لاشك ان الازمات الاقتصادية لها تداعيات خطيرة على النشاط الاقتصادي في جميع البلدان، ولكن في العراق تصبح تلك التداعيات اكثر حدة وخطورة بسبب الحرب الشرسة التي يخوضها البلد ضد اخطر عصابة ارهابية، فالاقتصاد العراقي يتوقع ان يدخل في مرحلة ركود عميق خلال عام 2016 خصوصا في ظل الانخفاض الحاد في اسعار النفط والتقلبات المستمرة في تلك الاسعار، مع الاخذ بنظر الاعتبار بان الايرادات النفطية تشكل اكثر من (95%) من اجمالي ايرادات الموازنة الاتحادية، علاوة على فشل الحكومة في تنفيذ سياسات اقتصادية- بل انها لم تقدم لغاية الان سياسات اقتصادية فاعلة- لتنويع مصادر ايرادات الموازنة، فالعراق يواجه تحديات كبيرة اهمها الركود الاقتصادي والتمويل مما سبب ازمة اقتصادية مفتوحة وتداعيات اقتصادية وسياسية خطيرة، وبذلك اصبح من الضروري البحث عن حلول ومعالجات نابعة من قرارات وطنية لإيقاف هذا الركود الاقتصادي.
الاسباب الرئيسة للازمة الاقتصادية
يجمع اغلب المعنين بالشؤون الاقتصادية الى ان الازمة الاقتصادية والمالية التي يمر بها العراق تعود الى ثلاث اسباب رئيسة:
• الهبوط الحاد والمستمر لأسعار النفط في الاسواق العالمية
ان أصل الازمة الاقتصادية والمالية التي يعاني منها العراق حاليا وجذورها الرئيسة هي الانخفاض المستمر لأسعار النفط منذ منتصف عام 2014 ولحد الان، وتشير التوقعات الى استمرار التدهور في اسعار النفط لعدة سنوات بسبب تخمة المعروض في الاسواق العالمية، وتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي وعلى وجه الخصوص الاقتصاد الصيني من جهة، والزيادة المستمرة في انتاج النفط الخام من داخل وخارج منظمة الاوبك، وظهور منافس جديد للنفط التقليدي وهو النفط الصخري.
ولن تتعافى اسعار النفط حسب تلك التوقعات قبل نهاية العقد الثاني على أفضل تقدير لتصل الى 80 دولار للبرميل عام 2020، ونتيجة للانخفاض في اسعار النفط الخام، يواجه العراق ازمة مالية كبيرة وعجز في الموازنة العامة ومديونية متعاظمة، ونشاط اقتصادي متدهور. ووفقا لاحد تقارير صندوق النقد الدولي والصادر عام 2015، فان الانخفاض في معدل نمو الاقتصاد العراقي كان (1.2-)، وقاد الى عجز مالي يقدر بـ (18.4%) من الناتج المحلي الاجمالي في العام ذاته.
• الحرب الشرسة مع عصابات داعش الارهابية
بحسب مصادر في اللجنة المالية البرلمانية، فان تكلفة الحرب على عصابات داعش الارهابية تكلف 10 مليون دولار يوميا، بما يعادل 3650 مليون دولار سنويا، ويعتقد ان الكلفة الحقيقية للحرب اعلى من تلك التقديرات بكثير. هنالك ترابط وثيق بين الوضع الامني والنمو الاقتصادي، وعليه فان التصعيد العسكري ضد عصابات داعش ولد انكماشا حادا في الاقتصاد العراقي بسبب نفقات الحرب العالية وتوقف النشاطات الاقتصادية في المحافظات التي تشهد عمليات عسكرية، ومشكلة تمويل وايواء النازحين، اذ يقدر عددهم 2.3 مليون عراقي، وتمثل الكلفة الاقتصادية المترتبة على وجود عصابات داعش التكفيرية اكبر قيد على الاقتصاد العراقي ومستقبله كون البلد يواجه معادلة صعبة تتمثل بمتطلبات انفاقية كبيرة، وخاصة الامنية مقابل شحة في التمويل، فضلا عن توقف عملية انتاج النفط في المناطق الشمالية بسبب سيطرة عصابات داعش الارهابية على اكثر من 13 حقل نفطي وانفراد الاقليم بتصدير نفط الشمال بشكل مستقل عن حكومة بغداد. مما انعكس سلبا على مستويات الانتاج والتصدير.
