الديمقراطية في مأزق.. هذا ما خلصت اليه الكثير من الاراء والدراسات سواء ماتعلق منها بالدول ذات التاريخ العريق في التنظير والممارسة الديمقراطية، او ماتعلق منها في الدول التي ليس لها حظ في مثل هذه العراقة، واقصد بها الدول التي تمر بمرحلة انتقالية الى الديمقراطية.
في الجانب الاول، لم يصل الخطاب السياسي الامريكي الى هذا الحد من الانحطاط الى الحضيض كما هو حاصل الان في الحملة الرئاسية الامريكية بين المرشح الجمهوري دونالد ترامب والمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون.
فقد اجمع العديد من الخبراء على ان هذه الحملة الرئاسية لا تشبه أي حملة قبلها، فقد شهدت اتهامات عنصرية ومهينة للنساء ومعادية للاجانب واعمال عنف جسدي، بالاضافة الى بروز نظريات عدة بوجود مؤامرة ومواقف جديرة بحكم دكتاتوري.
ويكتب الصحافي في صحيفة "واشنطن بوست" ريتشارد كوهن "باتت لدينا مناعة ضد كل هذا... الكذب، التعريف المتقلب للجنس والبذاءة... وزوال الحدود بين ما هو خاص وما هو عام".
ويعتبر الاستاذ في كلية الاعلام في جامعة كارولاينا الشمالية فيريل غيلوري ان المعطيات تغيرت لان النقاش السياسي بات يتم ايضا على الانترنت.
ربما يكون "دونالد ترامب" غير مناسب لرئاسة الولايات المتحدة، ولكنه مسيطر بشكل كبير على وسائل التواصل الاجتماعي، واكتسبت تغريداته المثيرة للجدل والغضب على موقع "تويتر" شهرة واسعة حتى تجاوز عدد متابعيه 7 ملايين بالإضافة إلى مشاركتها عن طريق ملايين آخرين.
يحصل "ترامب" أيضاً على تغطية إعلامية واسعة النطاق من وسائل عالمية، كما أن حملته الانتخابية تعد دليلاً على مدى أهمية وسائل التواصل الاجتماعي بسبب تفاعلها مع قطاعات جماهيرية عريضة، وهو ما جعل خبراء يتساءلون في تقرير نشرته "الإيكونوميست" عن مدى التغيير الذي أحدثته هذه الوسائل في الديمقراطية.
في الجانب الثاني، نشرت صحيفة واشنطن بوست دراسة مفادها، أن مواقع التواصل الاجتماعي لعبت دوراً في تقويض التحول الديمقراطي في مصر، من خلال تعزيز الانقسام ونشر الخوف والعداوة بين المجموعات ذات الانتماء السياسي المختلف في البلاد بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، بعد أن ساهمت في تقارب هذه المجموعات خلال بداية الثورة.
وركزت الدراسة على تتبع مشاهد الحشد لتخويف العامة، وكيف أن كثيراً من التجمعات على مواقع التواصل الاجتماعي تسببت في نقل الصور أو المعلومات المخيفة بصورة غير عادلة عبر أطياف المجتمع السياسي المصري، والتي كانت تنتقل بسرعة عبر شبكات التواصل التي نُظر إليها على أنها موثوقة بطريقة تسببت في زيادة تأثيرها.
وقد انتهت المحاولة المصرية للانتقال نحو الديمقراطية بعد الإطاحة بالرئيس حسني مبارك انتهت إلى استقطاب سياسي عنيف وانقلاب عسكري.
وتساءلت الدراسة، هل ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في المقابل في فشل ترسيخ الديمقراطية؟.
وأكد القائمون على الدراسة، أنه من المؤكد أن وسائل التواصل الاجتماعي ليست السبب الوحيد، أو حتى الأهم لهذا الفشل. لكنهم يرون بأن وسائل التواصل الاجتماعي تعترض طريق تدعيم الديمقراطية من خلال تسريع وتكثيف نزعات خطيرة مثل الاستقطاب والخوف وتجريد الخصوم من إنسانيتهم.
وأشاروا إلى أن المحتوى المنشور على وسائل التواصل الاجتماعي يتميّز بأنه سريع وذو عاطفة شديدة ويخلق لنفسه صدىً نتيجة انتشاره في مساحة مغلقة، الأمر الذي يسمح لمَن يتعرضون له بتطوير ردود أفعال أكثر تطرفاً.
