q

كما هو معروف شغلت قضايا الشرق الاوسط حيزا مهما في التنافس الانتخابي بين مرشحي الحزبين الديمقراطي هيلاري كلينتون والجمهوري دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية. وبرزت عنهما الكثير من المواقف والتصريحات تجاه احداثه المعقدة ومشاكلة المتجذرة وهي المنطقة التي تحتل اهتماما كبيرا في السياسة الخارجية للولايات المتحدة منذ عقود خلت.

وبعد ان تفاجأ الجميع بفوز مرشح الحزب الجمهوري، ظهرت تحليلات عدة اخذت تراجع تصريحات ترامب خلال الحملة الانتخابية ومواقفه من قضايا المنطقة بعد ان كانوا منشغلين برؤى مرشحة الحزب الديمقراطي كلينتون والتي رجحت كفتها في استطلاعات الرأي. ومع ان الكثير من الكُتاب والاعلاميين يؤشرون تناقض مواقف ترامب حول قضايا المنطقة مع نفسه في مواطن عدة، الا ان البحث والتأمل في تلك المواقف تجعلنا امام مجموعة افكار ربما تنبئنا بالخطوط العامة له فيما يخص تعامل الادارة الاميركية القادمة وسياساتها تجاه المنطقة واحداثها.

يرى ترامب ان الفشل في معالجة مشاكل المنطقة في مرحلة مبكرة ومن ثم الدفاع عن الفشل كشيء صحيح ينبغي عمله، حوّل هذه المشاكل الى ازمة لايمكن السيطرة عليها الامر الذي آثارها على مصالح الولايات المتحدة والامن الاقليمي. وبدلا من الاعتراف بالأخطاء ظهرت عبارات غير مفهومة مثل "القيادة من الخلف" او "القاء اللوم على شخص اخر" لمجرد ان تكشف الادارة الفجوة بين خطابها وقدرات الولايات المتحدة. ومع ذلك، كل الأخطاء تنبع من مصدر واحد، وهو عدم وجود استراتيجية شاملة. وقد فشلت التكتيكات ووصلت الى مستويات عبثية خلال السنوات القليلة الماضية. ويؤكد الرئيس المنتخب انتقاده الرئيس والادارة الحالية التي انفقت ملايين الدولارات لتدريب (50) من المقاتلين السوريين وجميعهم اختفى لاحقا. وانتقاده الإدارة الحالية التي شبهت داعش بفريق رياضي غير مهم ثم ارسلت جنود أميركيين لقتاله. وكل هذه جاءت من الغياب الواضح لما ينبغي ان تكون عليه الاستراتيجية الاميركية.

كذلك يرى عدد من الباحثين ان هذا النهج يعطينا صورة عن ردود الفعل المتأخرة للولايات المتحدة، وفشل الدبلوماسية، وتآكل المصالح العالمية للولايات المتحدة الاميركية ولاسيما في الشرق الاوسط. فمشكلة الارهاب استمرت بالتضخم بدون رقيب، وحافظت روسيا وإيران على دورهما في محاولة لاختبار عزم الولايات المتحدة بينما ظل الرئيس غير متأثر، وانتشرت الدول الفاشلة وشبه الفاشلة، وزادت محاولات إعادة تشكيل العالم على حساب الغرب والاستقرار العالمي. كذلك وجود حلفاء لا يثقون في الولايات المتحدة في نفس الطريقة التي كانت سابقا، والشراكات باتت أضعف، وأصبح البعض يتحدث علنا عن تراجع الولايات المتحدة الاميركية. ومن المؤكد أن الولايات المتحدة تفقد مكانتها في المنطقة، وأصبح النظام العالمي في ظل اختبار صعب.

فيما يتعلق بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة بشكل عام والشرق الاوسط بشكل خاص، برز دونالد ترامب –كرئيس للولايات المتحدة الاميركية– بكونه من اكثر الرؤساء غير المتوقع تسلمهم هذا المنصب منذ بدء بلاده بنشر سياساتها الامبريالية في الخارج نهاية القرن التاسع عشر. ومع انه يناقض نفسه في عدة قضايا الا انه يمكن التوقع بتأثيراته على سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الاوسط.

