تعتبر ممارسة الرياضة في المقام الاول، لعب بدني: انها خبرة مجسمة، تتطلب حركة، كما تتطلب استخداما ماديا للزمان والمكان، وكذلك ارتطاما عنيفا للأجسام في اجسام اخرى او في اسطح صلبة غير متحركة.

ترجع معظم الدراسات التاريخية للرياضة اصول ونشأة الالعاب البدنية المنظمة الى مجتمعات وفترات تاريخية مختلفة، لكن من المعروف عادة ان الالعاب الاولمبية هي مكان نشأة الرياضة.

ترتبط الرياضة والسياسة ببعضهما بطرق شتى واشكال عديدة، ومن بين هذه الارتباطات: تحديد اولويات الانفاق العام، مثل المخصصات المالية التي تعطيها الحكومات القومية والاقليمية والدول للمؤسسات الرياضية، والتسهيلات التي تمنحها الحكومات المحلية للرياضة، وسياسات مكافحة التمييز (مثل الفصل العاشر من تعديل قانون التعليم الامريكي لعام 1972 والذي ينص على رفض منح مساعدة مالية فدرالية لأي برنامج تعليمي او نشاط ينطوي على تمييز ضد أي شخص على اساس الجنس)، والضوابط الحكومية على الاعلانات عن منتجات غير صحية مثل السجائر والخمور من خلال الرياضة مثل سباق الدراجات البخارية فورميولا وان ورعاية هذه السباقات، كما يجب ان يكون هناك فصل دائم بين الرياضة وسياسات الهوية، والقضايا المثيرة للقلق مثل قضية العلاقة بين الرياضة والعنف ضد المرأة..

كما يمكن تلمس هذه العلاقة بين الاثنين من خلال التشبيهات التي يستخدمها السياسيون والمأخوذة من عالم الرياضة مثل "لقد قطعنا شوطا بعيدا"، او "تمهيد ارض الملعب"، او تغيير قواعد اللعبة بعد بداية المباراة"، فالسياسيون يستخدمون هذه العبارات كثيرا في خطبهم السياسية ولقاءاتهم.

وقد عملت الحكومات القومية على استثمار الرياضة والبرامج الرياضية في التلفزيون استثمارا مكثفا بسبب الطريقة الفعالة التي يمكن ان تسهم بها الرياضة في بناء الامة. وفي الدول التي تعاني من انقسامات طبقية، او فصل بين الجنسين، او انقسامات عرقية، او دينية، او اقليمية او اية عوائق اخرى تعترض احساس الشعب بوحدة الهوية، لا تكون هناك سوى القليل من الوسائل التي تمكن مواطني الامة من تنمية شعور قوي بالوعي الجماعي بالهوية لديهم، وبانهم افراد شعب واحد. ومن بين هذه الوسائل القليلة التي تؤدي الى نمو هذا الوعي الحرب، والتي غالبا ما يقال ان الرياضة تعتبر بديلا لها، لذلك فان المباريات التنافسية التي يبذل فيها الناس مجهودا جسمانيا كبيرا بشكل منظم غاية التنظيم والتي نطلق عليها اسم "الرياضة" قد اصبحت في القرن العشرين بمثابة تمثيل رمزي لشكل من اشكال التنافس غير العنيف، وغير العسكري بين الدول.

ولقد تطورت فكرة الرياضة باعتبارها تمثيلا رمزيا للحرب الى درجة بعيدة ، لدرجة انها كانت تعتبر احيانا كبديل وظيفي للحرب، تعمل على نزع فتيل العدوان العسكري بين الدول بطريقة امنة الى حد بعيد. لقد ارتبطت النظرة الى الرياضة باعتبارها "حربا دون رصاص" بجورج اورويل، ولكن لم يكن ينظر للرياضة باعتبارها بديلا سلميا حميدا للحرب، وانما كان يرى ان المباريات الرياضية ماهي الا صورة خبيثة اخرى من صور الصراعات العسكرية بين الدول.

كانت بريطانيا هي الدولة الرائدة من خلال هيئة الاذاعة البريطانية "bbc " في استغلال المناسبات الرياضية الهامة باعتبارها مهرجانات قومية، بحيث تكون إذاعة هذه الاحداث الرياضية بمثابة شكل جديد من اشكال المناسبات القومية. وسرعان ما ادركت الدول الأخرى قيمة هذه القوة الرمزية الموحدة للرياضة على المستوى القومي والدولي بشكل خاص.

لا تمثّل الألعاب الأولمبية التي تضمّ مشاركين من جميع الجنسيات حدثاً رياضياً دولياً فحسب، بل تشكّل منصّة عالمية لإيصال الرسائل. وعمدت الدول الى استغلال هذا الحدث للإعلان عن مواقفها من الدول المستضيفة إما عبر مقاطعة الدورة الاولمبية، أو عبر استغلال الساحة الرياضية لتسليط الضوء على قضايا معيّنة.

اخر تداخل بين السياسة والرياضة، وخاصة الالعاب الاولمبية، هو منع عدد من الرياضيين الروس من المشاركة بسبب التهم المتعلقة بتناول المنشطات، وتقرير الوكالة الدولية لمكافحة المنشطات (وادا)، الذي دعا إلى إيقاف الروس عن المشاركة في جميع الأحداث الرياضية الدولية بما فيها الألعاب الأولمبية المقامة حاليا في ريو دي جانيرو.

وكان لافتا تصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "نلاحظ انتكاسة خطيرة تتمثل بتدخل السياسة في الرياضة. نعم أدوات التدخل هذه تغيرت لكن جوهرها ما زال السابق: جعل الرياضة أداة للضغط الجيوسياسي".

وهذا الضغط الذي يتحدث عنه الرئيس الروسي قادته امريكا وكندا لمنع الروس من المشاركة في الاولمبياد بسبب الخلافات على عدد من الملفات السياسية الدولية مثل سوريا واكرانيا.

ورغم هذا وبصرف النظر عن الاستخدام السياسي للرياضة من جانب الدول، فأننا لا يمكن ان نقلل من الأهمية الثقافية للرياضة بشكل عام.

المصادر:
معجم الجسد / اشراف ميشيلا مارزانو
الرياضة، والثقافة ووسائل الاعلام، الثالوث الصعب / ديفيد روي
مواقع الكترونية متنوعة

اضف تعليق