السيد مقتدى الصدر الزعيم الروحي لأحد أكبر التيارات السياسية المعاصرة في العراق وأول من توجه الى ساحة المواجهة العسكرية ضد الأمريكيين العام 2003 قرر أن يقود التظاهرات الداعمة للإصلاح وسط العاصمة العراقية بغداد التي صدر منها ذات يوم الأمر بإغتيال والده المرجع الديني محمد الصدر الثاني على يد نظام صدام حسين.
الصدر إلتقى في الكاظمية المدينة المحببة لأخواله وعائلته برئيس الحكومة حيدر العبادي، وتحدث معه مطولا عن الإصلاحات والأفكار التي طرحها شخصيا لدعم خطوات التغيير الحكومي، وكان أعلن في بيان أن وزراء في الحكومة ينتمون للتيار الصدري يشملهم التغيير دون نقاش، أو إعتراض في حال قرر العبادي ذلك.
قرر الصدر المشاركة بنفسه في تظاهرات الجمعة 26 فبراير 2016 ما أدى الى زخم غير مسبوق خاصة وإن بغداد تضم عشرات الآلاف من مريديه، وكانوا هم عماد جيش المهدي الذي قاتل ضد الأمريكيين، ومن رحمه خرجت فصائل سياسية ومسلحة تدين كلها بالولاء لمرجعية الوالد الصدر، وهذه التظاهرات ستعطي زخما للأفكار التي طرحها زعيم التيار الصدري التي من شأنها أن تضيف أجواء حماسية قد تمثل تفويضا من الصدر للعبادي ليقوم بإجراءات فعلية بإتجاه التغيير وتحقيق منجز ما لم يتحقق طيلة الأشهر الماضية التي حصل فيها العبادي على دعم المرجعية العليا والشعب والبرلمان لكنه إصطدم برفض غير معلن من الكتل السياسية لإجراءاته خاصة في الفترة الأخيرة حيث تم كشف المعترضين الذين لم يقدموا تفويضا لرئيس الحكومة كما أراد ومن قاعة البرلمان المنقسم.
ما يؤهل التيار الصدري للقيام بدور داعم وربما مؤثر بشكل جذري هو طريقته المختلفة في الإدارة السياسية حيث لايتوافق كثيرا مع القوى الشيعية الأخرى سواء السياسية منها أو المسلحة، وكانت تصريحات عديدة للسيد الصدر توضح نوع الرؤية التي لاتنسجم بالضرورة مع رؤية اللاعبين الإقليميين وفي مقدمتهم الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تطرح إستراتيجية شاملة في المنطقة العربية والشرق الأوسط وليس العراق فحسب، وبرغم مواقف منددة بسياسات السعودية في البحرين وقرارها بإعدام الشيخ النمر إلا إن الصدر يفضل الإنكفاء على الداخل بدل المواجهة الخارجية، وهي ربما تكون أبرز علامات الخلاف بين الصدريين والقوى الشيعية الأخرى، وهذا مايجعله في دور من يستطيع مقاربة المواقف المتباينة ليحقق نوع من التوازن بين الإرادتين الشيعية والسنية.
يعتمد التيار الصدري على ثلاث ركائز أساسية في حراكه، الركيزة الأولى، هي شخصية الصدر التي تلهم المريدين في بغداد والمدن العراقية الأخرى، والركيزة الثانية، هي القوة المسلحة المتمثلة بـ(جيش المهدي، سرايا السلام) التي تكفلت بمواجهة داعش على أطراف سامراء، والركيزة الثالثة، الجناح السياسي الذي ينشط في الحكومة والبرلمان وفي مجالس المحافظات. وهذه الركائز ظلت مترابطة ومتماسكة من سنوات عديدة رغم التقلبات العديدة في الساحة العراقية والمواجهة العنيفة مع الأمريكيين، والمواجهة المسلحة في عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.
القوى الإقليمية والعربية تدرك تلك الأهمية، ولذلك تراقب الساحة العراقية والمواقف التي تصدر عن التيار الصدري وزعيمه دون إغفال الدور القوي الذي تحتفظ به القوى الشيعية الكبرى المنافسة، لكن علينا أن نراقب المشهد العراقي الذي يحتفظ على مايبدو بمزيد من عوامل الإثارة خلال العام الجاري حتى منتهاه.
اضف تعليق