أشار ترامب خلال حملته الانتخابية وبعض قيادات الحزب الجمهوري مرارا وتكرارا الى اخطاء ادارة الرئيس باراك اوباما في المنطقة وفي مقدمتها الانسحاب العسكري من العراق وافغانستان. وكذلك اكدوا على عيوب نهج الرئيس أوباما في منطقة الشرق الأوسط والتي باتت واضحة للجميع تقريبا واستخدم الخطاب في دبلوماسيته وانتقدوه بانه لم يكن على ادراك بأن حتى تنجح الدبلوماسية لابد ان تكون مرتكنة الى قاعدة خرسانية من قدرة الولايات المتحدة على الاقناع والضغط والتنفيذ.

ولكن امام الادارة الاميركية تحدي مفاده هو ان الرضوخ لاستنتاج اليأس "ان الولايات المتحدة لاتستطيع حل مشاكل الشرق الاوسط" ينبغي ان لايسمح بتطور خيالي للدفاع عن سياسة "عدم فعل شيء". وان العالم ليس مثالياً ويجب على الولايات المتحدة ان ترى ان مهمتها ليست مهمة تبشيرية لتجعل العالم مثالياً.

الازمة السورية

تشكل الازمة السورية تحديا كبيرا للإدارة الاميركية القادمة نظرا لتعقيدات الوضع الداخلي، فضلا عن تعقيدات تعارض مصالح الاطراف الاقليمية الفاعلة. وبهذا الصدد أكد مستشار ترامب ان الاخير يريد التعاون مع روسيا لحل الازمة السورية ويرى بضرورة ايقاف الدعم لفصائل المعارضة السورية بالأسلحة المضادة للدروع، وان تحالف الفصائل المعارضة وتزويدها ودعمها بالأسلحة شكل مبررا لنظام الاسد وروسيا لقتالهم.

يرى الكثير من الكُتاب ان الشعب السوري سيكون اول المتضررين من انتخاب ترامب لرئاسة الولايات المتحدة. فأبواب الولايات المتحدة ستُغلق في وجه اللاجئين السوريين مع استثناء بسيط للمسيحين منهم. كذلك تحريض ترامب من خطورة اللاجئين السوريين على الامن الداخلي الاميركي، وكذلك التخوف من اللاجئين المسلمين.

ولأجل ايقاف تدفق اللاجئين السوريين، دافع ترامب عن تشكيل "منطقة امنة" ضمن حدود البلاد (سوريا) لتضم الاشخاص المهجرين السورين بدلاً من السمح لهم بالخروج من بلادهم كلاجئين. وقال مستشار السياسة الخارجية لترامب ان الاولوية هي لمكافحة الإرهاب وخاصة تنظيم داعش، وإيجاد مناطق آمنة للاجئين السوريين، ثم التشاور مع جميع القوى الدولية والإقليمية الفاعلة من أجل إيجاد حل للأزمة السورية.

الامر الآخر، وفيما يتعلق بدور روسيا في الازمة، سيدشن ترامب سياسة جديدة قائمة على التعاون والصداقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على اساس استيعاب مصالح روسيا في الشرق الاوسط. وهذا يعني القبول بدور ايجابي لروسيا في سوريا ودعم نظام بشار الاسد باعتباره اهون الشرين، بمعنى اخر تصبح الاولوية لقتال داعش الارهابي والقضاء عليه.

وسيكون من المنطقي ايضا ان يطالب ترامب حلفاء الولايات المتحدة التقليدين في المنطقة ان يكفو عن دعم المعارضة السورية المسلحة، ثم ستشارك واشنطن موسكو لتشكيل حكومة ائتلافية سورية تضم اعضاء من المعارضة. وهذا يمكن ان يفتح الطريق لتعاون الولايات المتحدة مع نظام الأسد باسم "الحرب على الإرهاب".

وفيما يتعلق بايران ودورها في سوريا، فمنذ ان اعلن ترامب استعداده الى إلغاء الاتفاق النووي مع ايران والذي تفاوضت حولة ادارة اوباما، فانه يعود ليلعب على نفس الوتيرة الطائفية للصراع. لذا لوح بإمكانية اغراء السعودية الى الانضمام الى ما يمكن ان يظهر لاحقا وهو المثلث السني (انقرة القاهرة الرياض) وتدعمه واشنطن. ويرى بعض الباحثين ان ترامب يؤمن بأن التغلب على دور ايران في سوريا يكون باستدراج كل موسكو ونظام الاسد لقطع العلاقات مع طهران. ونرى ان هذا الامر بالغ الصعوبة كون علاقات ايران مع موسكو ونظام الاسد تترسخ باستمرار وعلى الصعد السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية.

