على الرغم من العداء السياسي بين الحزب الإسلامي العراقي وحزب الدعوة، لاسيما بين أنصار السيد نوري المالكي والسيد رئيس مجلس النواب سليم الجبوري، إلا أن الطرفيين اصطفوا مع بعضهم في قضية سحب الثقة عن وزير الدفاع والتصويت على إقالته، بعد قضية استجواب الأخير في البرلمان العراقي وكشفه لملفات فساد وصفقات ومساومات وقضايا ابتزاز من قبل رئيس مجلس النواب العراقي وبعض النواب من تحالف القوى، لاسيما من قبل رئيس كتلة الحل النائب محمد الكربولي. هذا الاصطفاف بين الطرفين والاتفاق على إقالة وزير الدفاع العراقي، تؤشر على كثير من القضايا الخفية وغير المعلنة لاسيما من قبل السيد المالكي وانصاره في مجلس النواب أو في مؤسسات الدولة بشكل عام، وأن زيارة السيد رئيس مجلس النواب إلى إيران ولقاءه بالقيادات الإيرانية تزامناً مع قضية وزير الدفاع وسحب الثقة عنه تعد القاسم المشترك بين الطرفيين.
يتفق الكثيرون على أن فترة ما بعد 10/حزيران 2014، واجتياح تنظيم "داعش" لكثير من المحافظات العراقية هي نتيجة طبيعية لحكم السيد المالكي، لاسيما في الولاية الثانية بعد أن استشرى الفساد في كل مؤسسات الدولة، وفشل المؤسسة العسكرية، وانتشار الفساد في صفوفها، لاسيما شبهات الفساد التي رافقت أغلب صفقات السلاح التي ابرمتها وزارة الدفاع آنذاك، وعليه فان مؤيدي هذا الرأي يعدون السيد المالكي بأنه المسؤول عن سقوط تلك المحافظات بيد تنظيم "داعش" التي تسببت في استنزاف القدرات العسكرية والاقتصادية والبشرية للدولة العراقية، فضلاً عن تشقق نسيج المجتمع العراقي بسبب تلك السياسات الخاطئة التي اتبعتها الحكومة السابقة. ويرى اصحاب هذا الرأي بأن في حالة تمتع العراق بقضاء محايد بعيداً عن سطوة الاحزاب الحاكمة والتأثيرات الإقليمية والدولية لكان رئيس الحكومة السابقة، وبعض القيادات الأمنية، لاسيما القيادات العسكرية خلف القضبان على أقل تقدير، إلا أن تمتع تلك الأسماء بالحصانة الإقليمية والتوافقات السياسية التي اكتسبتها بعد خروج نتائج لجنة تقرير سقوط الموصل منعتهم من المثول أمام القضاء. هذه المرحلة (مرحلة مابعد 2014)، تحمل في طياتها كثير من الاسرار التي تدين الحكومة السابقة، لاسيما داخل اروقة المؤسسة العسكرية من حالات فساد وصفقات أسلحة مزورة وشراء ذمم وبيع الرتب العسكرية وغيرها من الملفات، وأن أغلب هذه الملفات اطلع عليها وزير الدفاع الحالي "خالد العبيدي" اثناء تولية الوزارة، وأن كشف الأخير لملفات الفساد وحالات الابتزاز التي تعرض لها في وزارته من قبل رئيس مجلس النواب وبعض نواب تحالف القوى أمام مجلس النواب والشعب والإعلام أثار مخاوف الكثيرين، لاسيما لدى السيد المالكي وانصاره من حزب الدعوة وخارجها من أن يتم كشف تلك الملفات في وزارة الدفاع التي ترأسها السيد المالكي وسعدون الدليمي بالوكالة.
