يُعرَف التنويع الاقتصادي على أنهُ "عملية تهدف إلى تنويع هيكل الإنتاج وخلق قطاعات جديدة موَلِدة للدخل بحيث ينخفض الاعتماد الكلي على إيرادات القطاع الرئيس في الاقتصاد، إذ ستؤدي هذه العملية إلى فتح مجالات جديدة ذات قيمة مضافة أعلى وقادرة على توفير فرص عمل أكثر إنتاجية للأيدي العامل الوطنية وهذا ما سيؤدي إلى رفع معدلات النمو في الأجل الطويل".
كما ويُعرَف التنويع الاقتصادي على انه "استخدام أموال النفط لخلق قاعدة ديمومة لاقتصاد ما بعد النفط من خلال إقامة الصناعات الثقيلة وتطوير البنى التحتية والاستثمار في المجالات ذات الانتاج الحقيقي". كذلك يعني "إيجاد مصادر إضافية غير نفطية للعملة الأجنبية ولإيرادات الموازنة العامة وفي ذات الوقت خلق مصادر مستديمة للاستخدام في القطاعات الإنتاجية/الخدمية لاستيعاب الأعداد المتنامية الداخلة لسوق العمل، بعيدَا عن الاستخدام الحكومي".
ويعرف أيضا على انه " الرغبة في تحقيق عدد أكبر لمصادر الدخل الرئيسة في البلد، التي من شانها أن تعزز قدراته الحقيقية ضمن إطار التنافسية العالمية، وذلك عبر محاولات رفع القدرات الإنتاجية في قطاعات متنوعة، دون إن يقتضي الأمر أن تكون تلك القطاعات ذات ميزة تنافسية عالية، وهو يقوم على الحاجة إلى الارتقاء بواقع عدد من هذه القطاعات تدريجياً لتكون بدائل يمكن أن تحل محل المورد الوحيد ".
ويعرف ايضاً على انه "توزيع الاستثمار على قطاعات مختلفة من الاقتصاد وذلك للحد من مخاطر الاعتماد المفرط على مورد أو قطاع واحد أو قطاعات قليلة جداً ". كما يعرف التنويع الاقتصادي على انه العمل على زيادة مساهمة القطاعات الانتاجية في الناتج المحلي الاجمالي وتنويع الصادرات وتفعيل الضرائب في اقتصاد معين لتقليل المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها في حالة اعتماده على قطاع واحد وخصوصاً إذا كان ريعياً.
إن اعتماد اقتصاد ما على مورد واحد، خصوصا اذا ما كان ذلك المورد هو مورد ريعي اي يتم الحصول عليه دون ان تُبذل جهود لصناعته وانتاجه سوى جهود وتكاليف استخراجه كالنفط مثلا، فان ذلك الاعتماد يجعل ذلك الاقتصاد غير متسم بصفة الاستقرار اي انه مُعرَض للتقلبات التي تحدث سواء في داخل اقتصاد ذلك البلد (مثلا زيادة السكان مع انخفض او ثبات الطاقة الانتاجية مما تؤدي الى ارتفاع الاسعار او غيرها) او في خارجه (مثلا زيادة المنتوج العالمي من ذلك المورد فتنخفض اسعاره او غيرها).
اذن اهمية وضرورة التنويع الاقتصادي تظهر من خلال تجنب وتحاشي المخاطر والتقلبات التي تكون نتيجة للاعتماد على مورد واحد، وبما ان للتنويع هذه الاهمية الكبيرة، اذن ينبغي على جميع البلدان ذات المورد الواحد ومن بينها العراق ان تسلُك طريق التنويع الاقتصادي، من اجل الوصول الى بر الأمان من تلك المخاطر والتقلبات، وذلك من خلال الافادة من القطاع العام والقطاع الخاص مع دراسة تجارب الدول في ذلك المجال سواء الناجحة ام الفاشلة، لأن الاولى تفيدنا في النجاح اما الثانية (الفاشلة) فتفيدُنا في التجنُب وعدم الخوض بالإجراءات التي تسببت في فشلها.
