يفاجئك الدكتاتور والمستبد دائما بأفعاله واقواله وحتى ما يفكر فيه، وهي أي "المفاجأة" جزء من تركيبته النفسية المعقدة، ولا يكتفي بان يسحب جميع الأضواء اليه، بل انه يريد ان يكون مركز الحدث وبؤرته، تدور حوله جميع التفاصيل والاشياء والأشخاص..هو لا يبحث عن نجومية في ليل شعبه المظلم والطويل، فهو اكبر من كل النجوم، انه الكوكب غير المتناهي الكبر، وهو الثقب الأسود الذي يبتلع كل ما حوله، وما حوله حبات خردل لا وزن لها ولا قيمة.
أشد ما يكرهه الدكتاتور والمستبد هو توجيه النقد لأقواله او تصرفاته، وكل قول في مجال النصح او الانتقاد لفعله هو نوع من التآمر ضده وضد وجوده الضروري لشعبه وامته، وهو يمكن ان يختصر ذلك الشعب وتلك الامة بشخصه، ويكون كل نقد بالضرورة موجه ضد هذا الشعب وتلك الامة، الم يتردد في العراق صدى تلك المقولة الشهيرة (اذا قال صدام قال العراق)؟، يكره المستبد التعبير وفنونه، الا ما كان مسبحا بحمده واجتراح الصفات خارج المألوف له، وما كان يعطيه زخما للتميز على اقرانه من مستبدين.
يبغض المستبد الكلام الذي لا تستقيم مخارجه مع قواعد اللغة التي يضعها لرعاياه، ويبصم في قراراته على الصمت المطبق للشعب الذي يحكمه، لهذا ترى هذا الشعب حين يتحرر من قبضته لا يعود قادرا على الكلام الموزون فترات طويلة، لان التعود على حالة جديدة صعب جدا.. اللغة ناقلة للأفكار، والمستبد يخاف من تلك اللغة التي لم يدرجها في جدول اعماله اليومية، حتى لو كانت لغة غير لغته، وابجدية غير ابجديته، طالما هو المقصود في اسماءها وافعالها وتوصيفاتها..
لا احد بعيد من سطوة السلطان وقراراته، فهو يكافئ المادح ويعاقب الذام له، وفي الحالتين يريد ان يشعر الجميع بانه قريب منهم اكثر مما يتصورون.. مناسبة هذا الكلام هو الجدل الدائر في المانيا وتركيا حول محاكمة صحفي الماني هجا السلطان اردوغان في احدى برامجه عبر اغنية ساخرة.. والسلطان لقب اطلقه على اردوغان معارضوه، وتأكد من خلال احد ابرز مشايعيه ومؤيديه، سلطان اخر من سلاطين الوعظ والإرشاد الاخواني، والذي كان له يد طولى في الحرائق الطائفية التي تمر بها بلداننا خلال السنوات الأخيرة واعني به يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بـ"السلطان" في كلمة له خلال حفل افتتاح مهرجان "شكراً تركيا" في إسطنبول ، من خلال قوله إن "الأتراك قاموا بدورهم بالدفاع عن الإسلام، ولا يسعنا إلا بتقديم الشكر لتركيا القديمة، والوسيطة، والحديثة، ومن الذي يستطيع أن يقاوم السلطان رجب طيب أردوغان، الذي أصبح يدافع عن الأمة باسم الإسلام والقرآن والسنة والشريعة، وهو الذي يتحدى بالوقوف أمام الوجوه الطاغية، ليقول لهم لا".
والسلطان اردوغان المدافع عن الامة، لم يتحمل مقتطفات من مقالة نشرتها صحافية هولندية عبر تغريدات في موقع تويتر.
وفي هذا المقال، تحدثت من اجل دعم اتهاماتها لأردوغان، عن رسالة الكترونية وجهتها القنصلية التركية في روتردام، بغرب هولندا، الى الاتراك المقيمين في منطقة روتردام تطلب منهم ابلاغها بالشتائم التي ترد على شبكات التواصل الاجتماعي ضد الرئيس التركي.
اما في المانيا، فلا تزال الحكومة الائتلافية برئاسة المستشارة انجيلا ميركل منقسمة بسبب الخلاف على قضية الكوميدي التلفزيوني الساخر يان بومرمان، الذي القى قصيدة على شاشة التلفزيون يهجو فيها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان.
وكانت ميركل قررت السماح بمقاضاة بومرمان بسبب القصيدة، واعلنت ان القانون الصادر في القرن التاسع عشر سيُلغى في عام 2018، لكن بومرمان يمكن ان يُحاكم بموجبه في هذه الاثناء.
الكثير من المعلقين، وحوالي ثلثي الشعب الالماني أبدوا معارضتهم لقرار ميركل السماح بمقاضاة بومرمان على قصيدته الهجائية، فيما يرى كثيرون ان قرار ميركل كان محاولة لتهدئة اردوغان والحفاظ على اتفاقية الاتحاد الاوروبي مع تركيا بشأن اللاجئين.
في خضم هذا الجدل المتصاعد أعلنت مجلة سبكتيتر البريطانية المحافظة عن مسابقة دعت فيها القراء إلى المشاركة فيها بأشد القصائد تجريحا وفظافظة عن إردوغان.
وقال منظم المسابقة في مجلة سبكتيتر المحرر دوغلاس موراي "نحن لا نعيش تحت قوانين مكافحة التجديف لمثل هؤلاء الحكام المستبدين، واحتفاء بهذه الحقيقة أمضيتُ عطلة نهاية الاسبوع في كتابة قصيدة تسخر من إردوغان وأدعو جميع القراء إلى مشاركتي في هذه المسابقة الكبيرة لأبشع قصيدة تهجو إردوغان".
ودعت المجلة جميع المشاركين في المسابقة إلى أنّ تكون قصائدهم "نابية ومهينة قدر الامكان" عن الرئيس التركي وإرسالها تحت عنوان "مسابقة هجو الرئيس إردوغان".
ماذا سيفعل السلطان اردوغان مع تلك المسابقة، هل سيطالب ايضا بمقاضاة تلك الصحيفة؟ وماذا اذا توسعت المعارضة له في دول اوربية اخرى، هل سيطالب بمحاكمة جميع المنتقدين له على طول الكرة الارضية وعرضها؟ السلطان يشعر بالهزيمة.
اضف تعليق