ببساطة أنني لم أُخلًق كما أنا الآن، لقد أتقنت الكثير من المهن عبر حياتي، وتدربت عليها، وبالتدريج تمكنت من إتقان أعمال كثيرة، ولكن من بين هذه المهن الكثيرة أحببت مهنة الكتابة، نعم هي مهنة متعبة، وان كان الانسان لا يبذل فيها جهدا عضليا بل فكريا بالدرجة الاولى، لم يكن اختياري للعمل الكتابي بسبب عجزي من الأعمال ذات الجهد العضلي، فقد عملت في المهن المتعبة عضليا وجربتها، لكنني وجدت نفسي أكثر انتاجا وتميزا في مهنة الكتابة، والسبب واضح، لقد أحببت الكتابة منذ بواكير حياتي.
حتى في المهنة التي احببتها، وأعني الكتابة، أصابني الاحباط كثيرا، وفي مرات تكررت قد لا استطيع أحصيها، لقد رفض لي مدراء تحرير وصفحات ثقافية كثيرا من النصوص لاسيما في بداية دخولي لعالم الكتابة والنشر، وفي كل مرة يُرفض لي نص، يصيبني احباط شديد، وأقول لنفسي انني كاتب فاشل، ولكن سرعان ما استعيد ثقتي بنفسي وأفكاري وأدوات عملي الكتاب، فأنتج نصاً يثير الإعجاب، ينشره المدير الذي رفض نصي السابق بسرعة غير معتادة، لكي يؤكد لي لأن هذا النص يستحق الاعجاب والنشر.
الصبر كان سلاحي، وتعلمت كيف أحول الفشل الى نجاح، واستطعت أن أنقل هذه (العادة) عادة الصبر وتحويل الفشل الى نجاح، لكثير من الناس الذين التقيتهم في حياتي، وتمكنت من زراعة الأمل في نفوس كتاب تركوا مهنة الكتابة، ثم عادوا لها، وبرعوا فيها، كان الصبر والتجريب والمحاولة والمطاولة سبيلا الى نجاحهم، هذا الطريق الفردي يصلح تطبيقه على مجتمع كامل.
المجتمع يجب أن يكون صبورا، يجب أن يجرب الكثير من السبل، وعليه أن يحوّل الفشل الى نجاح، فالمجتمعات تبني نفسها بالارادة، والصبر، والعلم، والعمل المنظّم، وتنبذ المجتمعات المتقدمة قيم التخلف، وقد وصلت هذه الدول الى مرحلة مهمة من التقدم، بعد أن صممّت وقررت طرد القيم المتخلفة من حياتها، فيما بقيت مجتمعات ودول اخرى تتخبط في الجهل والاحتراب والتراجع الى الوراء، بسبب اعتناقها للقيم المتخلفة، وتمسكها بها، وكأنها دستور لا يجوز تجاوزه، وهكذا ترعى الدول والمجتمعات المتخلفة كل العادات الرديئة، وتبتعد عن القيم الجيدة التي تساعدها في العبور الى حقول التقدم، والسبب دائما غياب الارادة، الفردية والجماعية، وغياب الوعي والتخطيط، وقلة الصبر وعدم التنفيذ الصحيح.
معضلة الكسل والخمول
الانسان هو ابن البيئة التي يعيش فيها، تؤثر فيه إيجابا وسلبا، نجاحا وفشلا، وغالبا ما يجد الانسان في المجتمع المتخلف، تبريرا يتيح له التهرّب من مسؤولياته، وهذا التبرير أو مجموعة التبريرات، تتمثل بمنظومة من القيم المتخلفة، يحتمي بها الفرد، حتى لا يتصدى لمسؤولياته في البناء والتطوير الذاتي والجمعي في وقت واحد، فهذا الانسان غالبا ما يكون مستعدّا لبيئة التخلف ومستأنسا بها، وربما يتطيّر من قيم التقدم وكل ما يمت لها بصلة، والسبب واضح تماما، أنه غير مستعد لبذل أي مجهود كي يتصدى لمسؤولياته لانه تتطلب نوعا من الالتزام والجهد والجدية على الصعيدين الفكري والعملي. لكن الانسان في المجتمع المتخلف يفتقر للارادة، ولا يجد نفسه في العمل والانتاج والتطور، بل على العكس يجد نفسه في الخمول والكسل والتشتت في مساحة الفراغ الواسعة التي يتسكع فيها، إنه الضياع بعينه، والأسباب معروفة، ضعف الارادة، التردد، الخشية من الفشل، وعدم القدرة على التشبث بسبل النجاح.