فالتنويع هو هدف ضروري تسعى لتحقيقه معظم الدول النفطية فهو يُحصِّن الاقتصاد ويعطيه المرونة للتكيف مع تغيُر الظروف، والأهم من ذلك أنه يخلق فرص عمل متنوعة تستوعب الأيدي العاملة الباحثة عن هذه الفرص، مما يُقلص من البطالة، كما ويؤدي التنــويع الى زيــادة القــيمة المضافة المحلية، وزيادة الناتج المحلي الإجمالي من خلال اقامة المشاريع الجديدة وعبر مساهمة المزيد من الأيدي العاملة الوطنية في انتاج السلع والخدمات.
بمعنى آخر ان التنويع الاقتصادي يتضمن أولويتين مهمتين: الاولى بناء اقتصاد مستدام، للأجيال الحالية والمستقبلية، بعيداً عن النفط مع تشجيع القطاع الخاص والاستثمار الاجنبي. اما الثانية فإنها تتمثل بالتنمية الاقتصادية المتوازنة اقليميا واجتماعيا والتي تعود بالفوائد على الجميع. ويمكن تحقيق هاتين الأولويتين من خلال العمل المتواصل في سبعة مجالات هي:
أ- بناء بيئة أعمال منفتحة وفاعلة.
ب- تبني سياسة مالية منضبطة.
ج- إرساء بيئة فاعلة ومرنة للأسواق المالية والنقدية.
د- زيادة كفاءة سوق العمل.
ه- تطوير البنية التحتية.
و- تطوير قوة العمل.
ز- تمكين الأسواق المالية لكي تصبح الممول الرئيس للمشاريع.
لكن بناء الاقتصاد المستدام وتحقيق التنمية الاقتصادية المتوازنة يتطلبان ادارة كلية تتصف بالكفاءة وموارد بشرية قادرة على الانتاج والاستجابة للمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية المحلية والاقليمية والعالمية. ولتقليل الاعتماد على النفط والغاز وتنويع قاعدة الانتاج وتحقيق التنمية المستدامة، يجب ان يكون لعوامل الإنتاج كالأرض ورأس المال والعمل المنظم وخصوصاً التكنلوجيا دور اساس في قيادة النمو الاقتصادي. كما وينبغي أن ترتبط عوامل الانتاج مباشرة برأس المال البشري القادر على الابتكار والإبداع والإدارة الحسنة للموارد، وبما ان التقدم التقني(التكنلوجي) ورأس المال البشري يرتبطان باستثمار طويل الاجل يركز على التعليم والبحث والتطوير، إذن ينبغي أن تخصص له الاولوية في الانفاق المالي العام.
ويمكن تلخيص أهمية التنويع الاقتصادي بالآتي:
1. ان اقتصادات البلدان الريعية تعتمد بدرجة كبيرة على صادرات الموارد الطبيعية (الخامات)، التي تساهم بدرجة كبيرة في تكوين الناتج المحلي الاجمالي وفي تمويل النفقات العامة بشقيها الجارية والاستثمارية، التي تتحدد اسعارها وخصوصاً النفط في اسواق خارجية كبرى كسوق نيويورك وسوق لندن وفقاً لعوامل اقتصادية وسياسية وطبيعية، ولذلك فان استقرار توازن الموازنة العامة في الدول النفطية يكون مرتبطاً بأسعار النفط، وهذا ما يجعل الموازنة شديدة الحساسية للصدمات الخارجية المتولدة عن تقلبات اسعار النفط، كذلك ان هذه الاخيرة تعيق تنفيذ الخطط المستقبلية لتلك الدول.
وعليه فإن أهمية وضرورة التنويع الاقتصادي تكمن في تحقيق الاستقرار للموازنة العامة ومن ثم تحقيق الاهداف التي وضعت من أجلها، وذلك من خلال تفعيل القطاعات الانتاجية الأخرى على الاقل بنسبة مساهمة لكل قطاع تساوي نسبة مساهمة قطاع النفط في الموازنة العامة والناتج المحلي الاجمالي والصادرات، كذلك يؤدي الى تشجيع تنفيذ الخطط المستقبلية وذلك من خلال توفير ما يحتاجه التخطيط من خبرات محلية واجنبية ومؤسسات ادارية وبيئة اجتماعية..إلخ عن طريق توفير الاموال اللازمة لذلك.
