بعد الموقف الشجاع والمسؤول للسيد عبد الجليل بن سالم وزير الشؤون الدينية في تونس يوم الخميس 3/11/2016 أمام لجنة الحقوق والحريات في البرلمان التونسي عبر فيها عن حقيقة تختلج الصدور منذ زمن بعيد وتبحث عمن يفصح بها ويعلنها على الملأ، إذ إن المسؤولين في البلدان العربية والأجنبية يتحاشون البوح بالسبب الحقيق للتطرف في العالم الإسلامي، بل يتحاشون الإشارة إلى السبب الحقيقي للتطرف الديني الذي أنتج الفكر التكفيري الإرهابي.
فمن الثابت إن أصل مصائب العالم هو الفكر الضال والذي نشأ وترعرع في المملكة العربية السعودية، وان شيوخ الطريقة الوهابية هم جذر الإرهاب ومنهم وبرعايتهم انحدرت موجات من الشباب المغرر بهم نحو اغلب بلدان العالم لزراعة الموت والخوف والدمار، فقد وضع السيد عبد الجليل بن سالم يده على الجرح وقال، "إني أبلغت السفير السعودي إن المذهب الوهابي "يفرخ" الإرهاب وان هذا المذهب هو السبب الرئيس للإرهاب في العالم"، ولم تمضٍ ساعات على ذلك ليتلقى العالم الحر نبأ مؤلم هو إقالة الوزير الذي عبر عن الحقيقة بحجة إن تصريحاته تنم عن عدم احترام ضوابط العمل الحكومي وتمس بمبادئ وثوابت الدبلوماسية التونسية، وعبر رئيس ديوان الرئاسة التونسية "إن بن سالم ارتكب هفوة بتعبيره عن موقفه الشخصي من السعودية وعلاقتها بالإرهاب.
فما هي الدوافع التي جعلت الحكومة التونسية تعاقب وزيرها على خلفية تعبيره عن رأيه بالمذهب الوهابي؟
الواضح إن التحرك الحكومي السريع باتجاه إقالة الوزير يعبر عن سياسة ربما ستعتمد من قبل حكومة السيد يوسف الشاهد في تكميم الأفواه إرضاءً للدول الراعية للإرهاب من اجل الحفاظ على المصالح الاقتصادية مع العربية السعودية واستدرار بعض المساعدات المالية التي يشترى من خلالها الحكام الخليجيون مواقف الدول محدودة الموارد ومنها الدولة التونسية لتدعم وتؤيد موقف السعودية في المحافل الدولية، وبالتالي ارتكبت الحكومة التونسية خطأ كبيراً في معاقبة وزيرها متناسية إن الشعب التونسي دفع ضريبة باهظة من أجل الحرية وعدم التعرض للحريات وفي مقدمتها حرية التعبير.
ويأتي هذا الأمر في الوقت الذي تخلت فيه حتى الولايات المتحدة الأمريكية عن حليفتها القديمة بسبب سجلها الأسود في حقوق الإنسان ورعايتها للإرهاب في أغلب دول العالم الأمر الذي دفع الكونغرس الأمريكي بتشريع قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" والذي أعطت فيه الحق لمواطنيها لإقامة الدعاوى مباشرة إلى المحاكم الفدرالية ضد العربية السعودية كون هنالك (15) إرهابي متطرف من الذين نفذوا اعتداءات 11 سبتمبر يحملون جنسيتها ومن لا يحمل هذه الجنسية هو تأثر بالفكر الإجرامي للمدرسة الوهابية وتلقى الفتاوى التكفيرية والتحريضية من شيوخ الفتنة الذين هم أعمدة الفكر الإرهابي في العالم اليوم وجلهم من مواطني المملكة أو ممولين من أجهزة مخابراتها ويقطنون في دول أخرى، أضف إلى ذلك إن السيد يوسف الشاهد أكثر الناس إدراكاً للحقائق الآتية فلماذا أغمض عينه عنها؟ وهي:-
1- إن المادة (31) من دستور تونس لعام 2014 ينص على (حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة)، وبالتالي ما قاله السيد عبد الجليل بن سالم كان وجهة نظر عبر عنها كرأي شخصي أمام لجنة برلمانية متخصصة بالحقوق والحريات فهل يقابل بالإقالة.
