يرى محللون ان المواجهة قادمة بين اسرائيل وحزب الله، ولكن يختلفون في طبيعة هذه المواجهة والرد المتوقع بين الطرفين، سيما وان الحالة العامة بعد مقتل ستة من قيادات حزب الله، بينهم جهاد مغنية، نجل القائد العسكري السابق للحزب، عماد مغنية (وهو امر له رمزية عالية داخل الحزب)، يحكمها النفير العام، من طرف مقاتلي حزب الله، اضافة الى اسرائيل التي كثفت طلعاتها الجوية، بعد تنفيذ العملية، فوق مزارع شبعا ومرتفعات الجولان، فيما شهدت تحركات الجيش الاسرائيلي تحركات فوق العادة.
تصعيد المواقف
تصعيد المواقف بين اسرائيل وحزب الله (الذي تعتبره اسرائيل الخطر الاول على امنها القومي)، لم تكن الاولى من نوعها، ولن تكون الاخيرة، ففي كل مواجهة كبيرة بينهما كان يسبقها عمليات من هذا النوع، كما حدث في مواجهة عام 2006، وقد سبق لحزب الله ان نفذ عملية (بعبوة ناسفة) استهدف دورية إسرائيلية في مزارع شبعا جنوب لبنان، وأدت إلى إصابة جنديين بجروح في شهر اكتوبر من العام الماضي، وتوعد اسرائيل في وقتها بالرد، قبل ان يعلن حزب الله ان صفوف حزبه مخترقة من قبل الموساد الاسرائيلي، ومع ان الحزب قد القى القبض عليه، الا ان "محمد شوربة" يعتبر احد اهم القياديين داخل حزب الله، واعتبر مراقبون ان هذه المسالة تمثل "واحدا من أكبر الاختراقات الأمنية التي تعرض لها هذا الحزب الحريص على احاطة عمله بسرية وكتمان شديدين".
ولم يقف الامر عند هذا الحد، فقد نشرت وكالة (CNN) قبل اغتيال مغنية، معلومات حصرية قدمها "مؤيد غزلان"، عضو الأمانة العامة بالمجلس الوطني السوري المعارض، أكد فيها أن "الاستخبارات العسكرية للجيش الحر توفرت لديها معلومات تؤكد قيام حزب الله بتعيين جهاد مغنية، نجل قائد جناحه العسكري الراحل، عماد مغنية، مسؤولا عن ملف الجولان، مؤكدا أن الأدلة تشير إلى نية الحزب توسيع نشاط عملياته في المنطقة السورية الحدودية مع إسرائيل، محذرا من حدوث أزمة مع القوات الدولية"، وهو امر يبعث الكثير من القلق بالنسبة للحدود بين اسرائيل وسوريا ودخولها كطرف ثالث في النزاع المفترض بين حزب الله واسرائيل، خصوصا اذا اريد من هذا الامر فتح جبهات اضافية بينهما تكون فيه سوريا (مرتفعات الجولان) خط النار الاول في المواجهة المتوقعة، اما توقيت الرد (من جانب حزب الله) فهو دائما ما يكون "أمر مفتوح" و"قد يحصل في أي وقت".
تأثيرات يتقاسمها الجميع
في حال حدوث تصعيد على مستوى حرب شاملة كالتي وقعت في عام 2006، فان التأثيرات المتوقعة تشمل الجميع، خصوصا في منطقة تتعرض لكثير من التوترات الامنية والاقتصادية كمنطقة الشرق الاوسط، وتعرف اسرائيل كما يعرف حزب الله هذه الانعكاسات وارتداداتها على المنطقة والعالم، وهو ما اكدته القناة الرسمية الناطقة باسم الحزب بالقول "بأن جنون العدو الإسرائيلي من تطور قدرات حزب الله العسكرية قد يدفعه إلى مغامرة مكلفة تجعل أمن الشرق الأوسط برمته على المحك"، اذ ان "الحرب المفتوحة على كل الاحتمالات" لن تتوقف عند حدود اسرائيل ولبنان هذه المرة، بل يمكن ان تشمل سوريا الممزقة بين عدة جهات وجماعات، كما ان ايران والعراق والسعودية واليمن وفلسطين وغيرها، كلها دول ستتأثر بطريقة واخرى في هذه المواجهة بحسب الخيوط التي سيتم تحريكها في حالة تصعيد المواقف والذهاب الى الصراع بالنيابة وفتح جبهات اضافية، خصوصا اذا تمت المواجهة المرتقبة في داخل سوريا التي يحكمها اكثر من طرف دولي واقليمي.
