قد يلتبس الأمر على البعض ويتحدث عن العراق في المرحلة التي تلت 2003 بقليل والمعطيات على الأرض ونوع الرد على المتغيرات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والتحولات الكبيرة التي شهدها هذا الوطن، غير أن العراق بعد 2003 بقليل ليس هو العراق بعد 2016 مثلا، فماحصل خلال السنوات الماضية كفيل بأن يغير قناعات وأن يضيف بعض التعديلات على فكر قد لايكون تعاطى جيدا مع تلك المتغيرات الصعبة في بلاد تتنازعها الطموحات السياسية والصراعات الإثنية والدينية وحولها الى ركام يصعب نفضه وإظهار ماخفي تحته، ونتيجة لذلك دفعت أثمان لم تكن من ضرورة لتكبدها لو كان نوع التفكير تغير قليلا، أو مضى في وجهة أكثر براغماتية وواقعية.
هناك من السنة من رفض التغيير، ولم يستجب له وحاول المقاومة، وتماهى مع مشاريع إقليمية هي في الأصل على صدام مع مشاريع نظيرتها في المنطقة، عربية وإقليمية، وهناك من راهن على المنظومة الداخلية بإشكالياتها كافة وحاول توظيفها للخروج بمعادلة تجمع العراقيين بمختلف طوائفهم وقومياتهم، وربما يكون هذا المشروع صعب التنفيذ ومن الصعب ضمان نجاحه لكنه أفضل من أي مشروع آخر يتماهى مع رؤية خارجية لايمكن أن تستجيب للمصالح الوطنية، أو على الأقل تضعها في مرتبة تالية.
عانى السنة كثيرا في بلدهم العراق بعد التغيير، وتعرضوا الى هجمة من المجموعات الدينية المتطرفة ورغم مقاومتهم لها لكنها نجحت ولو جزئيا في فرض بعض الأجندات التي أرهقت المدن المعروفة بوجود القاعدة لفترة من الفترات، ووجود لداعش وحتى اليوم، ولم يثبت بأي حال أن تلك التنظيمات تمثل السنة، أو أنها حامية لهم، فماتركته من خراب يفوق بأضعاف ماكان يعتقده البعض من إيجابيات من وجودها خاصة مع التشابك المر بين القوات الأمنية العراقية وتلك التنظيمات على جبهات هي في الواقع تجمعات سكنية وإقتصادية وزراعية تساهم في دعم إقتصاد تلك المناطق التي دمرت وأوذي أهلها، وبرغم الهنات والتعقيدات التي شابت عمل المجموعات السنية على الصعيد السياسي إلا أنه يبقى هو الخيار الأفضل لأنه عمل في إطار منظومة الدولة التي شكى سياسيون سنة انها لاتلبي مطلب المشاركة الفاعلة والتأثير في صناعة القرار..
وصل السنة في العراق الى مرحلة الصدام مع المجموعات المسلحة والتنظيمات غير المجدية في تفكيرها وعملها ووجودها وبانت ملامح الرفض من خلال المشاركة التي ترسخت سياسيا في البرلمان والحكومة حتى مع عدم الإيمان المطلق بها لكنها حققت وجودا يمكن أن يساهم في بناء العملية السياسية ومنع التفرد فيها، فالبرلمان العراقي الحالي الذي يرأسه السيد سليم الجبوري وهو شخصية سنية راهنت على العملية السياسية ومخرجاتها ورفضت العنف مايزال بإمكانه كمؤسسة فاعلة تمارس الرقابة والتشريع أن يعمل على ترسيخ مفاهيم المصالحة المجتمعية ورفض الفكر المتطرف وبناء مؤسسات الدولة والعمل بواقعية أكبر في إطار منظومة الدولة، والمساهمة في تمكين الديمقراطية وعود الحياة الطبيعية الى المناطق التي تعاني فمؤسسة البرلمان تمارس أدوارا عدة، وتقع عليها مسؤوليات مضاعفة، ويمكن أن تنجح في إدائها في إطار العمل المشترك والتعاون الحثيث بين الكتل السياسية التي عليها أن لاترهن مستقبلها بالصراع الطائفي، بل ببناء المؤسسات الديمقراطية، ومكافحة الطائفية والنزعة الى الإستبداد.
اضف تعليق