الصراع الاسرائيلي–الفلسطيني

اكد ترامب في خطاب الفوز بالانتخابات انه سيعمل مع الإسرائيليين والفلسطينيين لإحلال السلام الدائم. الا انه يرى ان هناك "رجل قوي" آخر في المنطقة والذي ستتحسن علاقاته كثيرا مع الولايات المتحدة في ظل ادارة ترامب هو رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو. وهذا ربما يعني ان الضحية الاخرى لانتخاب ترامب هو الشعب الفلسطيني. كما سيتم منح نتنياهو حرية اكبر في التصرف مع الفلسطينيين اكثر من اي رئيس وزراء اسرائيلي سابق بعد ارييل شارون في اعقاب احداث 11 ايلول 2001.

ايران:

يؤكد البعض ان طهران لديها خيار واحد من خيارين لتعمل به وهو: إما أن تعيش مثل بلد عادي وتعالج مشاكلها داخل حدودها، أو تواصل محاولاتها لتوسيع نفوذها في المنطقة. ويرى البعض ان ترامب سيشترك مع الحلفاء الإقليميين، لجعل كلفة الدور الايراني مرتفعة جدا مما يجعل مثل هذه الاساليب غير مثمرة، أو على الأقل ليست مربحة جدا.

وهذا يتطلب برأيهم تعزيز الأمن في دول الخليج العربية، والتحرك بسرعة ضد حركات التمرد المدعومة من إيران. ويدعون الى ان لايمر تدخل إيران في شؤون الدول الأخرى دون عقاب، وانها ينبغي ان تكافأ عندما تنهي تدخلاتها وتوقف دعمها للارهاب، وان تعاقب اذا استمرت بسياستها الحالية. ويؤكد القريبين من ترامب ان النقطة الجوهرية هنا هو السلوك العدواني. والاتفاق النووي يمكن فهمه من مؤيديه على انه يمنع طهران من تملك اداة ابتزاز رئيسة او التحريض على سباق نووي في المنطقة، ولكن الصفقة ذاتها عززت من سلوك إيران العدواني. وبينما كانت تُعرض الصفقة باعتبارها وسيلة للحد من المغامرة الإيرانية، فإن المشكلة الكامنة وراء سلوك طهران نمت بشكل أكثر تعقيدا منذ توقيعه دون معالجة الأسباب التي تجعل من هدف ايران امتلاك قنبلة نووية - وهذا الاتفاق النووي كافأ ايران لسياستها واعطاها المزيد من القوة للاستمرار فيها من دون هوادة.

ومن جهتها اكدت وزارة الخارجية الاميركية انه ليس هناك ما يمنع الولايات المتحدة من الانسحاب من الاتفاق الذي وقع في 2015 مع ايران بشأن برنامجها النووي اذا ما اراد ترامب ذلك. وقال الناطق باسم الوزارة مارك تونر، إنه مع حرصه على عدم التكهن "بما ستفعله الادارة المقبلة" برئاسة ترامب، فان "أي طرف يمكنه الانسحاب" من الاتفاق الذي ابرمته الدول العظمى وايران العام الماضي لضمان عدم حيازة طهران السلاح النووي. وقال مستشار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب للسياسة الخارجية وليد فارس "إن الاتفاق النووي مع إيران سيتغير بشكل يضع في الحسبان دول المنطقة التي تضررت من التدخلات الإيرانية".