ولفتوا إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي تؤدي بصفة خاصة لجعل الاستقطاب الاجتماعي والسياسي أكثر تدهوراً بسبب قدرتها على نشر صور عنيفة وشائعات مخيفة بسرعة فائقة وبكثافة عبر مجموعات منغلقة نسبياً لأفراد ذوي تفكير متماثل.
المأزق الجديد الذي وصلت اليه الديمقراطية بسبب الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، كان قد سبقه جدال مبكر حول ايجابيات تلك الوسائل وسلبياتها في تمكين الديمقراطية او الاضرار بها..
وربما تكون دراسة كريستوفر كيدزي المنشورة في العام 2013هي أولى الدراسات التي تناولت العلاقة بين ثورة المعلومات وبين تشجيع التحول الديمقراطي في العالم.
وسائل التواصل الاجتماعي والتي اطلق عليها تسمية الاعلام الجديد تعني: الوسائط والأدوات التي أتاحتها ثورة الاتصالات التي ترتبط تحديداً بدخول الإنترنت مجال الاستخدام المدني العام. ومن ثم، يفترض أن يشير المصطلح بداهة إلى مواقع التواصل الاجتماعي، من قبيل "فيسبوك" و"تويتر"، ومواقع تحميل مقاطع الفيديو، ولا سيما "يوتيوب"، والمدونات ، إضافة إلى الهواتف المحمولة.
ومن ثم، يشير مفهوم "الإعلام الجديد" المتداول حالياً، وبشكل عام، إلى "مجموعة واسعة من التغييرات التي تطال إنتاج المادة الإعلامية ونشرها واستخدامها، وهي تغييرات تكنولوجية، وثقافية ومتعلقة بالنص والأعراف ".
كذلك، فإن "الإعلام الجديد" يتسم بكونه "هجيناً، أو هو التقاء أو تداخل عمليات ومهارات وتقنيات إعلامية منفصلة عن بعضها سابقا وُجدت سابقاً.
يمكن تصنيف الدراسات المفسرة للعلاقة بين وسائل الإعلام والتحول الديمقراطي في ضوء اتجاهات ثلاثة، وهي:
• الاتجاه الأول: يعترف بالدور الفاعل للإعلام في عملية الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي باعتبار أن وسائل الإعلام هي أداة أساسية في الانتقال إلى الديمقراطية، والإصلاح السياسي بمعناه العام.
• الاتجاه الثاني: ينظر بنظرة سلبية لدور وسائل الإعلام في عملية التحول الديمقراطي والتغيير السياسي من منطلق عدم وجود علاقة إيجابية واضحة بين التحول الديمقراطي وحرية وسائل الإعلام أو التشكيك والتقليل من أهمية دور وسائل الإعلام في التحول الديمقراطي.
• الاتجاه الثالث: ينظر هذا الاتجاه إلى طبيعة العلاقة بين الإعلام والديمقراطية بوجهة نظر اعتدالية تعطي للإعلام أدوارًا محددة في مرحلة التحول.
أ.د. صفوت العالم / دور وسائل الإعلام في مراحل التحول الديمقراطي.. مصر نموذجا
الدور الذي تقوم به هذه الوسائل الجديدة، تطرقت اليه الباحثة الروسية إيلينا فارتانوفا في بحثها (وسائل الإعلام والمعرفة الرقمية من أجل الديموقراطية العالمية) ان وسائل الإعلام الجماهيرية هي القنوات الكبرى لتعلم السياسات العالمية .
والأثر الملموس لوسائل الإعلام الجديد على الديموقراطية العالمية تجرى تقويته بتحولات رقمية في مجال المعلومات والاتصالات . وإمكانيات هذه الثورة التكنولوجية في بناء الديموقراطية العالمية واضحة . ومواقع الشبكة العالمية ، والمدونات ، وتويتر ، وخدمة الرسائل النصية القصيرة ، وخدمة رسائل الوسائط المتعددة ، وغيرها من الأشكال الجديدة لوسائل الإعلام تبشر بتحسين مشاركة المواطنين في السياسات العالمية . وتقدم شبكات المعلومات/الاتصالات العالمية الوسائل لخلق فلك رقمي عام للمداولات الديموقراطية .
