أعلن السيد مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري صاحب القاعدة الشعبية الأكثر تنظيما وولاءا لفكره العقائدي في الساحة العراقية خلال تظاهرات الجمعة الماضية في ساحة التحرير، إنه يمهل رئيس الوزراء السيد حيدر العبادي مهلة 45 يوما لينجز وعوده الإصلاحية وبخلاف ذلك فإنه سيعمل من خلال تياره السياسي في مجلس النواب على سحب الثقة عن الحكومة، وهدد بإجتياح المنطقة الخضراء المحصنة التي توجد فيها أكبر سفارة أمريكية في العالم، وبعثات دبلوماسية لمعظم الدول الغربية الفاعلة، وطلب الصدر من المتظاهرين أن يسمعوا صوتهم بقوة لمن في الخضراء وللعبادي تحديدا ليبادر بخطوات فاعلة للتغيير.

السيد الصدر كان وعد بحضور التظاهرات في 26 فبراير في ساحة التحرير المكان الذي يحمل رمزية عالية ويشكل حالة إلهام للعراقيين للتعبير عن الرفض والإحتجاج منذ العام 2011 أيام حكومة السيد نوري المالكي الذي كان على خلاف عميق مع التيار الصدري ومع السيد الصدر خاصة الذي ضغط لسحب الثقة عنه أيام الرئيس جلال طالباني، وكان إصطدم معه في ما سمي في حينه ( صولة الفرسان ) العام 2008 التي كانت القشة التي كسرت ظهر العلاقة بين المكونات الشيعية الفاعلة، وغيرت خارطة التحالفات الشيعية، وأعلنت موت التحالف الوطني الشيعي الذي بقي مجردا عن الفعل المؤثر، وصارت الرموز السياسية والدينية هي الحاكمة دون تنسيق حقيقي، بينما ظل الإحتقان بين تلك المكونات حاكما ومنتجا لمعظم القرارات التي تصدر عنها، وصار التحالف مع السنة والكرد في قضايا جزئية هو المعول عليه بعد أن إنحاز الشيعة الى سياسة الإقصاء الداخلي.

السيد مقتدى الصدر يمتلك قوة شعبية جارفة في وسط وجنوب العراق، ومن غير المنطقي تجاهل تلك القوة في العاصمة بغداد من خلال الحضور المكثف لمواطنين ينتمون للتيار الصدري في معقله بمدينة الصدر في جانب الرصافة، إضافة الى أحياء أخرى كبيرة في هذا الجانب، بينما ينشط أتباعه في جانب الكرخ من بغداد في مناطق الشعلة والبياع وحي العامل والكاظمية، وهناك محافظات كالنجف والديوانية والبصرة يمثل التيار الصدري فيها ثقلا لايجارى، وهو يتحدث من منطلق القوة الشعبية التي تملك الشارع، ومانتج عنها من قوة سياسية في البرلمان، وكذلك القوة العسكرية المتمثلة بجيش المهدي ومانتج عنها من فصائل سرايا السلام التي تواجه تنظيم داعش على أطراف سامراء.

هذه القوة يمكن أن تكون عامل تأثير مهم في التوازنات السياسية القادمة، خاصة وإن الشارع العراقي سيكون على موعد مع تظاهرات غير مسبوقة، وربما تغير المعادلة بالكامل، وتؤدي الى نهاية مؤلمة لرئيس الوزراء، وليس من الحكمة تجاهل إن واشنطن لاتبحث عن مؤيديها، أو حلفائها فقط وتساعدهم، بل هي تجاري الحراك العام، وحين تجد قوة حقيقية على الأرض فلايمكن أن تتجاهلها خاصة في مثل هذه الظروف التي تتزاحم فيها المصالح على الصعيد العربي والإقليمي والدولي، وليس من مصلحة واشنطن الدخول في مواجهات معلنة في العراق، مع عدم تجاهل حقيقة إن التيار الصدري ليس محسوبا على السياسة الإيرانية في المنطقة بعد سلسلة مواقف لم تتماهى مع تلك السياسة بدرت من السيد مقتدى الصدر ومن تياره، وهي مواقف عدها البعض نوعا من الإستقلال والوطنية العالية، ويرى قسم من الشيعة إنها تتماهى مع المشاريع الأخرى المضادة للشيعة.

لكننا لايمكن أن ننسى حقيقة ماثلة على الأرض وهي ضعف العبادي الذي سيشكل إستسلامه نهاية لحزب الدعوة خاصة وإن القوى الشيعية الأخرى كالتيار الصدري والمجلس الإسلامي الأعلى تعمل جاهدة على إنهاء تأثير هذا الحزب سياسيا بعد أن أخرجت المالكي القوي من معادلة الحكم المباشر، وهي تحاصر العبادي بسلسلة مطالب، وتحمله مسؤولية الفشل الذي تعانيه الدولة كما أنها تدرك ضعفه وعدم قدرته على مجاراتها وتلبية مطالبها التي لاتكفيها مهلة ال 45 يوما التي حددها السيد الصدر، وحتى لو أعطي العبادي مهلة 45 سنة فلن يفعل شيئا، لأن الأمر لم يعد بيده، خاصة وإنه فقد كل مقومات النهوض بالمهمة الصعبة.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق