q

ذكر رئيس لجنة الامن القومي والسياسات الخارجية في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجوردي لمجموعة من الصحفيين حول السياسية الخارجية لإيران بأن "السياسة الثابتة والمبدئية لإيران تقوم على نسج أفضل العلاقات الأخوية مع دول المنطقة عموما ودول الجوار خصوصا، بما فيها المملكة العربية السعودية"، وأضاف "نحن نعتبر أنه كلما توطدت العلاقات الأخوية وتعززت بين دول هذه المنطقة، استطعنا أن نساعد في ترسيخ الأمن والاستقرار وتعزيزهما في ربوعها"، وفيما يبدو فان ايران (التي أرسلت وزير خارجيتها محمد جواد ظريف ليمثل الجمهورية الايرانية في مراسيم جنازة الملك السابق للسعودية) تحاول التأكيد على مسار التفاوض الذي اختارته لنفسها منذ انطلاق المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة الامريكية والدول الكبرى، ومع ان التفاهمات السابقة التي جمعت ايران بالسعودية لم تثمر عن تحول كبير في السياسيات العدائية التي يمارسها كل طرف تجاه الاخر منذ عام 1979، الا انها خففت من حدة المواجهات المباشرة، وان كانت هناك تخوفات سعودية- خليجية من ايران ما بعد الاتفاق (في حال حدوث اتفاق على الملف النووي) مع الغرب، ومكانية تحولها الى قوة إقليمية مهيمنة على منطقة الخليج والشرق الأوسط.

وحاول الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" التقرب من النظام في إيران، عقب فوز "حسن روحاني" المحسوب على التيار الإصلاحي، بمنصب الرئيس، وهي سياسة جلبت له الكثير من الانتقادات والامتعاض من قبل أقرب حلفائه في الشرق الأوسط (إسرائيل، السعودية وباقي دول الخليج باستثناء عمان التي جرت فيها المباحثات السرية بين إيران وامريكا قبل اعلان إطلاق المفاوضات بصورة رسمية بستة أشهر تقريبا)، كما قوبلت توجهاته بشأن إيران بمعارضة قوية من الجمهوريين داخل الكونغرس الأمريكي، حتى ان أوباما طالب في أكثر من مرة من الجمهوريين بالتوقف عن "اطلاق النار" تجاه المفاوضات النووية والتهديد بفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية وهدد باستخدام حق النقض ضد تمرير قانون العقوبات، بالمقابل، زار الرئيس الأمريكي السعودية في اذار/مارس الماضي ليلتقي بالملك "عبد الله" قبل وفاته بأشهر، في محاولة لكسر الجمود في العلاقات الامريكية- السعودية، وتطمين الحليف التقليدي (الذي يتمتع بمكانة نفطية مميزة)، واذابة الجليد الذي ترسب بسبب المخاوف السعودية من الهيمنة الإيرانية، التي قد تمليها نتائج المفاوضات النووية وسياسية التقارب مع الغرب، في منطقة (الخليج) تتصارع فيها العديد من القوى الإقليمية والعالمية من اجل الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والسياسية.

ويبدو ان وفاة الملك "عبد الله" قد استدعت من الرئيس الأمريكي العودة مرة أخرى الى المملكة للاطلاع على التغيرات في السلطة الملكية والقناعات السياسية للعائلة الحاكمة بعد وفاة الملك، سيما وان نظام السعودية يقوم على "الملكية المطلقة" والتي تعتمد فيه السياسية العامة للبلاد على قرارات الملك، باعتباره اعلى سلطة في البلاد، ولا تقوم على أساس تنوع صناعة القرار او تعدد المؤسسات التشريعية والتنفيذية كسلطات موازية للسلطة الملك، بالرغم من تأكيدات الملك الجديد "سلمان" بالبقاء "متمسكين بالنهج القويم، الذي سارت عليه هذه الدولة منذ تأسيسها، ولن نحيد عنه أبدا"، الا ان الكلام يختلف عن الأفعال بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية، خصوصا وان جملة من الأوامر الملكية (التي تجاوزت 35 مرسوم ملكي خلال أيام قليلة) شملت تغيرات أساسية وثانوية في المناصب الملكية، قد تعطي انطباعات مقلقة (على الرغم من عدم المساس بحقيبة وزارة النفط والخارجية) لحلفاء السعودية، كما ان وصف الملك "سلمان" بالأمير "المحافظ"، وهو يعني العودة الى العقود التي سبقت الملك "عبد الله"، من تحجيم دور الإصلاحيين (خصوصا وان بعض الاقصاءات الأخيرة شملت بعض الإصلاحيين من مناصبهم في المملكة) وعودة دور "هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، إضافة الى العلاقة المحرجة بين الحليفين (الولايات المتحدة الامريكية والسعودية) فيما يتعلق بسجل حقوق الانسان والحريات العامة في السعودية (والتي تتعرض الى انتقادات قوية من قبل المجتمع الدولي والمنظمات العالمية بصورة مستمرة كان اخرها قضية جلد الناشط رائف بدوي)، والتي فرضت على أوباما احداث "موازنة" بينها وبين القضايا المهمة في الشرق الأوسط والتي تربطهم مع حلفائهم، مؤكدا ان الحلفاء غالبا ما يتذمرون كلما ذكرنا لهم سجل حقوق الانسان.

والمرجح لدى بعض الباحثين والمراقبين ان تحافظ السعودية على مسارها التقليدي تجاه إيران والمنطقة، من دون ان تكون هناك بوادر انفتاح او تقارب يذكر بين الطرفين، خصوصا في حال لم يتمكن أوباما من حسم ملف المفاوضات النووية من خلال عقد الاتفاق النهائي، وشن حملات امنية كبيرة لمكافحة الإرهاب داخل أراضيها، مع تزايد التهديد الداخل بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، مع التضييق على المعارضة والنشطاء وأصحاب الراي من الداخل، وهو امر قد يسبب الحرج للرئيس الامريكي مرة أخرى بعد ان فشل في عبور العقبات التي تسبب بها اقرب حلفائه، فالسلام بين إسرائيل وفلسطين اصبح مستحيلا مع سياسيات نتنياهو وشروطه التعجيزية، وربما يتحول حلم التقارب بين ايران والسعودية بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية (وهو تقارب تسعى اليه الولايات المتحدة الامريكية لضبط إيقاع الشرق الأوسط) الى كابوس بالنسبة لأوباما في حال تولى المحافظين زمام الأمور في المملكة.

اضف تعليق