وقد تسبب هذا التخوف لدى زعيم ائتلاف دولة القانون من أن يقود حراكا من أجل انقاذ السيد سليم الجبوري من الاتهامات التي وجهت إليه، وقد تكون زيارة الأخير إلى إيران هي نصيحة سياسية قدمت له من قبل السيد المالكي؛ لدور إيران الكبير في الضغط على بعض الأحزاب الشيعية، والابقاء على السيد الجبوري في منصبه، لاسيما وأن إيران دعمت بقوة بقاء سليم الجبوري في منصبة أثناء عملية الإقالة التي تمت في جلسة نيسان الماضي من قبل ما يسمى بـ(جبهة الإصلاح). وهذا التحرك جاء كأولوية لإنقاذ السيد المالكي نفسه؛ لأنه في حال ثبوت ملفات الفساد على الجبوري، وخاصة ملفات وزارة الدفاع، من الممكن أن تكون بداية لكشف جميع الملفات؛ لاسيما وأن السيد المالكي لديه الكثير من العقود التي أبرمها وتدور حولها شبهات فساد كبيرة.
ولربما هذا ما دعا المالكي وانصاره أن يصطفوا مع السيد سليم الجبوري، للضغط على القضاء والبت في سرعة قضية الجبوري وإعلان براءته من كل القضايا التي نسبت له. ويرى البعض بأن المالكي كان متخوفاً من أن ما جرى للجبوري، سيكون بداية لكشف كافة الملفات في الوزارات، لاسيما تلك التي ادارها (المالكي) بالوكالة خلال ترؤسه لمجلس الوزراء، لاسيما وأن أغلب الملفات تدينه بشكل صريح، وعلى وجه التحديد العقود التي ابرمتها وزارة الدفاع خلال فترة حكمه ومنها (صفقة الأسلحة الروسية).
كذلك يعد هذا الاصطفاف ضرب لمشروع الإصلاح السياسي والتعديل الوزاري "التكنوقراط" الذي يسير به السيد رئيس الوزراء، لاسيما من قبل السيد المالكي وجناحه في مجلس النواب؛ وذلك لأنه وزير الدفاع يصنف من الوزراء التكنوقراط في مجال تخصصه، وكذلك تمتعه بالمقبولية السياسية والشعبية، فضلاً عن مهنيته العسكرية، وأن إقالته ستعرقل سير عملية الإصلاح السياسي والتعديل الوزاري إلا انه وبالرغم من ذلك ربما يعطي رئيس الوزراء حرية أكبر في اختيار وزير تكنوقراط من خارج الكتل السياسية والبرلمان لوزارة الداخلية والدفاع.
وقد يفسر البعض وقوف السيد المالكي وجناحه السياسي ضد خطوات الإصلاح السياسي الذي تبناه رئيس الوزراء الحالي لسببين، الأول: هو الخشية من أن الإصلاح قد يحقق مطالب بعض القوى السياسية ويزيد من شعبية رئيس الوزراء "حيدر العبادي" لنجاحه في مشروع الإصلاح، مما يهدد بينة ائتلاف دولة القانون وحزب الدعوة إلى الانشقاق بتياريه (العبادي والمالكي) في الانتخابات القادمة. السبب الثاني: هو التخوف الذي يراود زعيم ائتلاف دولة القانون وجناحه السياسي وداعميه من أن الإصلاح قد يطال كل مؤسسات الدولة ولاسيما القضاء وكل مؤسسات الدولة الامر الذي ينذر بتهديد سطوة السيد المالكي على القضاء، وينذر بكشف ملفات الفساد في كل مؤسسات الدولة على مدى السنوات السابقة، الأمر الذي يهدد السيد المالكي بشكل مباشر، وربما يقضي على الحياة السياسية له ولحزبه بشكل عام.
ولهذا غيرت جبهة الإصلاح الكثير من اهدافها التي اعلنت عنها عند تشكيلها في بداية الأمر، وذلك بسبب عدد نواب ائتلاف دولة القانون داخل الجبهة (المؤيدين للسيد المالكي). ولهذا أيضاً لا يمكن استبعاد هذا التقارب بين السيد سليم الجبوري وأنصار السيد المالكي، لاسيما مع وجود هذه الملفات والقواسم المشتركة.
اضف تعليق