دول مجلس التعاون الخليجي

ترى دول مجلس التعاون الخليجي أن الولايات المتحدة تدرك جيدا الاخطار التي تهدد أمنها واستقرارها. وتهدف تلك الدول الى اتخاذ واشنطن خطوات عملية لتنفيذ التزاماتها بسرعة تجاه المنطقة، بحيث يشعر زعماء تلك الدول أن شيئا ما قد تغير في سياسة واشنطن. واكد مستشار الرئيس ترامب وليد فارس ان ترامب يريد اعطاء دور اكبر لدول الخليج العربي لحل الازمتين السورية واليمينة ويهدف الى تقوية العلاقات معها. وفيما يخص الازمة السورية، يرى ترامب انه على حلفاء الولايات المتحدة التقليديين الكف عن دعم المعارضة السورية وهنا ربما يذكر ترامب بالتواصل الذي حصل بين مسؤولين اميركان وممثلين عن دول الخليج والمعارضة السورية خلال العامين 2012 و2013 والتي نتج عنه التزامات لكن اهملت في وقت لاحق. لذا لابد من إعادة تأسيس الثقة من خلال إجراءات سريعة ليثبت لحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة أن الإدارة الجديدة جادة في متابعة تنفيذ ما يعبر عنه بعبارة اتخاذ إجراءات ملموسة. ويرى البعض ضرورة أن يؤدي الحوار والتواصل إلى شيء عملي وإلا فإنها ستصبح بروتوكولات غير منتجة. كذلك لا يجب على الولايات المتحدة أن تتفق مع جميع السياسات العربية، كما أن ليس هناك حاجة للعرب لقبول جميع سياسات الولايات المتحدة. لكن الخلافات يجب أن تُدار بطريقة تُبقي الطرفين تحت مظلة المصالح الجوهرية للجانبين.

مصر وتركيا:

البلدان حلفاء مقربين للولايات المتحدة لكنهما اعداء قريبين من بعضهما البعض. المبدأ الرئيس هنا هو ان الاستقرار لكليهما هو تكامل لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة. والعديد من جوانب السياسات الداخلية للبلدين غريبة لأسباب مفهومة كما هو حال تعامل الحكومة التركية مع الانقلاب الاخير. ولكن المصريين والاتراك هم فقط من لهم الحق في حل مشاكلهم وتقرير مساراتهم.

السياسات المحلية هي شأن داخلي. ولكن من وجهة نظر الولايات المتحدة ان تلك السياسات تكون محل اعتراض من قبلها اذا كانت غير لائقة وعندما يتم توظيفها ضد مصالحها أو عندما تتعدى على نحو بشع على الاتفاقيات والأعراف الدولية. ومع ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى النظر في الكيفية التي تعبر عن تحفظاتها حول هذه السياسات بهدف ضمان عدم تأثيرها على الاستقرار في كل البلدين.

كذلك وفي اطار اتباع سياسة تفضيل "الرجال الاقوياء" في السلطة - الذي شاركها مع الرئيس بوتين- سيرغب ترامب في تحسين علاقة الولايات المتحدة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس التركي رجب طيب اردوغان. وربما يحاول ترامب رأب الصدع بينهما ويقودهما للانضمام الى الجهود المشتركة ضد الارهاب بالشكل الذي يعتبر فيه كل منهما وكأن الارهاب في بلده.

وتدرك الولايات المتحدة انه ينبغي مساعدة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في كفاحه الشاق لإعادة بناء اقتصاد بلاده. وينبغي مساعدة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان لمواجهة الارهاب ضمن حدوده. كذلك دعا ترامب الى تسليم المعارض التركي عبد الله غولن الى السلطات التركية وهذا ما طالب به رئيس الوزراء التركي علي بن يلدريم بعد اعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الاميركية. من المهم للولايات المتحدة توفير أكبر قدر من المساعدة، لأن من شأنها أن تخدم مصالحها الإقليمية ايضا.

العراق وسوريا:

في اطار تغيير الاولويات وصعود اولوية القضاء على الحركات الارهابية ربما يُفهم منه ان الاهداف الاساسية في كلا البلدين هو المحافظة على الدولة، والمحافظة على سلامة اراضيهما. ومع ذلك، فأن الوصول إلى تلك الأهداف صعب ويواجه جملة تحديات. ويرى مؤيدي ترامب انه ليس هناك فرصة في سوريا للمحافظة على الدولة او الوصول الى درجة مقبولة من الاستقرار الدائم من دون حل سياسي يخلص البلاد من السلطة السياسية الحالية في دمشق. حتى أكثر المراقبين تفاؤلا لا يرون كيفية الجمع بين الأسد كرئيس واستقرار الدولة في المستقبل.

