اكثر ما يتردد في أروقة الصالون السياسي مؤخرا ومراكز البحوث والدراسات؛ هو الحديث عن مرحلة ما بعد داعش.. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل داعش ستنتهي بتحرير الموصل؟ ام ان داعش تعيش بيننا منذ فترة طويلة وقد تستمر حتى بعد تحرير الموصل بأشكال ومسميات مختلفة.. ان لم نتدارك الامر بدراسة وافية للمرحلة الماضية وتحديات المرحلة المقبلة؟؟.
واذا كان تحرير الموصل قد اصبح تحصيل حاصل بهمة الغيارى من القوات الأمنية والحشد الشعبي البطل والبيشمركة والعشائر، فان تحرير الارض لا يكفي للقضاء على داعش وجودا وفكرا بل يجب ان نحرر العقول ايضا من الفكر المنحرف وان نزيل ما خلفته داعش في المناطق المحررة كافة من عادات دخيلة (دينية واجتماعية) ما انزل الله بها من سلطان.
ان ما بعد داعش ليس تحليلا او مرحلة زمنية ماضية بل هو تحديات خطيرة داخلية وخارجية، دولية واقليمية مع جارة قريبة جغرافيا من الموصل تحلم بإمبراطورية عثمانية جديدة عبر اطلاقها عملية درع الفرات في سوريا والمشاركة في التحالف الدولي بالموصل والجهر علنا بادعاء حق؛ في رسم مستقبل المدينة. وجمهور كبير من النازحين الغاضبين على الاوضاع المزرية التي رافقت سقوط مدنهم ورحلة النزوح الطويلة التي ستعود بالضرر على استقرار المدينة بعد التحرير.
إذن نحن بحاجة اليوم الى مشاركة جميع ابناء العراق جنبا الى جنب وبالتساوي في عملية تحرير الموصل، مثلما اننا بحاجة الى أمرين على درجة كبيرة من الأهمية، هما:
١- البحث في الدروس المستنبطة من السنين الماضية وبالشكل التالي:
* استنباط دروس ما قبل داعش والعمل على إزالتها حتى لا تتكرر حالة الانهيار التي رافقت دخول داعش للموصل؛ مستقبلا.
* استنباط الدروس من هزائم داعش في سرت بليبيا وحلب بسوريا.. وتوظيفها إيجابا في معركة الموصل وبما يحول دون سقوط ضحايا كبيرة من قواتنا الأمنية او تدمير المدينة.
٢- البحث في التحديات المهمة التي ستواجه صانع القرار في العراق بعد تحرير الموصل مباشرة وقراءتها بديلا عن مرحلة ما بعد داعش، ويمكن ان نحدد العاجل منها، وبالشكل التالي:
* ضمان اتفاق المحررين (وبالذات الحشد الشعبي والبيشمركة والعشائر) وعدم اختلافهم او تقاتلهم لا سامح الله.. بعد التحرير.
* رسم العلاقة مع التحالف الدولي وأهمية عدم تدخل الولايات المتحدة بترتيب اوضاع المدينة بعد التحرير.
* اعادة النازحين الى الموصل وتكييف اوضاعهم لضمان ولاءهم للعراق دون غيره.
* إعمار المدينة.. وإعادة عجلة الحياة الطبيعية اليها.
* محاصرة التدخلات الاقليمية من محوري السعودية وتركيا، والأخيرة تمثل ثقلا سلبيا في معادلة الموصل بسبب أطماعها التأريخية وعلاقاتها الستراتيجية مع اقليم كردستان الذي سمح بدخولها الى اراضي البلاد وإنشاء معسكر بعشيقة.
اخيرا ان الحرب لن تنتهي بتحرير الموصل فقط.. بل ان المعركة يجب ان تستمر بصفحاتها الاخرى الأمنية والإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والاهم من كل ذلك فرض سلطة القانون وإعادة هيبة الدولة التي ضاعت بدخول داعش وحكمه الذي استمر ثلاثين شهرا.. ومن المؤكد ان هذه الصفحات لن تطوى سريعا، واذا كان داعش قد انكسرت شوكته على مدى السنتين الماضيتين فانه سينتهي ان شاء الله بتلاحمنا ووحدتنا وقدرة حكومتنا على مواجهة التحديات العاجلة.
اضف تعليق