2- اقسم السيد الشاهد اليمين الدستورية التي تضمنت عبارة اقسم بالله العظيم إن اعمل بإخلاص لخير تونس وان احترم دستورها.... فلماذا لم تحترم المادة (31) التي تنص على حرية الرأي والفكر أم إن الاحترام سيكون مجتزأ والإسراع نحو المادة (82) من الدستور التي تمنح رئيس الوزراء سلطة إقالة الوزراء؟.
3- تعهد السيد الشاهد في كلمته التي ألقاها أمام البرلمان في (26/8/2016) باحترام حرية الرأي والتعبير في تونس، إلا انه نكل بعهوده ووعوده، الأمر الذي يثير مسؤوليته السياسية ويمكن لمجلس النواب التونسي إقالته استناداً للمادة 97 من دستور 2014 بعد التصويت على لائحة لوم للحكومة التونسية التي لم تحترم التزاماتها الدستورية.
4- إن تونس من أشد الدول تأثراً بالفكر الوهابي الضال ولذلك شواهد من أهمها:
أ- انتشار التطرف والمتطرفين بشكل ملفت في المجتمع التونسي لاسيما في المناطق الجبلية والمحاذية للجزائر ما يهدد الأمن القومي لتونس وبالخصوص بعد ثورة 14 يناير 2011 التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي وصعود نجم حركة النهضة التي يرتبط بعض قادتها فكرياً بالحركات الاخوانية في الدول العربية.
ب- إن الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها تونس سببت نكبات للاقتصاد الوطني آخرها الهجوم على المنتجع السياحي في سوسة الذي تبناه الفكر المتطرف (داعش) المولود من رحم الوهابية ما انعكس سلباً على السياحة في البلد بعد مقتل عدد من السواح الأجانب وسبب تراجع في موارد الدولة يبدو إن العربية السعودية تحاول عبر وعودها للحكومة هنالك بتعويضه من خلال استثمار بعض الأموال.
ج- إن الحكومة السابقة برئاسة الحبيب الصيد أعلنت مراراً عن نيتها إغلاق 80 مسجداً في عموم البلاد بعد أن ثبت إنها تحرض على العنف في البلد وتخرج منها مئات المتطرفين منهم من سافر إلى سوريا والعراق وليبيا ومنهم من انضم إلى الجماعات والخلايا الإرهابية النائمة التي من شأنها تقويض السلم الأهلي في تونس.
د- أعلن السيد عبد الجليل بن سالم إن هنالك مراجعات من قبل الأكاديميين السعوديين للفكر الذي أنتجته المملكة وكانت تونس أحد ضحاياه، وهذا الأمر حاجة ملحة لإنقاذ العالم من هذا الفكر الضال المضل الذي بسببه انتهكت الأعراض وقتل الأبرياء وكان التونسيون منهم.
من كل ما تقدم نجد، إن قرار الحكومة بإقالة السيد عبد الجليل بن سالم يخالف التزامات تونس بموجب الشرعة الدولية التي تكفل حرية الرأي والتعبير ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 والعهدين الدوليين لعام 1966 وما ورد بالدستور التونسي في ديباجته التي جاء فيها ((وتعبيراً عن تمسك شعبنا بتعاليم الإسلام ومقاصده المتسمة بالتفتح والاعتدال وبالقيم الإنسانية ومبادئ حقوق الإنسان الكونية السامية...)).
فهل إن الفكر الوهابي المتطرف الذي انتقده السيد الوزير يمثل الفكر الإسلامي الأصيل المتميز بالاعتدال والتسامح؟؟ سؤال ينبغي أن يجيب عليه رئيس الوزراء التونسي راعي الدستور وحامي الديمقراطية في بلاده.
...................................................
اضف تعليق