• الفساد الاداري والمالي
تعاني معظم مؤسسات ودوائر الحكومة المركزية والحكومات المحلية من تفشي ظاهرة المحسوبية والفساد المالي والاداري، وتشير التقارير الرسمية بتحكم مافيات (حيتان كبيرة) تشغل مستويات رفيعة في الدولة بالعقود والمشاريع الحكومية، والاخطر تحول مظاهر الفساد المالي والاداري الى ثقافة شائعة في البلد، تمارس من ادنى مستوى هرمي في دوائر الدولة الى اعلاها، مما يشكل تهديد خطير ويعيق الاقتصاد العراقي عن التنمية ويزيد من صعوبة عملية الاصلاح فضلا على ما تمثله هذه سلوكيات من تناقض مع مبادئ الدين واخلاق المهنة والاعراف والتقاليد المجتمعية.
المعالجات
قد يتصور البعض ويروج لفكرة عدم القدرة على ايجاد بدائل وسياسات ناجعة في ظل المشهد الاقتصادي المعقد والفساد المالي والاداري المستشري. وحتى في حالة نجاح تلك البدائل فان هناك من يعمل على وضع معرقلات امام تلك الحلول الناجحة لتضاربها مع مصالحه الشخصية. بيد ان تصدي كل عراقي لما يقع على عاتقه من مسؤولية ومهمة على أكمل وجه وشعوره بانه ساهم في انقاذ بلده من هذا الموقف المتأزم، قد يفضي في النهاية الى تحقيق تقدم ملموس على مستوى التنمية والاصلاح الاقتصادي.
ويمكن ابراز عدد من المقترحات التي قد تسهم في معالجة الازمة الاقتصادية الراهنة:
1. صياغة خطة اقتصادية ذات بعد استراتيجي وبرنامج اقتصادي شامل على وفق المؤشرات الاقتصادية العالمية، ويتولى القيام بتلك المهمة اشخاص متخصصين في الاقتصاد ولهم باع طويل في الشؤون الاقتصادية، وتنفيذ تلك الخطة والبرامج ومتابعتها ومحاسبة المقصرين في حالة فشل تلك البرامج، على ان تعمل تلك البرامج الاقتصادية بمعزل عن السياسة وبدون ادنى تدخل سياسي في الشؤون الاقتصادية.
2. تفعيل القطاعات الاقتصادية غير النفطية (الصناعة، والزراعة، والسياحة)، شرط ان يتم وضع برامج فاعلة لهذه القطاعات، على سبيل المثال تطوير القطاع الصناعي يحتاج الى برامج الجودة والحصول على شهادة (ISO) التي تمثل جواز سفر عالمي الى الاسواق العالمية، ودعم وتشجيع الصناعة المحلية عن طريق منع الاستيراد او تقييده، او استيراد المنتجات غير المتوفرة محليا. اما بالنسبة للقطاع الزراعي فان ذلك يتطلب دعم الفلاحين والمزارعين واطلاق مبادرة القروض الزراعية على ان تقوم لجان خاصة بمتابعة تلك القروض، وذلك لان التجارب السابقة تشير الى تحول تلك القروض الى قروض استهلاكية، بينما يحتاج قطاع السياحة الى توفير بنى تحتية ونظام اتصالات متطور.
3. يتطلب القضاء على الفساد الاداري والمالي وضع برامج رقابية صارمة تتولاها مؤسسات رقابية محلية (ديوان الرقابة المالية، وهيئة النزاهة) ودولية، وينبغي ايضا تحديد شروط صارمة في تشكيل لجان المشتريات لضمان نزاهة واستقامة تلك اللجان.
4. تفعيل دور القطاع الخاص وتنمية روح المبادرة لاستيعاب الاعداد المتزايدة من الخريجين والعاطلين عن العمل، ويفضل انشاء مناطق صناعية او حاضنات اعمال لتلك المبادرات وبرعاية حكومية وبنسب مشاركة بالأرباح مناسبة.
5. وضع اليات واجراءات صارمة على الاموال المتحصلة في الموانئ والمنافذ الحدودية، على ان يجري ايداع تلك الاموال في خزينة الدولة حصرا، ولا تذهب الى خزينة الوزارة المعنية لضمان المحافظة على تلك الاموال.
6. اعادة النظر في النظام الضريبي في العراق والاستفادة من الايرادات الضريبية المتنوعة في دعم ايرادات الدولة.
7. تحويل المؤسسات العامة المتوقفة والخاسرة الى مؤسسات قطاع مختلط من خلال اتاحة الفرصة للقطاع الخاص للمشاركة في تلك المؤسسات، بدلا من خيار الخصخصة حاليا.
اضف تعليق