حظيت الانتخابات الامريكية ونتائجها على مواقف واصداء مثيرة وغير مسبوقة فحتى قبل الفرز النهائي للأصوات مساء الثلاثاء، كان حلفاء واعداء للولايات المتحدة يحاولون التعامل مع نتيجة الانتخابات الأميركية ويتعايشون مع فوز هيلاري كلينتون لكن النتيجة الصادمة كانت فوز مرشح الرئاسة دونالد ترامب، الذي تحدى النظام السياسي العالمي وحتى النظام السياسي الامريكي والمؤسسات فيها.
واهم من عبر عن نتيجة هذه الانتخابات هو (جيرارد أرو) السفير الفرنسي لدى الولايات المتحدة اذا قال: "إن العالم كما نعرفه ينهار أمام أعيننا" بحسب ما كتب، مساء الثلاثاء على تويتر، مستشهداً بالضربة المزدوجة التي تتمثل في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي وتحول أميركا الحاد نحو الشعبوية الانعزالية.
وأضاف في تغريدته التي أعقبت نتائج الانتخابات الصادمة: "إنها نهاية حقبة الليبرالية الجديدة. ويبقى أن نرى ما الذي سيأتي بعد ذلك".
وهذا بالنسبة لي يمثل افضل توصيف لاستشراف واقع الولايات المتحدة واثر صعود ترامب على النظام العالمي وماسيترتب من اصداء توليه الرئاسة.
ما يهمني هو رصد المواقف الدولية والاصداء التي صدرت مباشرة بعد النتائج، اذ قام قادة الدول الصديقة وغيرهم من كندا والمانيا وفرنسا وبريطانيا وتركيا إلى كوريا الجنوبية واليابان والعراق، بإصدار تهنئة رسمية لترامب، وأعربوا عن آمالهم في مواصلة تحالفاتهم التقليدية، والتي شكك ترامب في الكثير منها أثناء الحملة الانتخابية.
رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، التي تقود خروج بلادها من الاتحاد الأوروبي، رحبت بفوز ترامب، وذلك ضمن بيان صدر مساء الثلاثاء، قالت خلاله: "لقد كنا، وسنظل شركاء أقوياء ومقربين في التجارة والأمن والدفاع".
والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ترى "أن ألمانيا وأميركا تربطهما قيم مثل حرية الديمقراطية واحترام سيادة القانون وكرامة الإنسان، بغض النظر عن الأصل أو لون البشرة أو الديانة أو النوع". وأضافت في ما يعد شروطاً لتواصل ألمانيا مع أميركا الجديدة: "على أساس هذه القيم، فإنني أقدم لرئيس الولايات المتحدة المنتخب دونالد ترامب تعاوننا الوثيق". وقال رئيس وزراء اليابان شينزو آبي بعد الانتخابات: "يداً بيد مع ترامب، سنحاول العمل سويا".
ومن ناحية أخرى، ومواقف اخرى، فقد هزت رؤية ترامب الرافضة لحلف شمال الأطلسي كبار المسؤولين في ألمانيا. ووصفت وزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون در لاين، فوز ترامب بأنه (صدمة كبيرة)، وقالت إن شركاء أميركا في التحالف غير واثقين من التزام الرئيس المنتخب بتأييد التزاماتها الأمنية في أوربا.
ومن ناحية أخرى، كان العديد من كبار المسؤولين لاذعين على نحو غير معهود في تقييمهم للنظام السياسي الأميركي الجديد. وقال بادي أشداون، دبلوماسي بريطاني سابق: "كل هذا قبيح ومخيف عن أميركا، كيف يمكننا وقف هذا الجنون"؟.
وكتب رولاند باريس، مستشار السياسة الخارجية السابق لرئيس وزراء كندا جاستن ترودو، على تويتر مساء الثلاثاء: "أيا كانت نتيجة اليوم، فإن نجاح رسائل ترامب وساندرز المناهضة للتجارة، بما في ذلك الدول الحدودية الرئيسية، يمثل مصدر قلق حقيقي".
وأضاف: "إن خطاب الفوز الهادئ والتصالحي الذي ألقاه ترامب كان غير مقنع لأنه لا ينم عن شخصيته الحقيقية". وعلى الجانب الأخر، يخشى بعض المراقبين الأوربيين من أن الانتخابات الأميركية ربما تكون بداية للصراعات، وتبشر بتحول أكثر حدة نحو اليمين وازدهار ربيع الشعبوية في الانتخابات المقبلة في النمسا وهولندا وفرنسا وألمانيا والمجر. ففي شهر أبريل، ستجري فرنسا انتخاباتها الرئاسية، بينما ستجري ألمانيا الانتخابات البرلمانية في سبتمبر المقبل.