كما ان انعكاسات الاستهداف الاسرائيلي لعناصر حزب الله تعطي انطباعا لدى ايران بان اليمين المتطرف في اسرائيل يحاول عرقلة انجاح المفاوضات الايرانية المتعلقة بالملف النووي، فبعد ان ادان وزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف" الهجوم اشار الى "وجود الكيان الصهيوني قائم على إثارة الأزمات والإرهاب"، واضاف إنه "يشعر بالقلق حيال استقرار وأمن المنطقة، والمفاوضات النووية تثير قلق هذا الكيان، وخير دليل على ذلك ما يقوم به بنيامين نتنياهو لإفشال هذه المفاوضات"، ربما يكون الامر صحيحا، لكن كيف سيتعامل المحافظون في ايران (وهم الداعمون لحزب الله اللبناني) مع هذا التصعيد؟ وهل يؤمن المتشددون في ايران بجدية المفاوضات او التقارب مع الولايات المتحدة الامريكية؟
في الطرف المقابل، وتحديدا في الولايات المتحدة الامريكية، هناك مراكز قوى كبيرة تدعم التوجه اليميني المتطرف لحكومة نتنياهو نحو التصعيد، وهم من يمارس الضغوط السياسية وتفعيل العقوبات الاقتصادية ضد ايران من اجل افشال المفاوضات الجارية، وقد وصفهم اوباما بمن يحاول "اطلاق النار"، وطالبهم بالكف عن هذا الامر.
ماذا بعد؟
صواريخ (فاتح-110) الايرانية، (التي وصلت الى حزب الله مؤخرا) بوقودها الصلب وقدرتها التفجيرية التي تزيد عن 500 كيلوغرام، اضافة الى مداها الذي يصل الى 350 كيلومتر، والتي يمكن أن تطال كل مناطق إسرائيل، كما صرح بذلك الامين العام للحزب، مقابل القبة الحديدية لإسرائيل والتي تعول عليها كثيرا في اضعاف القدرة الصاروخية لخصمها العنيد (كما فعلت مع حماس مع الفارق طبعا)، اضافة الى عمليات الاجتياح وفتح خطوط جديدة لمواجهة حزب الله، ربما بعد الاستعانة بحركات وفصائل مسلحة داخل سوريا قد توفر لها اسرائيل الدعم لمواجه حزب الله (كما فعلت سابقا في لبنان)، كلها امور لا ينقصها سوى اشعال الفتيل، لتسير الاحداث متسارعة داخل منطقة الشرق الاوسط المتخمة بالحروب والازمات، لكن ماذا بعد ذلك؟
الامر المعول عليه في ظل هذا التصعيد، ان يقتصر الامر على ان تكون هناك رسائل تحذيرية (ربما لا يرتقي الى مستوى المواجهة الحقيقية والشاملة) بين الطرفين، لمنع تجاوز الخطوط الحمراء التي قد يرسمها كل طرف لنفسه لمنع الاخر من عبور المناطق الخاصة به، لكن يبقى الامر، ايضا، مرهونا بمدى حرص المتشددين على رفع وتيرة المواجهة من عدمها بما يتماشى ومصالحهم الخاصة.
اضف تعليق