اجاد تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) الإرهابي في توظيف العنف المتوحش ومثاله الابرز في مجزرة الكرادة، فالحجر المفخخ الذي ألقي في قلب العاصمة العراقية قبل اسبوع من عيد الفطر قد ضرب عدة عصافير، لاسيما ان الزمان والمكان والكيفية قد ساهم في تعميق اثار هذه الضربة الموجعة، اما العصفور الاول، فكان التعبير عن روح الانتقام السوداء التي تسكن قادة وأعضاء وملاذات هذا التنظيم، فتحول العيد السعيد الى مأتم حزين واستبدلت ملابس الفرح الزاهية بأكفان الموت الباردة، وهذا يبرد تلك النفوس التي مردت على الذبح والحرق والتفخيخ للخصوم وتعتقد ان هذا هو بلسم لحقدهم الدفين واكتساب المزيد من المشروعية والتعاطف والدعم ممن يتشاركون معهم في روح الكراهية وان هذا الانفجار صب الزيت على برميل الطائفية الساخن، على امل ان ينفجر لكسب المزيد من الدعم الدولي والمشروعية الدينية والتبرعات والمتطوعين على مستوى أمة المليار ونصف.
العصفور الثاني، هو رد فعل عسكري وأمني لما حققه الجيش العراقي من انتصار خاطف ومستحق في مدينة الفلوجة، ان خسارة تنظيم داعش للأراضي والمدن التي كانت تعد قلاع ومرتكزات لدولته المفترضة يحتم عليه اعادة النظر باستراتيجياته وتكتيكاته في المواجهة، فبدلا من المواجهات المفتوحة بين قطعات عسكرية ومعسكرات واضحة وخطوط فاصلة، فان داعش يفضّل ان يعوض خسارته بمعارك بين السكان المدنيين ونقل المواجهة الى المدن ليمارس لعبته الدموية المفضلة بضرب الأهداف الرخوة من اسواق وجوامع وتجمعات مدنية ذات بعد طائفي واضح، مع تغطية إعلامية تساعد بها جبهتين الاولى هي ماكنة داعش والمتعاطفين معها سرا او علنا، والثانية هي الماكنة اللاعقلانية للطرف المستهدف بما يسمى استعراض المظلومية الذي اخذ ابعد من مداه وأضاف نصر إعلامي مهم لتنظيم داعش.
ويستمر تساقط العصافير، فالثالث منها كان دق اسفين بين الحكومة العراقية غير المستقرة وجمهور الحكومة الناقم والمستاء اصلا، ان المراقب للشأن السياسي يستغرب من كمية عدم الانسجام بين الحكومة وجمهورها، ان القاعدة الشعبية للحكومة العراقية ترتكز على المكونات الثلاث فالجمهور السني مستاء منذ السقوط وعززه بسقوط محافظاته كثمرة ناضجة بيد داعش واخواتها ودفع تلك المناطق وسكانها الكلفة الاقتصادية والاجتماعية للسقوط والتحرير الى حد كبير، والجمهور الكردي غير معني الا بما يحدثه بالإقليم، والجمهور الشيعي الذي يشعر انه غير آمن رغم تضحياته الجسيمة، وبالتالي ضرب الشيعة بالمفخخات سيضع شرخ عميق في العلاقة بين الطرفين اي المواطن الشيعي والحكومة ذات الرئاسة الشيعية، هذه العلاقة المعلولة اصلا بسبب الفساد وسوء الادارة والتناحرات السياسية، وإظهار الحكومة بمظهر العاجز عن حماية جمهوره ورموزه ومقدساته (تم استهداف مرقد سيد محمد ابن الامام الهادي بعد بضعة ايام من واقعة الكرادة)، لذا كان رد فعل الجمهور الغاضب على القائد العام للقوات المسلحة حين زار موقع الانفجار غاضب وعنيف عاكسا خيبة امل عميقة.
العصفور الرابع، وهي كسب جولة للحرب النفسية التي تعد واحدة من احدى اهداف الاٍرهاب، ان تشعر الخصم بالخوف وتسلب منه شعور الطمأنينة مما سيسبب مشاكل عدة لعل من أبرزها هروب الاستثمارات، تصاعد اليأس، وثم الرضوخ لاحقا للمطالب السياسية سواء الداخلية او الخارجية لان الحرب مهما كانت صورتها هي اداة لتحقيق أغراض سياسية، وليس من الحكمة ان نعتقد ان الاٍرهاب عابث بل ان للإرهاب اجندة سياسية وايديولوجيا ذات ابعاد عميقة ومتشابكة وقاسية لأنها تعيش على رائحة الجثث ودخان المباني.
اضف تعليق