نشوب الثورات العربية، ومنهم الرئيس اوباما، ان اغلب الاسلامين معادون للغرب بطبيعتهم، ولا يمكن الوثوق بهم، ولن يلتزموا بمعاهدات السلام الموقعة مع اسرائيل، وسيسعون الى بناء دول متعصبة تحكمها الشريعة او القانون الاسلامي.

عندما سئل الرئيس اوباما قبل نشوب الثورات العربية ان كان يجدر بالولايات المتحدة التعامل مع الاخوان المسلمين، جاءت اجاباته معبرة للغاية، قال ان الاخوان المسلمين غير جديرين بالثقة، ويتبنون اراء معادية للامريكين، ولن يلتزموا بأتفاقية كامب ديفيد للسلام الموقعة مع اسرائيل. يجد رده هذا الموقف الشديد الارتياب على اعلى مستويات الحكومة الامريكية بالاسلاميين، وحتى احداث 11 ايلول/ سبتمبر 2001 صعدت مواقف صناع السياسة الامريكية من الاسلاميين التي أرقت المسؤولين هي موقف الاسلاميين المتصلب من فلسطين واسرائيل وخطابهم المعادي للسياسة الخارجية الامريكية.

تجدر الاشارة الى امر هنا، وهو ان وسط السياسة الخارجية الامريكية لم يكن متفقاً على معارضة الاسلاميين التقليديين، ذلك ان جدالاً مهماً في السياسة الخارجية دار في الولايات المتحدة قبل وقت طويل من الثورات العربية بشأن ما اذا كان ينبغي للولايات المتحدة التعامل مع الاسلاميين اصلاً، وتحديد افاق ذلك الحوار اذا كان ينبغي ذلك. حاججت شريحة من مؤسسة السياسة الخارجية الامريكية، المؤلفة من اساساً من مؤسسات فكرية ليبرالية، مثل مؤسسة كارنيغي ومعهد بروكينغز (brookings) – بأن الاسلامين قد ابتعدوا عن جذورهم الاستبدادية، وان احزاباً مثل الاخوان المسلمين قد تخلت عن شعاراتها المعادية للغرب، وانها مستعدة للتقيد بقواعد اللعبة السياسية، وان الاحزاب الاسلامية من بين اكثر الجهات الفاعلة نفوذا في المجتمعات العربية والاسلامية، وانها لن تختفي قريباً.

حاجج الليبراليون بأنه لا معنى لزعم ان التعامل مع الاحزاب الاسلامية سيمنحها شرعية، لانها تتمتع بها اصلاً بفضل مساندة جماهيرها. الحاصل في نظرهم انه يتعين على الولايات المتحدة التعامل مع الاسلاميين، اذا انه لا سبيل الى مرحلة انتقالية ديمقراطية في الوطن العربي من دونهم. لكن لم يكن لهذه الاراء تاثير قوي الى حين اندلاع الثورات العربية. فهجمات 11 سبتمبر عمقت ارتياب مؤسسة السياسة الخارجية الامريكية في جميع الاسلاميين وفي بدائل الحكام المستبدين الموالين للغرب. لذلك ترسخ الخوف من التيارات الاسلامية بشكل عام، وليس من تنظيم القاعدة فقط، في المخيلة الغربية منذ 11 سبتمبر.

قد استغل الطغاة العرب المواليين للامريكيين، مثل حسني مبارك، هذا البعبع الاسلامي واساؤوا استخدامه كأسلوب لأثارة الرعب لدرع الضغوط التي تحرسها عليهم راعيتهم القوة العظمى لفتح نظمهم السياسية المغلقة. استغلوا هذا الخوف المتصور بتصوير انفسهم شركاء في محاربة " المتطرفين " مثل الاخوان المسلمين. واستخدام مبارك بعبع الاخوان المسلمين حتى اخر يوم له في السلطة، حين طالبه ملايين المصريين بالتنحي، في تحذير الولايات المتحدة مما ينتظرها ان هو تنحى عن السلطة.

مع بلوغ الازمة السياسية اوجها في نهاية كانون الثاني، اتصل الرئيس باراك اوباما بحسني مبارك وحاول ايجاد طريقة لكي يبعده عن الساحة بكرامة. ولخص مسؤول في البيت الابيض رد مبارك بالاتي :" الاخوان المسلمون، الاخوان المسلمون...." واقرت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في خطاب القته في تشرين الثاني 2011، وناقشت فيه رد واشنطن على الثورات العربية التي احاطت بعدد من وكلاء الولايات المتحدة بالقول :" ظل الحكام الطغاة طوال سنين يقولون لشعوبهم ان عليهم القبول بالحكام المستبدين الذي يعرفونهم لتجنب الاسلاميين الذي يخشونهم... ولطالما قبلنا نحن بهذه الرواية ".

بما أن تصورات المحللين السياسين في الشرق الاوسط والعالم العربي خصوصاً، تستند شخصية اي رئيس جديد للولايات المتحدة الامريكية من أعتبارات تصريحاته من خلال معركته الانتخابية، وهذا هو الخطأ الجسيم لبعض رؤساء وقادة الدول العربية. مثلما صرح الرئيس الجديد دونالد ترامب حول المسلمين في امريكا وحول الاحزاب الاسلامية في حكومات الدول العربية.

تصريحات الرئيس الجديد للولايات المتحدة الامريكية لخطة سياسته الخارجية في الشرق الاوسط تمثل " مصائب قوم عند قوم فوائد "، مثلما وضع السعودية والكويت تحت مطرقة التعويضات، وبالمقابل هدد ايران بألغاء الاتفاقية الايرانية النووية، وهكذا بدء دور الرئيس الجديد في اللعب على اعصاب رؤساء العرب والمسلمين في منطقة الشرق الاوسط وهو خارج البيت الابيض، ولا نعلم ماذا يعمل عند دخوله البيت الابيض؟، هل يحول البيت الابيض الى استعراض الازياء بدلاً من استعراض القوة في الشرق الاوسط؟.

..............................................................................
* الآراء الوردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق