شارفت الشمس على الرحيل، احتضنت خيوطها وبدأت تنجلي من السماء شيئا فشيئا، انتهت رحلتها اليوم، واعلنت عن قرب وقت الافطار ثمة فرحة للصائمين الذين طالت بهم ساعات الصيام، بدأت السيدة ام مسعود تجهيز الطعام لأولادها الاربعة، جلستْ قرب المطبخ الصمت يمكث على جدرانه، عدا صوتها تهمهم مع نفسها، حسين لا يحب هذا الطعام، مصطفى يأكل هذا.. مسعود نسيت ان احضر له العصير، علي حفيدي واول فرحتي يحب الحلوى، نظرتْ إلى السماء وعلت على وجهها ملامح التعب ها هو الاذان يرفع الله اكبر.. مائدة زينت من الطعام ما لذ وطاب، قرات سورة القدر وحفيدها يرتل معها، اعتادت الجلوس قرب اولادها الثلاث ليتوسط حضنها "علي" سعيدة هذه السيدة يقبل يدها حسين، ويطيب خاطرها مصطفى، ويحدثها ويشم ريحها مسعود، أما "علي" فكان مشغولا بالعب مع اخواته، فَاضَ حُبُّهم في قلبها وَابتَسمت ثُغُورهم أشرقتِ الأيَّامُ بنور جمعتهم، وَطَابتِ وَ تعَالت أصواتُهُم حولها، تودعهم عند الباب وتقرأ ما حفظته من آيات الكتاب، "ألطف بهم يا أرحم الراحمين"، لم يمضى وقت طويل على خروجهم، مضطربة البال قلقة الخاطر تهز برأسها جسدها المتعب، وعينها الذابلة من السهر، فزع قلبها حدث شيئا ما!! شاخت الرُوح وَ احدَودب العُمر، حزنٌ مسكوبٌ في آنية الرُوحِ وَ مَرارَتُهُ أشَّدُ مِنَ "العَلقَم دخان المتصاعد يملا السماء اصوات لحظة تغيرت المدينة من الهدوء والسلام، الى حطام وركام، اتكأت على عكازتها وقفت تنظر الى السماء وقد تغير لونها من زرقاء الى سوداء مفحمة، اختفت النجوم، كم تنمت ان يكون حلما؟ تطيل النظر نحو السماء، اخبرها قلبها ان اولادها الثلاث وحفيدها في خطر، بطيئة في الحركة لكنها اليوم كانت تسارع الوقت لعلها تحتضن اولادها قبل النار، وصلت ماذا رات ماذا هنالك ؟ النار تتلهب المكان لم تكن سعيدة هذه المرة فقلت التهمت النار احلامها، تبعثرت ايامها كما تبعثرت المدينة، نادت بأسمائهم حسين ابني المدلل، والأصغر هو مصطفى كان هنا، مسعود وابنه علي اين هم، مؤلم جداً صوتها يختنق بين العبرات هذه المرأة الطاعنة في العمر، محدودبة الظهر ترتجف أصابعها، تسقط دمعة وتليها أخرى وهي ترى جثث اولادها المحترقة قطعة سوداء تحتضن طفلا مفحم، عادت خالية تبحث عن أولادها، تبحث في منزلها عن اشارة أو ملاحظة صغيرة، أخذت تعانق الجدران. مكان موحش تسكنه عجوز بلا عائل ولا قريب، في ظروف إنسانية بائسة، لم تتوقع أن ترى حالها وحيدة بعد اولادها ليس لها أحد تناجي روحها هذا كان طويل القامة، عريض المنكبين، ولحيته متناسقة، واسع العينين، بدأ المرض يتسلل إلى جسدها الهزيل، كان القدر قاسيا معها، لم ترحمها الايام، بقيت وحيدة، ترى قبورا اربعة، تبكى كلما ذكروا أبناءها الثلاثة وحفيدها الصغير، اربعة خطوط في الوجه بعدد أولادها لتذكرها كلما نظرت وجهها الى المرآة، اربعين يوم وهي مازالت مستمرة في هذه الأماني اليائسة، تتجه نحو غرفة الأولاد تناغيهم وتحاكي صورهم الصامتة، تشم ملابسهم لعله يرجع النظر إليها، كل شيء يبدو غريبا وحزينا، ذكرياتهم، فمازالت ضحكاتهم تملأ المنزل، وحزنا على حالتها وإلى يومنا هذا لم يأت أحد ويسأل عنها ويتفقد أحوالها تلصق صورهم عند سريرها وتقبلهم في الصباح وقبل النوم عندما يجن الظلام وتحتضن الامهات اولادها ليس لديها من تحتضنه تعلق بطوق الذكريات احلامها لتصبح كابدت الحزن في بيت خلا من الرجال ولم يبقى لها احد رحلوا وتركوا في سويد القلب نيرانا.
اضف تعليق