خطاب رئيس مجلس الوزراء مساء الجمعة الذي تحدث فيه عن احكام السيطرة على مركز مدينة الفلوجة وعن الثقة العالية بالنصر الناجز فيها على داعش اليوم وفي الموصل غداً.. ذكرني بحديث وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف قبل ايام في مؤتمر صحفي بالنرويج على هامش مؤتمر حول حل الصراعات، وطرحه رؤية ايرانية جديدة ومنطقية للأوضاع في سوريا والعراق بإقراره إن «الصراع في كل من سوريا والعراق لا يمكن حله بالسبل العسكرية فقط، بل بحاجة إلى الاتفاق على أنه ليست هناك حلول عسكرية في أي من هذين الصراعين رغم أنه قد يكون هناك نصر عسكري.. حتى التغلب على المتطرفين يحتاج لأكثر من الاستراتيجية العسكرية».
لقد اشار الوزير في هذا الحديث بإمكانية تحقيق النصر العسكري لكنه لم يعتبره كافيا اذا لم يقترن باستراتيجيات اخرى مكملة، وان كان لم يفصح عنها، فإنها بلا شك ستكون ناجحة لأنها تأتي بعد تجربة طويلة في التعامل مع ملفي سوريا والعراق، خمس سنوات في سوريا وسنتين في العراق فتحت بهما ايران ترسانتها التسليحية وقدمت خبراتها العسكرية وحالت دون سقوط دمشق واربيل وبغداد مثلما حالت دون توسع دولة داعش او تحولها الى امر واقع، وهو ما اقرته التسريبات الامريكية الاخيرة من ان ادارة أوباما فكرت بعد العاشر من حزيران ٢٠١٤ وهو تاريخ سقوط الموصل بالتعامل مع داعش.. دولة وامر واقع.
ما يهمنا من الامر برمته هو ماذا سنفعل بعد داعش؟ هل نكتفي بالنصر العسكري ام لنا ستراتيجية جديدة ترافق ذلك النصر القريب؟؟ غير المصالحة طبعا التي اصبحت ورقة محروقة وعفا عليها الزمن.
وما يهمنا أيضاً لماذا يحاول البعض دق إسفين بين الجيش والحشد الشعبي؟ خصوصا وان الاخير جاء نتيجة فتوى مباركة من المرجعية الدينية العليا استجابت لها كافة فئات الشعب وطوائفه بالتضحية والوقوف بوجه الارهاب حينما كان يطرق ابواب بغداد.
ونتساءل ايضا ما الهدف من تسليح عشائر الأنبار اذا كان الجيش وبمساندة الحشد الشعبي يفي ويغطي ويزيد؟ هل هو لتسلم مسؤولية المناطق بعد تحريرها ام ان هناك من يعد العدة لحرب جديدة او تشكيل أقاليم متناحرة ومتنازعة؟؟.
أسئلة كثيرة تدور في كواليس السياسيين والمعنيين لكن ما يحجبها غبار المعركة والرغبة الجامحة بالنصر على داعش وايقاف نزيف الدم العراقي الذي يسيل يوميا بالعبوات والمفخخات والانتحاريين.
واذا كان الامر على هذه الشاكلة فانه مقبول وغبار المعركة قاب قوسين او أدنى من الانقشاع في الفلوجة وبعدها في الموصل.. لكن ما يدق ناقوس الخطر هو الحديث عن احتمال ظهور تنظيم ارهابي جديد قد يخلف داعش في المناطق الغربية حال انتهاء المعركة، وهنا نعود الى حديث الوزير الايراني بان التغلب على المتطرفين يحتاج لأكثر من النصر العسكري، فهل فكرنا ماذا نفعل بعد القضاء على داعش؟ وهل القضاء عليه هو قضاء على التطرف والمتطرفين؟ وهل ستعود الامور الى طبيعتها وهناك من ينفخ بنار الأحقاد والكراهية تحت عناوين الانتهاكات بحق المدنيين؟.
لن تهدأ الامور بعد داعش في المناطق المحررة حتى لو انسحب الحشد الشعبي منها؟ ولن تنتهي القصة بتحرير الفلوجة والموصل؟ ولن تقف المفخخات والانتحاريين ولن يحقن الدم العراقي الطاهر.. اذا لم نفكر بعقلانية: بالوحدة اولا؛ تفويت الفرصة على من يفرقنا ويزرع الفتنة بيننا ثانيا؛ وترتيب بيتنا الداخلي والسياسي ثالثا؛ قبل نهاية داعش.
وترتيب البيت قبل وبعد النصر لن يكون بالبناء والإعمار فقط والذي قد يذهب جله الى جيوب الفاسدين بل بالعمل على اجتثاث الفكر المتطرف من تلك المجتمعات وتطويعها وطنيا من خلال استراتيجية تعيد لها اللحمة التي تضررت مع باقي اجزاء الوطن وتزيل ما خلفه داعش من خراب وافكار ومعتقدات دخيلة وبالية.
اضف تعليق