2. تتسم الموارد المستخرجة من باطن الأرض بغياب التجدد وبشكل خاص الوقود الأحفوري، هذا يستوجب أن تكون هناك قاعدة اقتصادية بديلة للإنتاج وفي ظروف غياب مثل هذه القاعدة فإن النشاط الاقتصادي المحلي والعائدات تنخفض مع استمرار استنزاف النفط مما يؤثر سلباً في النشاط الاقتصادي للبلد. فضلاً عن ذلك عدم بذل الجهود والمساعي النظامية اللازمة لتحسين الكفاءة في استخدام مصادر الطاقة المختلفة وتقنين استهلاكها من قبل المنتجين والمستهلكين خاصة مصادر الطاقة الناضبة كالنفط والفحم وغيرها، فالحل ما بعد النفط يكمن في تحقيق التنويع الاقتصادي.
3. تأخذ الاعتبارات الإنسانية والاجتماعية دوراً أساسياً لدى صانعي القرارات والسياسات، اذ نجد أنّ قطاع النفط الذي يرتبط بالدولة بصورة مباشرة لا يستطيع أن يوفر بمفرده آلية لتوزيع الدخل، الأمر الذي دفع الحكومات باستخدام قنوات مباشرة وغير مباشرة لتوزيع الدخول الا انّ أغلب الدول النفطية لم توفق في تحقيق ذلك، لذا فالتنويع بعيداً عن النفط من شأنه أن يؤدي الى تنمية قطاع خاص قادر على تقليل أبعاد هذه المشكلة، فضلاً عن ذلك يقلل التنويع الاقتصادي المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الراهنة التي ترتبط بتركيب اقتصاد احادي شجعته التكنلوجيا المتقدمة وقطاع النفط ذو الاجور المرتفعة.
4. سوء ادارة الموارد النفطية والتي يطلق عليها لعنة الموارد: لعنة المورد هي قضية ذات صلة قوية وحيوية بالتنويع الاقتصادي، حيث إنّ هناك تأثيراً مباشراً وغير مباشر للاعتماد على النفط يتضح من خلال محدودية تنويع الصادرات، وانخفاض مساهمة التصنيع فيها، وانخفاض درجة تطور المنتوج وغيرها. وعادة ما تشهد البلدان المصدرة للنفط بصورة عامة بعد نمو صادراتها (النفطية) تقلبات اقتصادية شديدة تتمثل في انهيار النمو في مرحلة ما بعد الطفرة النفطية، مما يؤدي الى ركود طويل الامد والى انخفاض دخول هذه البلدان. وذلك بسبب زيادة الطلب على عملة البلد النفطي وهذا ما يرفع قيمتها اكثر من اللازم فتحصل نتيجتان: الاولى تتمثل بانخفاض اسعار السلع الاجنبية والثانية فقدان الصناعيون والمزارعون الوطنيون (داخل البلد) لقدراتهم التنافسية في اسواق العالم، فتنخفض الاستثمارات داخل البلـــد وبالتالي تقليص خــلق فرص عمـــل جديدة.
وعلى هذا الاساس ينبغي على كل دولة ريعية سواء كانت تعتمد على النفط او الغاز او على الموارد السياحية او غيرها، ان تعمل على تنويع مصادر دخلها كتفعيل القطاع الصناعي التحويلي او تفعيل القطاع الزراع مع الاهتمام بالقطاع السياحي على ان لا يعتمد على هذا القطاع بشكل منفرد، لتجنب المشاكل والمخاطر التي تصيب الاقتصاد في ظل اعتماده على مورد واحد، ويمكن الاسترشاد بالتجارب الدولية في مجال تنويع الاقتصاد كما هو الحال بالنسبة للتجربة النرويجية التي اتبعت سياسة الصناديق السيادية وتجنبت المشاكل التي تعرض لها الاقتصاد النرويجي في سبعينيات القرن الماضي.
اضف تعليق