ما حدث في فرنسا من استهداف ارهابي منظم، اودى بحياة العشرات بين قتلى وجرحى، شكل صدمة غير متوقعة بالنسبة للرأي العام الاوربي والعالمي، واثار جملة من التساؤلات حول منفذي هجوم صحيفة " شارلي ايبدو" (الاخوين شريف وسعيد كواشي)، وهجوم "متجر الاطعمة اليهودية" (اميدي كوليبالي)، وكيف تم تنسيق هجومهم الذي استمر على مدى ثلاث ايام في العاصمة الفرنسية باريس، على الرغم من اختلاف ولاء المهاجمين بين تنظيم القاعدة فرع اليمن وتنظيم (الدولة الاسلامية/ داعش)، خصوصا ان ما صرح به المتطرفون (الاشقاء كواشي) قبل مقتلهم الى وسائل اعلام فرنسية، بأنهم قد تلقوا تدريبات على حمل السلاح في اليمن عام 2011 على يد الامريكي اليمني الاصل "العولقي"، القيادي المعروف في تنظيم القاعدة، والذي قتلة الامريكان بطائرة من دون طيار في وقت لاحق من نفس العام، فيما بايع منفذ الهجوم الاخر على المتجر اليهودي "كوليبالي" زعيم داعش، ابو بكر البغدادي، بصورة علنية من خلال تسجيل فديو تم بثه في وقت لاحق على موقع "يوتيوب"، وتشير التقارير الاستخبارية التي ما زالت تتبع زوجة "كوليبالي" (حياة بومدين) الى انها، على ما يبدو، استطاعت الفرار الى سوريا، بعد ان هربت من فرنسا قبل تنفيذ الهجوم، مرورا بتركيا، وهو امر اكدته تركيا وابلغت به فرنسا، ويعتقد ان اتصالات مكثفة جرت بين "بومدين" و" الزانة حميد"، زوجة "شريف كواشي"، التي القت السلطات الفرنسية القبض عليها بعد الاعتداء، وانهما من نسقتا الهجوم بين الاطراف على الرغم من اختلاف ولائهما الجهادي.
التساؤل الاول: كيف اتفق التنظيمان في اوربا واختلفا في الشرق الاوسط؟
على الفرضية التي اشارت الى ان المهاجمين يتبعون تنظيمين مختلفين، بل ومتصارعين في الشرق الاوسط، بعد ان فرقتهما احداث سوريا وهما (القاعدة وداعش)، فما هي دلالات تنسيق الهجوم المشترك في باريس؟
طبعا يمكن الاشارة الى ان التنسيق المشترك بين التنظيمين، في حال صحة الاخبار والتقارير الواردة، يمكن ان يعني بداية لتعاون مستقبلي (على الاقل حول عدو مشترك في اوربا) قادم، ربما بصورة غير مباشرة، عن طريق تجنيد عناصر داعش من قبل تنظيم القاعدة (الاكثر مكراً)، ينتزع فيه الطرفين انتصارات خارج حدود الشرق الاوسط، اذ ان تنظيم القاعدة، الذي غاب عن المشهد الجهادي العالمي، بعد انتصارات داعش (المنافس الاقوى) الميدانية الاخيرة في سوريا والعراق، واغلب مناطق الصراع، يمكن ان يعود بعمليات نوعية، (كما حدث في باريس والذي شبه بهجمات 11 سبتمبر الامريكية)، له خبرة لا يستهان بها في التخطيط والتنفيذ لها، كما ان تنظيم داعش الذي توعد الاوربيين شرا، سوف يفي بوعوده من خلال ضربات تستهدف العواصم الاوربية بجهاديين ينتمون له.