وكتب المؤرخ البريطاني سايمون شاما على تويتر، "هذه الكارثة بالنسبة للديمقراطية ستشجع بالطبع الفاشيين في جميع أنحاء العالم من أوربا الشرقية وحتى لوبان"، وأضاف "الآن نحن بحاجة إلى تشرشل لتطبيع ومقاومة وفهم الهاوية التي سقطت فيها الديمقراطية".
أما الجناح اليميني في أوربا، فقد استقبل انتخابات الثلاثاء بالابتهاج، وأرسلت مارين لو بان، زعيمة الجبهة الوطنية اليمينية في فرنسا، برسالة تهنئة إلى ترامب وإلى الشعب الأميركي الحر. وتفاخر والدها، مؤسس الحزب، قائلاً: "الولايات المتحدة اليوم، وفرنسا غداً".
وبالنسبة لروسيا فقد منحتها هذه النتيجة الأمل في تحسين العلاقات مع البيت الأبيض، نتيجة للتقارب والتفاهم غير المباشر بين بوتين وترامب، وهذا سينعكس على الحل السياسي في سوريا رغم ان الرئيس بشار الاسد سيستفيد من توجهات ترامب في سوريا والمنطقة الا انه لم يرسل تهنئة لحد الان علنا.
اما ايران فهي رابحة وخاسرة من وصول ترامب، رابحة لان مقاربة ترامب لمحاربة الارهاب وموقفه من جماعات المعارضة السورية وتقاربه مع بوتين تثلج صدور ساسة ايران، وخاسرة لانه هدد بتمزيق الاتفاق النووي معها وهدد ايران بالعقوبات مرارا، ناهيك عن موقفه من اسرائيل والقضية الفلسطينية، وهذا الامر مسحوب على تركيا فهي ربحت لان ترامب لم يذكر تركيا بكلمة واحدة اثناء حملته الانتخابية، وصرح مؤخرا احد مستشاريه بأن تركيا حليف مهم لأمريكا لا يمكن التخلي عنه، وخاسرة لان ترامب معجب بالاكراد ويعول عليهم وسيدعمهم.
اما السعودية ستكون اكبر المتضررين من وصول ترامب وهذا مفهوم لان امريكا لن تحميها مجانا، بل يعتقد ان امريكا ليست بحاجة لاموالها ولديه قناعة راسخة بانها مصدر العنف وتحريك عجلة الارهاب فكريا وماليا وبشريا، لهذا ايد ترامب بشدة قانون جاستا، وستخسر ايضا السعودية لان ترامب وعد بسحق تنظيم داعش وجبهة النصرة وبقية الفصائل المعارضة التي تراهن عليها في سوريا والعراق من اجل اضعاف خصومها وتعديل موازين قوتها مع ايران.
اما مصر فأظن ان العلاقة مع امريكا بعهد ترامب ستدشن نمطا تفاعليا اكثر عمقا، نتيجة للتقارب بين السيسي وترامب وكان السيسي اول المهنئين له بالفوز وسبق ان التقاه في نيويورك وتمنى فوزه.
اما العراق فهنأ رئيس الوزراء حيدر العبادي ترامب، ويأمل العراق ان تنخرط امريكا اكثر وبجدية عالية لمساعدة العراق لمواجهة داعش وتأسيس علاقة ايجابية اقتصاديا وعسكريا وانتهاج استراتيجية اكثر وضوحا من سلفه في العراق، لهذا تأمل دوائر صنع القرار العراقي في ترامب بتطبيق وعوده بمحاربة جذور الارهاب الفكري والمالي دون النظر الى تعقيدات الوضع الاقليمي وخصوصيات البيت السياسي العراقي الداخلي وحساسياته الاجتماعية، وهذا محل شك.
اخيرا يمكن القول، ترامب المرشح غير ترامب الرئيس اتمنى من العرب والعراقيين ان لا يعولوا كثيرا على الانتخابات الامريكية وشخصية الرئيس القادم وتوجهاته، امريكا محكومة بقيم ومؤسسات وثوابت ودستور ومصالح، والعلاقات الدولية لا تدار بالحملات الانتخابية والنهج الدعائي والشعبوي، انما تدار وفق اطر المصالح العليا والتنافس والتعاون والصراع.
يجب ان لا نتفائل كثيرا بوصول ترامب الى سدة الرئاسة حتى لا نصاب بخيبة امل لاحقا، علينا ان نعتمد على أنفسنا بدل ان نراهن على سياسات وتوجهات الاخرين.
اضف تعليق