هناك طريقة حياة تنتشر بين الجماعات المتأخرة، ونعني بها التلكؤ، والبحث عن الأعذار والحجج، للتخلص من أداء الأعباء المخصصة على الانسان، قد يمنعه الخوف من الفشل، لكنه لا يتحلى من الارادة القادرة على تحويل الفشل الى نجاح، كما هو الحال مع الشعوب ذات الارادة الجبارة، إن الانسان في الدول المتأخرة، يحمل معه أعذاره، للتهرب من اداء أي نوع من المسؤولية، فهو دائما يكرر كلمات مثل هذا أمر لا يعنيني! أو ماذا أفعل؟ هذه اي حدود قدراتي!، أو لا يوجد شيء بيدي، وهكذا نلاحظ تمسك الفرد وحتى الجماعة بهذه الثلاثية التي يستند اليها في تهربه من اداء ما عليه من واجب، ومثل هؤلاء الناس غالبا ما يشكو من فقدان الحقوق، متناسيا أن الحقوق لا تتحقق من دون الالتزام بأداء الواجبات، ولكن ليس هناك استعداد يكفي لهؤلاء الناس، والسبب دائما تمسكهم بالعادات المتخلفة التي تحد من تطلعاتهم نحو حاضر متطور، ومستقبل مضمون، أما عندما نبحث عن الاسباب التي تقود الانسان والمجتمع الى مثل هذه النتائج المؤسفة، فإن التردد واختلاق الأعذار والتهرب والخمول، هي الأسباب الأساسية لذلك.
بعض المختصين في علم الاجتماع، يؤكد أن البيئة الاجتماعية لها دور أساس في طبيعة السلوك الانساني، وربما تكون الأسرة هي السبب الأول في زرع هذه الظاهرة بشخصية الكائن الذي يعيش فيها، قد تكون شخصية الأب تنطوي على حالة من التردد والخمول والكسل، والتهرب من المحاولة والتجريب والتشبث بالنجاح، إذاً فالاسباب التي تكمن وراء هذا السلوك المتردد، هو منظومة التربية التي يعيشها المجتمعي المتأخر، فالطفل يفتح عينه و حواسه على محيط عائلي هو نفسه متأخر، ومتمسك بقيم بالية.
تأثير البيئة في أفرادها
لهذا تُبنى شخصية الطفل بزرع العادات المتخلفة في نفسه، وتساعد على نموها معه، وعندما يعي الاشياء ويكبر، سوف يجد نفسه مكبلا بمنظومة من القيم والتقاليد والعادات، التي تحد من قدراته وتطلعاته، وتمنعه من الارتقاء الى مصاف الوعي الجاد واكتشاف الجديد دائما، والاستعداد للتغيير والتجديد الدائم، كما هو الحال في المجتمعات المتطورة التي تساعد افرادها في مجال التجديد والاكتشاف، وتدفع بهم نحو التجريب وعدم الخشية من خوض غمار التجربة مرة واثنتين وثلاثا وحتى تحقيق النتيجة المطلوبة.
لذلك البيئة لها تأثير مباشر في افرادها، وينبغي الحرص بجدية من هذا التأثير، فالطفل عندما ينتقل الى محيط أوسع من العائلة، أي الى المحيط المدرسي، سوف يعايش بيئة التخلف نفسها، فالاطفال الذين يتواجد معهم يحملون نفس ما يجمله الطفل من قيم متراجعة، وكذلك بالنسبة للكادر التدريسي، كونهم نتاج المجتمع نفسه، فيبدأ الطفل رحلة جديدة مع القيم والعادات المتخلفة، فتنمو معه حالة التهرّب من المسؤولية، وضعف الارادة والخمول والعجز، الامر الذي يشل من قدراته ويحد من خياله وطموحاته، ليكتفي بما هو عليه من اوضاع مزرية، ينقلها معه الى العائلة والى اقرانه، أي انه يصبح وسيطا جيدا لنقل الفشل الى العائلة او الأقران.
وهكذا قد تنتشر عادات تمت بصلة قوية للتأخر، فيصبح الشعب كله متهرّبا من المسؤولية التي تقع على عاتقه، لذا نجد الجميع يرددون، هذا لا يعنيني، وماذا أفعل هذه حدود إمكانيتي، وغيرها من تبريرات، يرددها الجميع، ويتمسك بها الجميع، والنتيجة فشل مجتمعي شامل، يدل على غياب الارادة في التغيير، إذ أن الجهات الرسمية نفسها عاجزة عن تغيير المجتمع كونها لا تتحلى بالارادة المطلوبة ايضا، وفي حالة كهذه، لا سبيل للدولة والمجتمع والافراد نحو التقدم، إلا اذا توافرت الظروف والارادة، لينبذ الجميع العادات التي تكبل انطلاقهم نحو التحرر من القيود المتخلفة، كي يصبح الفرد ذا شخصية منتجة ومبدعة وطامحة الى الافضل دائما، على أن يبقى هاجس تحويل الفشل الى نجاح هو الدافع الاول الذي تتحلى به ارادة الانسان وهو يكرر التجربة والمحاولة مرة اولى وثانية وثالثة، ولا يتوقف عن التجريب حتى تحقيق النجاح.
اضف تعليق