بعد ان شكل "التحالف الدولي" لمواجهة خطر تنامي تنظيم (الدولة الاسلامية/ داعش) في العراق اولا، وفي سوريا لاحقا، قبل اشهر قليلة، فرضت الولايات المتحدة الامريكية (التي دعت وقادت هذا التحالف) امرين مهمين من هذا التحالف، الاول ان الحرب ضد الارهاب تحولت الى طابع العالمية، وان ضرب التنظيم في العراق هو جزء من هذه العالمية وليس الامر مقتصرا على مكافحته في العراق او سوريا فحسب، بينما كان الامر الاخر، ان تقود الولايات المتحدة الامريكية بنفسها هذا التحالف، ما يعني انها ستكون المخطط الرئيسي لاستراتيجية القضاء على تنظيم داعش والحرب العالمية ضد الارهاب التي توسعت من الشرق الاوسط، لتتجه نحو شمال افريقيا واوربا واستراليا، وربما غيرها من القارات في قادم الايام.
وقد عاب الكثيرون، على الولايات المتحدة الامريكية نهجها "الرحيم" مع تنظيم داعش، او الهادئ في توجيه الضربات الجوية، وبطئ التسليح والتدريب للقوات الامنية العراقية، اضافة الى تماهيها في التعامل بحسم مع الاطراف الداعمة للجماعات الجهادية، وتحجيم قدرات التنظيم المالية واستمراره بالسيطرة على الكثير من الاراضي في سوريا والعراق، سيما وان احدث التقارير الاستخبارية الامريكية اشارت الى ان "مقاتلي التنظيم لا زالوا متماسكين وقدراتهم الأساسية لم تتغير، وإن التنظيم لا زال لديه مواقع كثيرة ليحتمي بها ولينفذ عمليات التدريب والتخطيط وتنفيذ هجماته إلى جانب حرية تنقل مقاتليه بين العراق وسوريا"، وتابع المصدر بالقول "إن من أهم العوامل المساعدة لداعش هو مواردها، وباعتبارها أغنى تنظيم إرهابي في التاريخ، فلديهم الملايين من الدولارات التي تساعدهم على تجنيد عناصر جديدة والقيام بدعاية تجلب للتنظيم المال والمجندين الجدد".
الولايات المتحدة الامريكية، وبحسب مراقبين، لا تريد استعجال الامور كثيرا، سيما وان ما قد تجنيه من مكاسب سياسية وامنية واقتصادية، (مع استراتيجيتها التي تؤخر حسم الحرب ضد داعش والتنظيمات الارهابية الاخرى سواء في العراق ام في سوريا وغيرها)، يفوق بكثير ما قد تجنيه في حال استعجال الامور والذهاب مباشرة نحو "التدمير" الشامل والسريع للحركات والمنظمات الارهابية، خصوصا وان "حرب الارهاب" و"التحالف الدولي" يشكلان ويشاركان عدة حروب (في واقع الحال)، جزء منها يقع في اوربا، والاخر في الشرق الاوسط، اضافة الى شمال افريقيا وغرب اسيا، من دون اهمال الملفات السياسية الحساسة الاخرى، والتي تهم واشنطن في المقام الاول، كالملف النووي الايراني، وصراع النفوذ على القارات الحيوية، والحروب الاستخبارية، وهي ملفات لها علاقة مباشرة بالحرب العالمية ضد الارهاب والتطرف، ويمكن استعمالها كأوراق ضغط مزدوجة، في حال ارادت الولايات المتحدة الامريكية ذلك، او اراد المنافسين لها هذا الامر.
الرئيس الامريكي "بارك اوباما"، ومنذ توليه رئاسة البيت الابيض، كان واضحا في صياغة مفهوم "القيادة من الخلف" من دون نسيان او تناسي "عقيدة المسؤولية" التي تشعر بها الولايات المتحدة الامريكية تجاه قيادة العالم، وبخلاف "التردد والعجر" الذي وصفت به الولايات المتحدة الامريكية في زمن اوباما من قبل اقرب حلفائها، كان الاخير يرتب اوراق "استراتيجيته الجديدة" بهدوء ومن غير استعجال، خصوصا وان زمن استخدام "المدفع" والمواجهة المباشرة بقوات برية على الارض قد انتهى في حسابات اوباما، بحسب تصريحاته التي اكدت عدم قدرة الولايات المتحدة الامريكية خوض المزيد من الحروب في المنطقة وبفترات زمنية متقاربة، كما حدث في زمن الجمهوري "جورج بوش".
ومن بين الاسباب الاخرى التي قد تدفع الولايات المتحدة الامريكية، لاستخدم لغة الهدوء المريب في تعاملها مع الجماعات المتطرفة في العراق وسوريا، هي مسالة "اجتثاث الحواضن" المتطرفة للجماعات الجهادية، والذهاب الى اخر نقطة يمكن ان تصل اليها هذه التنظيمات المتشددة، وهو امر في غاية الاهمية بالنسبة لأمن واستقرار الولايات المتحدة، خصوصا من ناحية الحفاظ على مصالحها الحيوية، وهي بذلك لا تريد اعادة اخطائها السابقة في العراق، خصوصا بالنسبة لتجربتها مع تنظيم القاعدة (بعد ان نجحت بكسر شوكته في العراق)، الذي استبدل لاحقا بتنظيم داعش الذي كان يقوي نفوذه بخطوات متسارعة جاءت بعواقب وخيمة، فيما بعد، على مصالح الولايات المتحدة في منطقة الشرق الاوسط.
اضف تعليق