(إن بعض التنظيمات الإسلامية... يعملون ما يسيئون إلى التنظيم وإلى أنفسهم بصرف وقتهم في الهامشيات والمحاربات الجانبية وما أشبه مما يفوتهم الهدف الذي عملوا لأجله ليل نهار). الامام الشيرازي الراحل في كتابه ممارسة التغيير لإنقاذ المسلمين
العقل هو أفضل النعم التي منحها الله الى الانسان. به يعرف ربه، ويميز الخطأ من الصواب، والحلال من الحرام، والصالح من الطالح.
وبواسطته يعيش الانسان في بيئته الاجتماعية، ويحقق ما يصبو اليه، ويصل الى حيث النجاح، وتحقيق الاهداف، والاهم، الغاية المرجوة من خلقه خليفة لله على الارض.
والعقل مناط تكليف الانسان في تمييزه بين الخير والشر، وهو لا يحتاج الى تفسير او شرح اختياره للخير لأنه واضح ومعلوم له وللأخرين. لكنه كثيرا ما يحتاج الى تفسير وشرح سبب اختياره للشر وان لم يسمّه باسمه، وتفضيله وفعله.
فعل الشرح والتفسير هو التبرير او ايجاد المبررات لتسويغ فعل مثل هذا الشر او ارتكاب الخطأ والخطيئة. والذي يبرر لنا اخطاءنا بدلا من نقدها واصلاحها، او حتى محاولة الاعتذار منها.
والعقل التبريري، بالنسبة للحكام المستبدين او للطبقات الحاكمة بغير عدالة اجتماعية، يعبر عن اوهامه من خلال الإيديولوجيا، التي تمارس وظائفها حسب بول ريكور من خلال ثلاث آليات:
أ- تشويه الواقع:
حيث تعمل الإيديولوجيا على إنتاج صورة معكوسة عن الواقع الذي يعيشه الافراد.
ب- تبرير الأوضاع القائمة:
حيث تعمل الطبقة المسيطرة على إعطاء مبررات لأفكارها، وإضفاء المشروعية على مخططاتها ومشاريعها، من خلال صناعة عدو خارجي، تلقى عليه جميع تبعات الفشل في السياسة والاقتصاد.
ج- إدماج الأفراد في هوية الجماعة:
حيث يتم الإحتفال بالأحداث المؤسسة لهذه الهوية ومحاولة ترسيخها لدى الأفراد، وتكوين بنية رمزية للذاكرة الجماعية.
والتبرير كما يراه علماء النفس، سلوك إنساني له مبررات ذاتية وموضوعية، ذلك أن الإنسان بحكم ما يواجهه من مشكلات مستعصية أحياناً يلجأ للتبرير في اتجاهاتٍ ثلاثة:
الأول: في التبرير الذاتي للسلوك، والموقف، والتوجه.
الثاني: في التبرير الموضوعي للسلوك المتعلق بالظروف الموضوعية، وطبيعة المشكلات، والعقبات، والمؤثرات السلبية والإيجابية.
الثالث: في تبرير النجاح من جهة، والفشل من جهة أخرى، النصر أو الهزيمة…، وبالتالي تبرير الموقف المترتب على الحدث نجاحاً، أو فشلاً.!
ويقوم العقل التبريري او التسويغي على ركنين: (الإحساس بالضعف-الشعور بالدونية واحتقار الذات).
قد يكون ذلك مبررا على مستوى الافراد، انطلاقا من حب الذات الذي هو حب فطري تتنازعه متعتان مادية دنيوية، وفائدة ولذة اخروية.. لكنه اذا انطلق الى السيطرة على الجماعة من قبل افراد معينين تحت دواعي كثيرة وشعارات متعددة، لعل اشهرها في تاريخنا الاسلامي القهر والغلبة، والتي برر لها وكرسها واعطاها شرعية الوجود والاستمرار هو الفقه السلطاني، اذا انطلق من ذلك واستشرى، تكون ثماره ما نحصده الان.
من نتائج شيوع العقل التبريري في المجتمعات، وكما نلاحظه في مجتمعاتنا ومجتمعات اخرى لها نصيبها من هذا العقل:
- ضعف الثقة العامة أو فقدانها.
- انهيار القيم الأخلاقية للفرد والمجتمع.
- ضعف فعالية المجتمع (الفشل الاجتماعي).
- ترسخ مرض اللامبالاة والمحاباة.
- اليأس والإحباط في فعالية حوافز القيم.
- تنامي الجرأة على ارتكاب الأخطاء.
- تهوين شأن الرقابة الذاتية والاجتماعية.
- زيادة انتشار الانتهازية والوصولية.
ولعل مانشهده في بلداننا بعد صعود بعض حركات الاسلام السياسي، التي كثيرا ما رفعت شعارات العدل والمساواة، نجدها اذ تتربع على مقاليد السلطة تنقلب على تلك الشعارات، التي جعلت منها وسيلة لغاياتها في الوصول الى تلك السلطة، وليس العمل على تحقيقها..
ولا تكتفي الكثير من الحركات سواء كانت اسلامية او غير ذلك، بالانقلاب على شعاراتها واهدافها بل تعمل على زرع الكراهية والحقد بين ابناء المجتمع الواحد، من خلال تكريس رؤية واحدية تبررها غالبا بالنصوص المقدسة، او الايديولوجيا المنحرفة، التي تستبيح من خلالها كل المحرمات، وعلى رأسها دم الانسان وحياته. ولاتجد صعوبة في تبرير افعالها، بعد ان تكون قد صادرت كل النصوص المقدسة لصالحها..
لايمكن الخلاص من العقل التبريري في مجتمعاتنا ولدى الطبقات السياسية الحاكمة الا من خلال ممارسة النقد الذاتي لمشاكلنا واجتراح طرق تفكير جديدة في مقاربتها وليس الهروب من امامها، او محاولة التهوين من حجمها واتساعها..
يقول الإمام الشيرازي: «الغاية تبرّر الوسيلة لا أصل لها في الإسلام، نعم قاعدة الأهم والمهم قاعدة إسلامية وهي قاعدة عقلائية يستعملها العقلاء، فإنه كلّما دار الأمر بين ضررين قدموا الأخف على الأكثر وذلك بخلاف –الغاية تبرّر الوسيلة- فإنها تقدّم الغاية مهما كلف الأمر، وهذه أشبه بالانتهازية والمصلحية والنفعية وهي لا مجال لها في الإسلام».
اضف تعليق