الصراع في المنطقة لن ينتهي قريبا، هكذا هي نية القوى العالمية، التي تبحث عن مكاسب ما بعد الصراع، فإلى الآن لم يتم تحقق الغايات الكبرى للقوى العالمية، نعم حصلت الفوضى واشتعلت الحروب، ودارت عجلة معامل السلاح الغربية، لتدر المليارات على مالكيها، لكن إلى الان لم يحصل الهدف الأكبر لهم، وهو التقسيم الجغرافي للعراق وسوريا، فهناك محور الضد، الذي يسعى للحفاظ على كيان العراق وسوريا، ورد العدوان، هذا المحور يركز على روسيا وإيران والعراق وسوريا.
نشر موقع روسيا اليوم تقريرا هاما، عن تحذيرات روسية من مخاطر سقوط الأسد، حيث يقول التقرير أن الكرملين حذر من أن منطقة الشرق الأوسط قد تغرق في فوضى كبيرة في حال إسقاط نظام الأسد، مضيفا أن سقوط الأسد لن يساعد في حرب الإرهاب، حيث قال دميتري بيسكوف الناطق باسم الرئيس الروسي في يوم الجمعة 17 من حزيران الحالي تعليقا على أنباء عن رسالة من وزارة الخارجية الأمريكية تدعو إلى توجيه الغارات الأمريكية ضد الجيش السوري والمساهمة في إسقاط نظام الأسد، حيث قال: "في أي حال من الأحوال لا يمكن لموسكو أن تتعاطف مع الدعوات إلى إسقاط السلطة في دولة أخرى باستخدام القوة. وعلاوة على ذلك، من المشكوك فيه أن يساهم إسقاط هذا النظام أو ذاك في إحراز تقدم في محاربة الإرهاب بنجاح، بل قد يؤدي ذلك إلى تعميم الفوضى المطلقة بالمنطقة".
السؤال الأهم الذي نطرحه هنا، لماذا أمريكا تهدد بضرب الجيش السوري، ولماذا الان بالتحديد؟
تفكيك القضية يوصلنا لفهم معين، لما يدور في الساحة، من صراع سياسي قد ينتج مفاجئات عسكرية
الهوس الأمريكي بإسقاط الأسد
أمريكا ومحورها من تركيا والسعودية وقطر، تحاول أن توهم الرأي العام العالمي بان نظام الأسد يقوم بانتهاكات كبيرة ضد المواطنين، وانه قد كان سبب للحرب، وهو يدعم بعض الجماعات الإرهابية، وهي تروج إلى إن حل مشكلة سوريا يتم عبر إسقاط الأسد وتدمير جيشه، هذه ذرائعها التي كانت سببا للتدخل في الشأن السوري، والتي تمسكت بها ورددها أتباعها في المنطقة، فلولا دخولهم على الخط ودعم الجماعات الإرهابية بالمال والسلاح والتدريب، لما أصبح حال سوريا اليوم بهذا البؤس الكبير، أمريكا تفكر بضياع تام للجغرافية السورية والأمر متعلق بإنهاء الأسد وجيشه، لأنه للان هو حجر العثرة أمام تحقيق الهدف الأمريكي.
قرار أمريكي: داعش لن تموت الآن
الإرهاب المنتشر الآن في الشرق الأوسط، كان هو الدافع لدخول القوى الغربية مباشرة تحت عنوان القضاء على الإرهاب، وأمريكا ومحورها شكلوا تحالفا دوليا من عشرات الدول، وهو يعمل منذ سنتين، لكن فعله بسيط جدا ومن دون خطط أو إستراتيجية، بل مجرد عنوان كبير لكن فارغ المحتوى، وببساطة أن القوى الغربية حققت فوائد كبيرة من تواجد الإرهاب في العراق وسوريا، لذا من غير المنطقي أن تعمل على الضد من مصالحها، والتي هي اليوم تعتمد على تواجد التهديد الداعشي، لذا هي تدق على نغمة مختلفة، وهي السعي إلى ضرب جيش الأسد تحت عنوان حرب الإرهاب، كي تتفتت سوريا إلى دويلات، ويستمر تواجد الابن المدلل للغرب (داعش)، إلى حيث الوقت الذي وضعوه لموته، أي بعد أن تستنفذ منه كل الفوائد ممكنة التحقق.
لعبة شد الحبل
البعض يرى التصريحات الأمريكية، بأهمية ضرب قوات الأسد، لا تعدو إلا لعبة شد الحبل بين أمريكا وروسيا، فأمريكا لن تخاطر بهكذا خطوة قد تسبب لها صداع مزمن، خصوصا أن ضرب الجيش العربي السوري مباشرة، قد يهدد مصالح أمريكا في جغرافيا واسعة، بالإضافة لما تمثله الخطوة من لعب بالنار مع روسيا، باعتبار أن العملية الروسية القائمة، هي هادفة لدعم الأسد، فكيف يمكن أن تأتي قوة خارجية وتضرب من هو تحت الحماية الروسية، لذا هي ليست إلا مجرد بالونات إعلامية، تهدف لتحقيق ضغط معين في اطار اللعبة السياسية القائمة، وقراءة ردود الأفعال عن خطوتها الإعلامية، كي ترسم الخطوة التالية بناء على قراءات الخبراء المخططين للسياسة الأمريكية.
الخوف على الجماعات المسلحة
لو اعتبرنا أن الدعوة المقدمة لأوباما بضرب الجيش السوري صحيحة، فإنها تكون ضمن سياق المصالح وكيفية الحفاظ عليها، فبعد المشاركة الروسية في الدعم المباشر للأسد، وقيامها بضربات كبيرة ضد داعش في سوريا، مما جعل نفوذ العصابات الإرهابية يتحجم، والأمر مستمر وسيصل إلى نهاية تلك العصابات إذ لم تتدخل أمريكا، فعودة الاستقرار لسوريا ليس في صالح أمريكا، لذا هي تعمل على أكثر من محور ليطول عمر العصابات الإرهابية، فمن جهة تدفع اذنابها كي يزيدوا من دعمهم لداعش، من جهة أخر تقوم حملة إعلامية ضد نظام الأسد، ومن محور ثالث تحاول إثارة المشاكل لحلفاء سوريا الأسد، كي يقل الدعم وبالتالي يضعف الأسد، والأمر الرابع الذي لجأت إليه هو التلويح باستخدام الضربة العسكرية لجيش سوريا الأسد.
تأثير تحرير الفلوجة على أمريكا
يعتبر تحرير الفلوجة، انتكاسة كبيرة للنهج الأمريكي، حيث كانت الفلوجة القلعة الإرهابية المحمية أمريكيا، حيث كان دورها محوريا في إدامة العمل الإرهابي للعصابات الإجرامية في العراق وسوريا، وبعد خروج الفلوجة من يد الدواعش، كان على أمريكا أن تناور، كي تحفظ موازين القوى في المنطقة، فكانت قضية التهديد بضرب الجيش السوري، تحت عنوان كبير، وهو محاربة الإرهاب، فانظر إلى الخداع والمكر الذي تتسم به السياسة الأمريكية، فمن جهة هي التي تدعم الإرهاب والإرهابيين، وتقف بالضد إمام كل من يوقف تقدم الإرهابيين، ففي العراق وقفت ضد الحشد الشعبي، وفي سوريا تقف ضد الجيش العربي السوري، والعنوان الذي تتحجج به انها ضد الإرهاب، انها المسرحية الأكثر هزلا، لذا جاء موقفها ضمن السياق المنطقي، في حملة جمع القوى بعد الهزيمة.
اضف تعليق