لا يمكن تجاهل عامل اللغة في التفاهم، وحين تكون في بلد ما وتجيد لغة ذلك البلد فإنك ستختصر الكثير من المسافات وتصل الى مبتغاك بسرعة، وسيكون حجم المشاكل التي تعترضك أقل بكثير فيما لو كنت تجهل لغة وثقافة ذلك البلد والسكان الذين يعيشون فيه. ذلك لم يعد ينطبق على الإيرانيين الذين تجاوزوا عامل اللغة من خلال الثقافة المشتركة مع الشيعة في بلدان عربية عديدة وفي الشرق الأوسط.
العلاقة بين السنة والشيعة لا تنفصل في توصيفها وتداعياتها وتأثيرها عن العلاقة بين إيران والعرب، فإيران الشيعية الدولة الكبرى والمهمة في المنطقة ترتبط بالمنظومة العربية ومنذ قرون متطاولة بثقافة وفهم مشترك لقضايا الثقافة والدين، ولكن الفرق أن إيران الشيعية تقابل العالم العربي السني، وبرغم وجود أقليات دينية وعرقية ومذاهب فقهية مختلفة من بينها المذهب السني في الدولة الإيرانية المترامية إلا أن الحكم بيد القوة الشيعية التي فرضت نظام ولاية الفقيه، ورسخت السلطة الكاملة على السياسة والإقتصاد في هذا البلد وهي التي تصنع السياسة الخارجية وتديرها.
ولم يعد مجديا القول، إن إيران تتضمن على مذاهب وقوى متعددة فالقرار بيد الشيعة، ونظام الولي الفقيه الذي يتحرك في المنطقة والعالم وفق رؤية لم تعد ملائمة للمنظومة العربية التقليدية المحكومة بالمذهب السني، وتتواصل إيران مع الشيعة العرب، لكنها تحاول أن تؤثر في المنظومة السنية من خلال علاقات مع قوى وحركات سياسية ودينية عربية يسارية وإسلامية وحتى قومية، وغير خاف نوع الدعم الذي تقدمه طهران للإخوان المسلمين في عدد من البلدان العربية وتعاونها المستمر مع الحركات الجهادية الإسلامية في فلسطين المحتلة بيد أن ذلك كله لايمثل الفرصة الحقيقية لتحقيق الإختراق المطلوب.
فبوابة الشيعة نحو الأفق العربي لايمكن أن تكون إلا من خلال تفاهم مدروس بين الأقليات الشيعية في البلدان العربية والحكومات وبقية الأقليات لكن اللافت أن تحولا كبيرا طرأ على بنية الشيعة السياسية والإقتصادية في الفترة الأخيرة جعل من الصعب الولوج الى الأفق العربي من دون توخي الموقف الإيراني. فمعظم القوى الشيعية السياسية والدينية والإقتصادية صارت جزءا من المنظومة التي تحكمها إيران، ولابد للعرب أن يفهموا ذلك ويعوه ويتصرفوا بحسب فهمهم لنوع العلاقة بين الطرفين، في المقابل فإن حركات شيعية أخرى يبدو أنها تفكر بطريقة مختلفة عن السياق الذي ينهجه الإيرانيون فالسيد مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري يتصرف بعيدا عن الرؤية الإيرانية، ويتحرك في إطار شعبي داخلي، ويركز على قضايا الفساد والإصلاح، وتقديم الدعم للقطاعات الشعبية، وهناك قوى شيعية في العراق وبلدان أخرى تتحرك بطريقة لاتلتقي بالضرورة بالموقف الإيراني من العلاقة بين الشيعة والمجموعات العربية، لكن من يضمن أن تتمكن تلك القوى من رسم ملامح سياسة جديدة لاتكون إيران هي الطرف الأقوى فيها.
الإيرانيون نجحوا في غضون الثلاثين عاما الماضية من تشكيل مجموعات مسلحة فاعلة وقوى سياسية ساهمت في ترسيخ حضورها في العالم العربي الذي لايخلو في أي بلد منه من أقلية شيعية وبعضها قوي ومؤثر جدا كما في العراق واليمن ولبنان وسوريا وهي تمتلك مجموعات مسلحة قوية جدا، وبعضها يعمل على الأرض كما في اليمن والعراق ولبنان وسوريا وحقق مكاسب مهمة لذلك لايمكن في الوقت الراهن التعويل على قوى بعيدة عن إيران في رسم ملامح العلاقة بين الشيعة وبقية العرب السنة لأن إيران هي الدولة الإقليمية الأكثر قوة وديناميكية وتأثيرا من خلال المفاهيم الدينية التي تنتشر في عديد بلدان الشرق الأوسط، وتصنع حضورها من خلال ذلك.
ولاندري بالضبط الى أين تتجه الأمور؟ فالمتفائلون يرون إمكانية لعلاقة متوازنة وأفق مفتوح مستقبلي، بينما يرى آخرون إن تلك العلاقة وذلك الأفق لاحظوظ كبيرة لهما في المرحلة الراهنة وعلينا الإنتظار لمزيد من الوقت.
اضف تعليق