q

هي معركة سياسية وإعلامية بامتياز قبل ان تكون معركة عسكرية.. والراية المتوجهة اليها هي راية عراقية بلحاظ الاصطفاف والتحشّد تحتها، وهي طائفية يراها العدو المقابل لان أكثرية المصطفين تحت راية الوطن هم من الشيعة، جيش وحشد وشرطة اتحادية، والأكثرية العسكرية مغموزة من شيعيتها بحكم الكثرة العددية في تلك التصنيفات العسكرية، وليس بحكم توجهات طائفية محضة مقابل السنة اخوة الوطن.

وهي راية طائفية في نظر العدو المقابل، حين ترتفع بدلا من راية من صادر توجهات الطائفة الأخرى في الفلوجة وغيرها.. رغم ان الرايتين يحتويان على رمزية إسلامية، هنا (الله اكبر) وهناك (لا اله الا الله محمد رسول الله).. لكن التنازع بين الرايتين هو تحت أي راية يكون الوطن بامتداده الجغرافي المعروف؟.

في هذا الحد يشتغل الاعلام، عراقيا وعربيا، فهو يميل الى اليمين او الى اليسار، ولا شيء في الوسط في هذه اللحظة، لحظة مواجهة الحقيقة.. كل حرب هي ترحيل لمشاكل السياسة الى اقصى حدودها، حدود الخراب والدم.. ولا يعود نافعا عند انطلاق الحرائق من هو المسؤول عن ذلك، انه سؤال برسم الانتظار حتى تهدأ أصوات المدافع والبنادق.

الفضاء الاعلامي عراقيا وعربيا، ولا يقتصر على (التواصل التلفازي) بل هو أيضا مواقع التواصل الاجتماعي بنافذتيه الأشهر (تويتر وفيس بوك)، فصيل عسكري يرافق المقاتلين وبنادقهم.. وهو في انشغاله برصد ما يدور، لا يفارق الحد الذي اشتغلت عليه السياسة عراقيا وعربيا طيلة تلك السنوات الماضية، انه أيضا في لحظة مواجهة الحقيقة.

لكن المفارقة ان الحقيقة مجزوءة أيضا تحت غبار ودخان المعارك الى حقيقتين وربما الى أكثر من ذلك تبعا لتشظيها وانفجاراتها.

خلال يومين كنت اتابع ما ينشر على الفيس بوك العراقي، وما ينشر على المواقع الالكترونية لأشهر فضائيتين في هذه المعمورة الشرق الأوسطية الناضحة بالكراهية والاحقاد الدفينة، واقصد بهما العربية السعودية والجزيرة القطرية.

والكراهية لم تعد شأنا عابرا في النفوس، انها عاطفة مقيمة، مستديمة، لا يقابلها الحب في سلم العواطف الإنسانية، فهي لا تتغذى الا من نفسها، وتحيل كل شيء اخر الى خراب لا يزول..

الاعلام فصيل في المعركة، يقاتل مثلما تقاتل بقية الفصائل، لكنه وهو يتخطى حواجز الزمان والمكان، يكون امضى واقسى في أسلحته التي يشهرها.

حد بين الحق والباطل، امام اسوار الكراهيات المنفلتة، لم يعد ابن لحظته، لحظة اشتباك الأسلحة او الحروف، اللحظة والان، انه ابعد من ذلك بكثير.. افهم ردات الفعل المتشفية والحاقدة على الفلوجة التي تنتشر على صفحات الفيس بوك العراقي، لكني لا اريد لأبنائي ان يدفعوا ثمنا لها في مستقبل قادم، حتى الان لازال حاضره يرضع من تلك الكراهيات.. وأتمنى ان تبقى ردات فعل على الحدث، مجرد الحدث نفسه، ولا تؤسس لجديد وطارئ في حياتنا، نحن الذين نعيش حالات الطوارئ منذ عقود طويلة.

افهم ردات الفعل تلك، واعذر المنفعلين، فصورة الشهداء من أبناء الوطن معلقين على أعمدة الكهرباء، وصيحات الله اكبر تحتها في شوارع الفلوجة، تستفز كل حس سليم، لكني اخشى من الثأر من الجميع، والثأر لا يبني اوطانا ولا يعمر بلدانا..

بالمقابل افرح لأصوات أخرى تحاول القفز فوق تلك الاسوار، وترفض ان تكون أسيرة لما رسمته السياسة وما رسمه الاعلام طيلة سنوات ماضية.

الطريق الى الفلوجة على اعتبار ما صنعته السياسة وما صنعه الاعلام قبل سنوات من ذلك، هي الطريق الى عراق جديد، تغسل فيه الفلوجة وجهها، كما انتشر هاشتاغ بهذه الكلمات، حين تنتصر كما في هاشتاغ اخر، على نفسها وعلى جميع كراهياتها للاخرين.

لا اريد ان أكون متشائما كصديقي الدكتور علي السعدي وهو يكتب تحت عنوان (عقول الأمة -- فيما يليها) حين قارن بين حسابين على تويتر لشخصيتين يعيشان على جانبي الحدين، فصفحة الشيخ محمد العريفي (صاحب فتوى جهاد النكاح ) يتابعها (واحد وعشرون مليونا - اثنان وعشرون إلا قليلاً ) من المعجبين بالصفحة، وعدد المتفاعلين مع الصفحة بلغ (666745 ) وهي لا تحوي سوى مجموعات من الهراء.

اما صفحة أدونيس – الشاعر والمفكر والفيلسوف، صاحب كتاب الثابت والمتحول – عن الإبداع والإتباع عند العرب، فقد بلغ عدد المعجبين بها (6765 ) وعدد المتفاعلين مع الصفحة (16 ) شخصا فقط لاغير.. ويأتي من يسأل عن حال هذه الأمة؟، ولماذا هي في أسفل السلّم البشري وتسير بشكل حثيث نحو الاندثار؟.

اضف تعليق