هكذا كان يبلغني من بعض الأصدقاء الذين يعيشون في بعض دول أوربا، ويصفون السؤال بالمحزن خاصة بعد عديد العمليات الإرهابية التي ضربت السويد وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإسبانيا. حن يسألونك، من أي بلد أنت، وبأي دين تعتقد؟ حين تجيب، إنك مسلم لايكون الجواب كافيا بالنسبة لهم، فهم يريدون معرفة المزيد، شيعي أنت أم سني؟ وتبعا لنوع الإجابة يقررون فإما أن يبتعدوا عنك، أو يرحبون.
لايحسن البعض أن يكون سفيرا لديانته ولبلده، فالعديد من العرب يتعصبون ومثلهم مسلمون من قارات أخرى، ولايفكرون في البلد الذي يعيشون فيه، وربما ناصبوه العداء وقرروا إرتكاب جرائم قتل وتخريب فيه، كما حصل مع العديد من الشبان المسلمين والدعاة الذين يملئون مساجد أوربا ضجيجا، ويحرضون الشبان على العنف، ويسمون فرنسا، أو بريطانيا بدار كفر، بينما يأكلون من خيراتها ويشربون ويضاجعون نساءهم هناك، ويستمتعون بالرفاهية التي تقدمها لهم حكومات تلك البلدان، وهم يعلمون يقينا لو أنهم كانوا يفعلون ذلك في بلد عربي لسحلوا، وديسوا بالأحذية، وأودعوا السجون وعذبوا، وقد يعدمون بلارحمة ولاتردد.
ليس من مصلحة المسلمين أن يمثلهم شبان، أو دعاة لايفقهون من الإسلام سوى لغة للموت والتعصب الأعمى، ورفض الآخر وإقصائه، وحتى الذين يعيشون في أوربا وأمريكا ويبعثون برسائل خاطئة عن الإسلام وتعاليمه وطريقته في إدارة الحياة فهؤلاء يتحولون الى معلمين سيئين يصنعون ملايين التلاميذ الناقمين على الإسلام ويحاولون رسم صور شوهاء له بوصفه دينا للإرهاب والقتل والتخويف والمماطلة، ولايعود نبي المسلمين سوى قائدا لعصابة شريرة تهدد حياة الناس ومستقبل البشرية، وهذا مايعمل عليه اليمين المتطرف في فرنسا والنمسا وغيرها من بلدان، وماتسعى إليه الدوائر الصهيونية المشجعة على تأكيد بعض المفاهيم الخاطئة، فالناس يتحدثون عن مسلمين يقتلون المسيحيين في المترو والسوق والجريدة، ويهاجمون أسواق اليهود ومعابدهم، بينما صار تجاهل محنة المسلمين وإستهدافهم هناك غير مثير لأي إهتمام للأسف والسبب في النهاية يعود لطريقة التسويق السيئة المتبعة من قبل الزعامات السياسية والدينية في بلداننا العربية والإسلامية، ولنوع مناهج الدرس، وأساليب التعليم العقيمة في المعاهد الدينية حتى صار المتدين في المجتمع المسلم نموذجا لقاتل محترف يتنقل من مكان لآخر بحثا عن ضحية.
الذين إنتقدوا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ودعوته لثورة دينية كانوا مخطئين حتما فهو يجد كغيره من القادة السياسيين والمثقفين والأكاديميين والدينيين المعتدلين إن فئة ضالة تأخذ بالمسلمين الى الهاوية السحيقة، ولابد من تغيير الخطاب والأسلوب، ونشر مفاهيم التسامح والإعتدال. هذا أمر يتطلب جهدا لاينقطع، ووقتا طويلا وقد لايتحقق المقصود، لكن لابد من إنقاذ مابقي من سمعة للمسلمين.
أحمر شفاه فرنسي
روج كلمة توحي بمستحضرات تجميل تشتهر بها فرنسا، إلتقطتها وأنا أتابع أخبار الجهادي الفرنسي من أصول جزائرية وهو يحرم شرطية باريسية من نعمة الحياة بقرار ظالم منه ويجرح آخر في ضاحية مون روج جنوب العاصمة باريس الخميس الماضي، بعد يوم من جريمة إرتكبها شريكان شقيقان جزائريان أيضا بالهجوم على مقر صحيفة شارلي أبدو وقتلا وجرحا العشرات من الصحفيين والعاملين في مقر الصحيفة الساخرة بحجة الإزدراء والتهكم بالرسول محمد عليه السلام في بعض الرسوم المسيئة دون أن يحصلوا على تخويل بالقتل من نبي الإنسانية الذي كان مشركو قريش يرمونه ببقايا فضلات الحيوانات قرب الكعبة، وكان يبكي ويتوسل الله أن لاينتقم منهم لأنه جاء بالهدى ودين الحق، لا بالموت والدمار والقتل والترهيب كما يمارسه المهووسون هذه الأيام، والملتذون بالقتل ورائحة الدماء.
لايمكن الإنتقام للأنبياء بالقتل فهذا يحولهم الى زعماء عصابات لا رسل محبة وسلام، هم بالتأكيد لايحبذون فعل الشر لنصرة الخير، وهناك سبل هداية مختلفة، فحين كان الأنبياء يتعرضون لبعض التجاوزات اللفظية وحتى الأفعال المسيئة كان يدعون لمرتكبيها بالمغفرة والهداية، ولايطلبون من الله أن يؤذيهم طويلا، الله أيضا لايريد الإنتقام من المسيئين على الدوام فمهمة السماء أن توفر الفرص، لا أن تسد الأبواب كما نفعل نحن البشر حين نضيق على بعضنا، ونتجاوز بكل أفعال الشر، ولانتيح للتسامح أن يعم في النفوس، فالرغبة بمكاسب دنيوية غالبا ماتحكمنا، وتسيرنا في الوجهة التي تريد.
يزيد عدد المساجد الإسلامية في فرنسا على الألفين، حيث تجري مراسيم وطقوس دينية بحرية متناهية، وتقام صلوات الجمعة فيها دون رقابة سوى الحماية الأمنية التي توفرها قوى الشرطة الفرنسية، ويعد الإسلام الدين الثاني بعد المسيحية من حيث عدد معتنقيه، لكن مشكلة التطرف أخذت تكبر وتتسع مع إرتفاع حدة التوتر الديني عبر العالم وظهور الحركات المتطرفة في الشرق الإسلامي والعربي ونتيجة ربما للحرب في سوريا والعراق وعدد من بلدان آسيا وأفريقيا، وكنتيجة طبيعية لنوع التواصل الإجتماعي والقدرات الألكترونية التي يمتلكها المتطرفون، فالشبان الفرنسيون المسلمون ولدوا وترعرعوا في فرنسا دون أن يتعرفوا طويلا على جذورهم العربية والإسلامية، وربما كانوا لايفقهون آية من القرآن، لكنهم متأثرون بنوع الدعاية سوى إن الشاب الكواشي أحد الشقيقين المتهمين بالجريمة تلك كان زار اليمن لمدة، وتدرب على القتل، وتعلم بعض أفكار التطرف.
المسلمون ضحية فعلية لتطرف أبنائهم، فمعظم سوريا واليمن وليبيا ومصر والجزائر وتونس ودول في الخليج والعراق وسواها من بلدان تعاني من الموت والخراب بسبب التطرف الذي لايواجه بحكمة، وتغفل عنه شعوب وحكومات، ومنها من يدعم ويساند للأسف.
اضف تعليق