أغلقتُ الباب بقوة؛ دخلتُ غرفتي بعصبية وألقيتُ بنفسي على سريري، يا إلهى؛ لماذا لا تفهمني أمي؟ لماذا تجادلني؟ لماذا لا تتقبل كلامي؟ كم تباحثنا وتخاصمنا.
لقد وصلت الى آخر الخط لقد تعبت؛ أؤمن بثبات وحصافة رأيي.
لا أريد أن أكون مثلهما، أعني أمي وأختي؛ بسترهما وحجابهما، كم مرة قلت لأمي أستطيع أن أكون طاهرة نقية بلا حجاب أيضا، لا أريدها، أعني العباءة، لا أحب التقييد، أريد أن أكون كصديقاتي، أحرار يذهبنَ متى شئن وأينما ارتأينَ، أريد أن ابتعد عن التخلف والتراجع كما يقلن لي صديقاتي، وسوساتهم وهتافاتهم أثرت فيَّ شيئا فشيئا، ألقيت العباءة من رأسي، رأيت نظرة الانكسار والتحطم والخيبة في عينيّ أمي، هزتني نظرتها لكن لدقائق معدودة، خطوت الى عالم الاحرا ر .
توسعتْ الدائرة التي أسميتها في ما بعد (دائرة الشيطان)، خطوت خطوة فخطوة الى الأمام، سهرات وقليل من المكياج والتسكع في الشوارع والمطاعم، ضحكات وغمزات واصدقاء!!، رأيت نظرات الإعجاب في عيون صديقاتي لتقدمي المزعوم، حان وقت الصلاة، تهيأت لأداء الصلاة، رأيتهنَّ يتغامزنَ ويضحكنَ، يا الهي كيف سيفكّرنَ بي؟ أيتهمنني بالرجعية مرة أخرى؟.
مضي شهر وشهران بل اشهر وصلاتي أصليها مرة واتركها عشرا، القرآن الذي كنت أعشقه وأتلو آيات منه في آناء الليل وأطراف النهار، أصبح مفردة غريبة بعيدة عني، مضت الشهور وارد الخاطبين فقط بحجة التزامهم بالدين إلي ان كملت سعادتي المزعومة، رأيت خاطبي شخصا يشبهني، لا يقيده شيء، لا دين ولا تقوى ولا ايمان.
وافقت أمام حيرة ودهشة الجميع، ذهبت مع زوجي الحر الى بلد آخر، لا يقيدني، لا بحجاب ولا بفرض، كنت أحس أنني أسير على السحاب، لكن الى متى؟.
بعد مدة أصبحت حرية زوجي تؤذيني، نظرات التهتك والوقاحة، عدم الاحتشام والعفاف، عدم التقيّد بأي واجب او حرام او فريضة، اصبح ذلك سبب استياء فتألم فامتعاض فتعاسة لي، أغلقت عيني تذكرت العصمة والبراءة في عيون خاطبي المؤمن، بأي حجة رددته ولم رجحت الفسق والمجون على تلك النزاهة؟.
أ أصبحت انا ايضا كذلك؟ طهارتي وبراءتي ونظرات الحشمة والحياء أين ذهبت؟ أ هذه كانت السعادة المزعومة؟ كم اشتقت الى صلاة ومناجاة والدتي، منذ متى ولم أقم بين يدي ربي؟ سمعت صوت اذان الصبح قمت وتوضأت، تمتمت بدعاء الوضوء الذي كنت دائما أسمع والدتي تتمتم به، (اللهم لا تعطيني كتابي بشمالي ولا من وراء ظهري ولا تجعلها مغلولة الى عنقي).
أحسست بثقل أعمالي على ظهري، رأيت ذنوبي كأنها مسلسل مظلم عفن، لقد وصلت الى السراب الذي كنت أتصوره ماء عذبا، تذكرت الآية التي كانت تتلوها والدتي مرارا وتكرارا: (ولا تتبعوا خطوات الشيطان) لقد اتّبعتُ خطواته التي بدأت بالتهتك والابتذال.
ناجيت ربي، سألته أن يأخذ بيدي، سألته والدموع منهمرة من عينيّ، أن يعفوَ عني ويغفر لي، كيف كنت أفكر بهذه الرجعية؟ وما الذي حصلتُ عليه أمام ما فقدته؟ لا شيء سوى الظلام، الانحطاط، التيه والضلال والحيرة.
بعزيمة راسخة وإصرار وتخطيط نظرت الى طلوع الشمس، وفي عينيّ بريق الإصرار والهمة.
اضف تعليق