من جانب واحد، أعلنت دولة الإمارات، وعلى أرفع مستوى، عن انتهاء حربها في اليمن... الأمر الذي فتح الباب رحباً للتكهنات والتحليلات، حول "صراع الأجندات" بين أهم حليفين في التحالف العربي بقيادة السعودية الذي شن حرباً لا هوادة فيها، ضد الحوثيين وأنصار علي عبد الله صالح، امتدت لأكثر من خمسة عشر شهراً.
وزير الدولة الإماراتي أنور قرقاش، أصدر توضيحاً لتصريحاته، يشبه النفي، قال فيه أن كلامه انتزع من سياقه، والحقيقة أن الرجل كان يقرأ عن نص مكتوب لمحاضرته، وأعاد رجل الإمارات القوي محمد بن زايد، وعدد من المسؤولين الإماراتيين، نشر مواقف قرقاش على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ما يعني أن التوضيح جاء أقرب للتأكيد منه إلى النفي، وأن الوزير عبّر في محاضرته، عن مواقف بلاده الحقيقية.
ومما لا شك فيه، أن قرار الإمارات لم يكن خبراً ساراً بالنسبة لجارتها الكبرى وحليفتها في حرب اليمن... فالسعودية لا تريد أن تفقد أهم حليف لها في هذه الحرب، والمؤكد أنها لا تريد أن تبقى وحيدة، مجردة من الحلفاء المشاركين بقوات على الأرض، غير المكتفين بالتصريحات المعلقة بالفضاء... ثم أن توقيت القرار الإماراتي، جاء في لحظة حرجة تمر بها مفاوضات الكويت، وسيسهم من دون شك، في إضعاف حليفها عبد ربه منصور هادي، وقد ينزع الشرعية عن رئاسته، وهو الذي خاض الحرب ضد خصومه، تحت شعار رفض الانقلاب وحفظ وحدة البلاد والعباد.
الخلافات السعودية–الإماراتية، ليست وليدة لحظتها... فقد كان واضحاً منذ البداية، أن أبوظبي معنية حصراً بجنوب اليمن، وترغب في تشجيعه على الانفصال، وسبق لها وأن أظهرت تردداً واضحاً في اجتياز الحدود بين اليمنين (سابقاً) نحو الشمال، وهذا ما عاد وأكد عليه الوزير قرقاش عندما قال على أن بلاده ستعمل على "تمكين" اليمنيين في المناطق المحررة، والمناطق المحررة لا تتخطى حدود اليمن الجنوبي سابقاً.
وثمة خلاف آخر، لا يقل عمقاً وأهمية، تكشفت عنه بشكل خاص، معركة تعز المديدة والمريرة، ويتعلق بتحفظ الإمارات على إعطاء أي دور للتجمع اليمني للإصلاح (الفرع اليمني لجماعة الإخوان المسلمين)، لا في ميادين القتال وساحات الحرب، ولا على موائد التفاوض، وبالأخص في أي ترتيبات للنظام اليمني الجديد، وظلت هذه القضية موضع شد وجذب بين البلدين الحليفين، طوال فترة الحرب، إلى أن تفاقمت مؤخراً مع إقدام السعودية على دعم قرارات هادي بإقصاء خالد البحاح (المقرب من أبو ظبي) واستبداله بالجنرال علي محسن الأحمر، المعروف بصلاته الوثيقة مع الإخوان المسلمين.
السعودية في المقابل، لا ترغب في أن يكون تقسيم اليمن هو الحصيلة الوحيدة لحربها المكلفة عليه، ولا هي راغبة في تحمل تبعات انشطاره، معنوياً وأخلاقياً، فهي شنت الحرب تحت شعار طرد الحوثيين من كل المدن اليمنية، وحفظ وحدة البلاد والعباد، وإعادة "الشرعية" إلى صنعاء، وتقطيع أقدام إيران وأذرعها الممتدة إلى الخاصرة السعودية الرخوة في الجنوب... مع أن السعودية في مراحل سابقة، لم تكن تمانع في إبقاء حالة الانقسام بين شطري البلاد، كما أن كثيرٍ من اليمنيين، نظروا إلى مشروع الأقاليم الستة الذي اعلنه منصور عبد ربه هادي، بوصفه مشروعاً تقسيمياً سعودياً، جرى إعلانه على لسان الرئيس هادي.
والسعودية، التي شاطرت الإمارات موقفها المعادي من جماعة الإخوان المسلمين، زمن الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، لم تعد تنظر للجماعة بذات "العين الإماراتية الحمراء" بعد التغيير الذي حصل في المملكة وتسلم الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في بلاده خلفاً لأخيه الراحل، حتى أنها لم تعد تمانع التحالف معهم في مواجهة إيران وحلفائها في المنطقة، كما حصل في اليمن، وكما يحصل على امتداد الإقليم برمته.
ويعكس الخلاف السعودي–الإماراتي حول الموقف من جماعة الإخوان، خلافاً أبعد وأعمق، ويتعلق بالموقف من إيران على نحو الخصوص.... صحيح أن الدولتين تتشاطران المواقف العلنية المنددة بـ "التوسعية" الإيرانية، إلى أن الصحيح كذلك، أن درجة العداوة التي يضمرها كل من البلدين صوب طهران، تبدو متفاوتة للغاية، فالإمارات ما زالت تحتفظ بخطوط اتصال سياسي ودبلوماسي، والأهم، بعلاقات اقتصادية وتجارية مزدهرة مع إيران، في حين، تبدو قنوات التواصل مسدودة ومغلقة في الاتجاهين، بين السعودية وإيران.
والخلاصة، أن اختلاف الأولويات بين البلدين في اليمن، وتفاوت نظرتهما لإيران وحلفائها، واستتباعاً للإخوان المسلمين، كان من الطبيعي أن يقود إلى النتيجة التي أعلن عنها الوزير قرقاش، وأحسب أن تصريحاته الأولى هي الأصدق في التعبير عن حقيقة موقف بلاده، أما تصريحاته التالية، فالأرجح أن تكون قد صدرت عن "ضغط" أو "مجاملة" او كلا الأمرين معاً.
اضف تعليق