عانت العملية السياسية في العراق من ارهاصات وازمات متعددة منذ انطلاقها بعد سقوط النظام البائد ولغاية هذه اللحظات.. فما أن تنهض من كبوة حتى تسقط بكبوة اخرى.. وهناك جملة اسباب جعلت من طريق مسيرتها وعراً ومحفوفا بالمخاطر.. فكادت هذه العملية ان تسقط وتذهب رحيها بسبب التربص بها من قبل اعدائها التقليديين واخرين غير تقليديين. ولعل اعداء العملية السياسية في الداخل اكثر شراسة وتأثيراً من اولئك الذين يتربصون بها من الخارج، وذلك لان قسماً من هؤلاء مشتركون فيها ومنضمون اليها..
فكانوا طوال السنين الثلاث عشرة الماضية يخلقون لها الازمات والتصدعات عن طريق الانسحاب من البرلمان والحكومة، او من خلال التصريحات النارية التي يطلقونها، فهم ينتمون الى احزاب وكتل مشاركة في السلطتين ومعارضة لهما في الوقت نفسه، وهذه الحالة خلقت التصدع والشقاق والشكوك بكل الاجراءات المتخذة من قبل السلطة التنفيذية، وولدت صعوبة في انتاج قوانين وتشريعات من قبل السلطة التشريعية تسهم في استقرار البلاد وتعمل على تطوير الحركة التنموية فيها. اما الاعداء الخارجيون فهم تقليديون وبنوا عداءهم على اساس طائفي، وبدؤوا يعزفون على هذا الوتر الحساس الذي اسهم بشكل او اخر بالاصطفاف خلف الطائفة والقومية والقبيلة..
وهكذا فان المحيط العربي بدأ يستخدم الاعلام بشكل مباشر لانتقاد الاجراءات الحكومية في تدخل سافر وواضح بالشؤون الداخلية للعراق، وكانت ومازالت وسائل اعلام عربية تمارس البغي الاعلامي ضد العراق وشعبه بحجة مساندة طائفة معينة تتعرض الى التهميش. فكانت تمسك بمعول الاعلام لتهدم ما يمكن ان يبنيه العراقيون في دولتهم الجديدة واقصد هنا البناء السياسي والاجتماعي.
وسوى الاعلام فان الخلافات السياسية في العراق كانت تتغذى من خلال الدعم اللوجستي والامدادات المالية (خاصة في الانتخابات) وكذلك رعاية المؤتمرات وتمويلها. حيث عُقدت مؤتمرات عديدة لما تسمى بالمعارضة العراقية في عمان ولبنان وتركيا والدوحة وباريس وغيرها من العواصم التي قد تكون غير متبنية لأفكار اولئك المؤتمرين، الا انها في كل الاحوال مستقبلة لهم على اراضيها بذريعة الحرية وحق التعبير واحداث الاصلاح او رفع التهميش عن فئة من العراقيين. ولو كان فيها مس بسياسة تلك الدول لعملت على الغاء حرية التعبير، واعتبار ذلك تهديدا للامن القومي !!
ولعل اخر المؤتمرات التي نظمت ومولت، ذلك المؤتمر الذي أُقيم في العاصمة الفرنسية باريس في شهر أيار 2016 الذي لا يُعد الخطوة الاخيرة في اجندتهم، بل هناك عمل لتجسيد الشعارات وتحقيق الاهداف حسب ما صرح بذلك رئيس اللجنة التحضيرية، ومن المحتمل عقد مؤتمر اخر بالاتجاه نفسه وربما ترعاه موسكو هذه المرة فتدخل اللعبة مع اللاعبين..
ان الحوار الذي جرى في باريس وقبله في الدوحة وعواصم اخرى كما اشرنا الى ذلك انما يعبر بشكل واضح على ان اقطاب ما يسمى بالمعارضة العراقية انما يغنون خارج السرب.. فهم معارضون للتغيير، ورافضون للدستور، وربما ناقمون على ذلك، وهم ذوو نهج طائفي، مع اعلانهم بانهم يسعون الى مشروع وطني عراقي، ولا يشفع لهم تزويقهم المشهد ببعض الوجوه السياسية المحروقة التي حضرت المؤتمر ان يؤكدوا غير ذلك. فخطابهم واضح، وتوجهاتهم بينة، والعناصر الساعية لتنفيذ المشروع معروف تأريخها وميولها وايديلوجيتها.
كما ان هؤلاء لا يؤمنون اصلاً بما حصل في العراق، والتغيير الذي جرى بإسقاط النظام الدكتاتوري.. بل ان جذور اغلبهم تنتهي الى ذلك النظام البغيض، فضلا عن اعلانهم صراحة بانهم ضد العملية السياسية في العراق، اي انهم حركة انقلابية تسعى للحصول على الدعم الكافي لتغيير الحكم في العراق بوسائل عنفية، وليس عن طريق الانتخابات لانهم يعدون المشاركين في العملية السياسية اعداءً لهم.. وربما هم خونة من وجهة نظرهم، فضلاً عن خطابهم البائس الذي يمتد بأثر رجعي الى الخطاب البعثي ايام القائد الضرورة، والحروب الظالمة التي شنها نظام صدام وراح ضحيتها اكثر من مليون ونصف المليون عراقي، اضافة الى مئات الالاف من المعوقين والارامل والايتام..
فهؤلاء المعارضون لا يسعون اصلا الى ان يشاركوا في العملية السياسية بان يكونوا كتلة او حزباً ويشاركوا في الانتخابات، بل انهم يرفضون كل هذه الاساليب جملة وتفصيلاً.. فأين موقعهم من المعارضة؟.. واين جمهورهم الذي يستندون اليه في دعمهم؟.. وما هو مستقبل حركاتهم الهدامة؟.. ومن هي الجهات التي تمولهم وتسعى لجعلهم بيادق على رقعة الشطرنج يحركوهم كيفما شاؤوا ومتى شاؤوا؟.. وهل هم وطنيون عراقيون حقا؟.. ام انه مجرد تجار سياسة، مثلهم مثل الكثيرين الذين يحاولون خلق قوة ضاغطة لتحقيق مصالح ضيقة، اضافة الى الاسهام في عدم استقرار البلاد وخلق الفوضى بين صفوف العباد.
اضف تعليق