لكنها الباحثة ايضا تبدي تخوفها من وسائل الإعلام الرقمية، التي تميل إلى تفتيت جماهير المشاهدين . وتعتمد التكنولوجيات الحديثة إلى حد كبير على تقسيم الاستهلاك الإعلامي إلى فئات متميزة . وتجزئة المشاهدين تقوض أساس الفلك الجماعي العام الذي يمكن فيه أن يتواصل المواطنون والسياسيون والحكومات فيما يتعلق بالمشكلات العالمية.
وإمكانيات وسائل الإعلام الرقمية الجديدة في بناء الديموقراطية العالمية أيضاً يمكن تقويضها من الأساس عندما يطغى محتواها الترفيهي على إمكانياتها التعليمية. وتركيز وسائل الإعلام على الحياة الشخصية للمشاهير وفضائحهم يساعد في تعزيز السلبية السياسية ويصرف المشاهدين عن المشاركة الفعالة في عمليات الديموقراطية العالمية.
من جانب اخر، وفي شاننا العربي، فقد بشّرت وسائل "الإعلام الجديدة" أو "الإعلام البديلة" بتمكين الأفراد من خلال توفير ما يساعدهم على اكتساب صفة المواطنة، فصار بإمكان المرء أن يتفاعل مع مختلف النصوص والأفكار والتجارب المعروضة على الشبكة العنكبوتية استهلاكا وتوزيعا وتعقيبا. وقد أدّت هذه التفاعليّة إلى حدوث تغييرات على مستوى البنى النفسيّة والذهنيّة والثقافيّة وكذلك على مستوى رؤية الفرد لذاته وللآخرين وللكون. هذه التحوّلات جعلت البعض يتحدّث عن دمقرطة وسائل التواصل وانفتاح الآفاق أمام المواطنين للمشاركة في نحت عالم جديد بفضل الثورة السياسيّة التي ستحدثها وسائل الإعلام الجديد. الباحثة التونسية آمال قرامي/ دور وسائل التواصل الاجتماعي في التحول الديمقراطي العربي.
وقد ارتبط بروز الاهتمام بالدور السياسي لهذه الوسائل بمنطقة الشرق الأوسط بالاحتجاجات التي أعقبت انتخابات الرئاسة الإيرانية في العام 2009، وسميت "ثورة تويتر" (إضافة إلى "الثورة الخضراء"). غير أن ذروة هذا الاهتمام، إعلامياً وبحثياً، إنما جاءت مع انطلاق ما سمي ب"الربيع العربي" نهاية العام 2010 وبداية العام 2011، والذي سارع عدد من الإعلاميين والباحثين الغربيين خصوصاً، إلى اعتبار ثوراته ناجمة أساساً عن وسائل التواصل الاجتماعي، لاسيما "فيسبوك" و"يوتيوب" و"تويتر". منار الرشواني / الإعلام الجديد والتغيير السياسي
يقول نديم منصوري في هذا الصدد: "في العالم العربي اشتهر موقع الفيسبوك وانتشر بصورة مذهلة، واستطاع مستخدموه أن يستفيدوا من خدماته ليحققوا أهدافهم في تحريك وتعبئة الجماهير لإسقاط أنظمتهم الاستبدادية".
ورغم الحماسة المبكرة للدور السياسي الإيجابي (المفترض) لوسائل الإعلام الجديد عموماً، تظل القاعدة العامة الحاكمة هنا هي أن "الإعلام الجديد، أسوة بالإعلام التقليدي، ليس ملازماً بشكل تلقائي للدكتاتورية أو الديمقراطية، بل يمكن لأي كان استخدامه" وتوظيفه بما يخدم أهدافه. منار الرشواني/ الإعلام الجديد والتغيير السياسي
ومن ثم، يكون صحيحاً أن دور وسائل الإعلام الجديد على صعيد التغيير السياسي، إنما يخضع لمجموعة من الشروط والمحددات التي لا بد من أخذها بعين الاعتبار للقول، ابتداء، بوجود علاقة بين هذين المتغيرين. كما أن هذه المحددات والشروط هي ما يحكم اتجاه العلاقة، حيث يكون تغييراً إيجابياً أو سلبياً.
اضف تعليق