التساؤل الثاني: اين اختفت الاجهزة الامنية والاستخبارات الفرنسية؟
وهو امر محير للغاية، فتخفيف الحراسة عن الصحيفة المستهدفة تم قبل فترة قصيرة من تنفيذ الهجوم، كما ان التحذير بهجوم وشيك على فرنسا قد تم الابلاغ به من قبل المخابرات الجزائرية الى الاجهزة الامنية الفرنسية، وياتي كل هذا وسط اقرار رئيس الوزراء الفرنسي (مانويل فالس) بوجود "ثغرات" في الاستخبارات مذكرا بان "مئات الاشخاص يغادرون الى سوريا والعراق" حيث "يتدربون على الارهاب"، سيما وان (الاخوين كواشي) كانا معروفين لدى اجهزة الاستخبارات الفرنسية وكان الشقيقان مدرجين "منذ سنوات" على القائمة الاميركية السوداء للارهاب، وكتبت صحيفة (ليبيراسيون) اليسارية ان القتلة الثلاث "هم ابناء فرنسا، اعتنقوا التطرف هنا" فيما رات صحيفة (لو فيغارو) الى ان "هذه النهاية لا تمثل، خاتمة الحرب التي يشنها متطرفون على بلدنا".
التساؤل الثالث: لماذا لم تتفاعل الولايات المتحدة الامريكية مع الحدث؟
في اضخم مسيرة فرنسية منذ عام 1944، وحضرها 50 زعيم من مختلف دول العالم، لتائبين ضحايا الارهاب في فرنسا، كان الغياب الامريكي ملفتا للنظر (حيث لم يمثل الولايات المتحدة سوى السفيرة الامريكية لدى فرنسا جين هارتلي)، وكتبت مذيعة فوكس نيوز (جريتا فان سوسترن) تغريدة قالت فيها "هذا محرج حقا، أين الرئيس أوباما؟ لماذا لم يذهب؟"، فيما قال (نوت جينجريتش) الرئيس السابق لمجلس النواب الأمريكي الذي سعى للفوز بترشيح الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة لعام 2012 "من المحزن ان يظهر 50 من زعماء العالم تضامنا في باريس لكن الرئيس أوباما يرفض المشاركة، الجبن مستمر".
من جهة اخرى قال مسؤولون في وكالة الاستخبارات الامريكية، إن الاسمين (الاخوة كواشي) أدرجا ضمن قاعدة بيانات "تايد" السرية التي تضم 1.2 مليون شخص تعتبرهم الولايات المتحدة ارهابيين محتملين وقائمة أصغر يحظر السماح لأصحاب الأسماء الواردة فيها ركوب طائرات متجهة إلى أمريكا أو داخلها، وقال المسؤولون إن الشقيقين اعتبرا من الأهداف ذات الأولوية الكبيرة لعمليات الرصد والمراقبة بعد أن تورط شريف في جماعة تجند المقاتلين الفرنسيين لتنظيم تابع لتنظيم القاعدة في العراق وبعد أن سافر سعيد للتدريب مع تنظيم القاعدة في اليمن عام 2011، الا ان الوكالتين الاستخباريتين (الفرنسية والامريكية) لم تتبادلان قدرا كافي من المسؤولية في تبادل المعلومات التي بحوزتهما، وهو امر يبعث على الشك، لدى كثير من المراقبين، خصوصا اذا تم ربط هذه الاحداث بالصراع الخفي حول مراكز القوى في شمال افريقيا والشرق الاوسط.
التساؤل الرابع: هل هناك اطراف اخرى شاركت في التخطيط لاعتداء باريس؟ ولماذا؟
يرى بعض المتابعين والمحللين، ان التعقيد والغموض الذي احاط بخيوط الاعتداء الاخير في باريس، لا يمكن ان يقتصر تنفيذه على مجموعة من المتعاطفين مع التنظيمات الارهابية، وان الرسائل التي يخفيها الهجوم في طياته اكبر من ان توصف باعتداءات فردية او انتقامية، سيما وان الخلاف الاوربي- الاوربي، والخلاف الاوربي- الامريكي، حول العديد من القضايا والملفات في افريقيا واسيا والشرق الاوسط، قد تؤدي الى صراعات تتم بطرق مشابه لأحداث باريس، فالخلافات الغير معلنة قد تعني صراعات غير معلنة ايضا، تمارس فيه مراكز القوى المختلفة والوكالات الاستخبارية وجماعات الضغط دورا محوريا وخفيا، وربما تجدر الاشارة الى دور فرنسا الاخير في شمال افريقيا، وتدخلها في بؤر الصراع في ليبيا ومالي وغيرها، اضافة الى توافق فرنسا مع تركيا حول مناطق عازلة في سوريا، وغيرها من الادوار التي قد تقود الى صراعات جانبيه لا يصال رسائل محددة.
اضف تعليق