الاسد يعارض الحل السياسي الذي يقضي بإبعاده. ولكن هذا لايعني ترك المسار السياسي بل يعني ان الحل السياسي المعقول - والذي يهدف إلى خلق الاستقرار المستدام نسبيا في سوريا - هو غير قابل للتحقيق وفق التعامل الحالي مع الازمة، إلا من خلال اقتراح الحل الذي يهدف إلى تحقيق السلام المستدام و مثل هذا السلام يمكن الوصول اليه بشرط تعديل ميزان القوى الحالي على الأرض. وينبغي للطريق الدبلوماسي ان يبقى مفتوحاعلى أن لا يتحول إلى طريق رئيس في الوقت الحاضر. وينبغي أن تستند الحلول الدبلوماسية إلى أسباب معقولة وواقعية.

في العراق، وفي ظل المعاناة من تنامي التنظيمات الارهابية فقد انتقد ترامب مرارا وتكرارا ادارة الرئيس أوباما على اضاعتها ما اسماها "الأصول الأمريكية" ويقصد بها القوات على الارض في وسط البلاد واحداثها حالة فراغ الامر الذي قاد الى نمو تنظيم داعش الارهابي وغيره. ومع ان الولايات المتحدة اعادت ترتيب هذه الاصول ولكن بعد فوات الاوان وعلى خلفية تجاهلهم طوال 8 سنوات وهي مدة رئاسة اوباما للولايات المتحدة. وهذا يعني قد نشهد في الاشهر القادمة توافد للقوات الاميركية الى العراق للقضاء على التنظيمات الارهابية، واستمرار تعزيز الارادة الدولية للقضاء على داعش الارهاب في العراق في اطار الزخم الذي اكتسبته الانتصارات المتتالية في معركة تحرير الموصل.

واخيرا نعتقد ان منطقة الشرق الاوسط تضج بالمشاكل المتجذرة بعمق في تاريخها وبالنتيجة اذا ارادت الادارة الاميركية القادمة حلحلة الاوضاع المعقدة في المنطقة واصلاح الاضرار الناجمة عن (15) عام من السياسات الفاشلة في الشرق الأوسط. فيجب عليها ان تعمل على محورين متوازيين وهما: العمل لتحقيق الاستقرار، والدعم لإحداث التغيير.

والصعوبة تكمن هنا، اذ ان الترابط بين الاستقرار والتغيير صعب خاصة في منطقة الشرق الاوسط. فبينما يمكن ان تلعب الولايات المتحدة دور في تعزيز الاستقرار في المنطقة، فان كل محاولاتها السابقة لإحداث التغيير انتهت بالفشل. وهنا نتساءل ألا ينبغي لهذا الفشل المتكرر ان يدعوا الإدارة القادمة الى التفكير في أوجه القصور في نهج الادارات السابقة؟

التوازن بين الاستقرار والتغيير يجب إمالته بقوة نحو الاستقرار في ظل الظروف الراهنة في الشرق الأوسط. وهنا يتساءل احد الباحثين حول امكانية أن يتطلب ذلك دعم الأنظمة التي تتشارك قليلا مع القيم الأميركية؟ ويجيب بنعم يتطلب. فالتغيير هو مسؤولية شعوب المنطقة وليس مسؤولية اي شخص اخر، واذا لم تستطع الشعوب احداث هذا التغيير، فإن تدخل الخارج سيفشل لا محال وهذا ما تبينه احداث المنطقة منذ بدء الالفية الثالثة على اقل تقدير.

كذلك تحتاج الولايات المتحدة الى العمل مع حلفائها لحفظ الاستقرار وهذا امر ممكن، وان تدرك ان المنطقة تمر بمرحلة تحول تاريخي وبالتالي لابد من ابعاد عبارة "نهاية الدولة في الشرق الاوسط" التي يطرحها بعض الساسة الاميركان والغربيين لان في ذلك ضياع الاطر التنظيمية المنظمة لمجتمعات المنطقة وتصبح الفوضى سمة عامة. وينبغي أن يستند هدف تحقيق الاستقرار على رؤية طويلة الأجل تبدأ مع إدارة وتشكيل هذا التحول في الطريقة التي تحد من انتشار عدم الاستقرار، وان يصبح الاستقرار مبدأ منظم للرئيس القادم. وان يكون التحرك لتقليل عدم الاستقرار سريع وخاطف. واهدار الوقت والتردد هما الاخطر بالنسبة للتحولات السريعة والمتتالية التي تمر بها المنطقة المبنية على رمال متحركة.

* مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2016
www.fcdrs.com

اضف تعليق