منذ العام 2003 اصيب العراقيون بمتلازمة (قراطية) اولها الديمقراطية التي جاء بها عساكر العم سام، ثم (الامنوقراطية) بعد اشتداد العنف مع وجود صناديق الاقتراع، ثم (الدينو قراطية) بعد صعود جماعات الاسلام السياسي الى الحكم، واخيرا (التكنوقراطية) بعد وصول العملية السياسية الى طريق مسدود، بعد ان جرب ساسة العراق، حكومة الوحدة الوطنية والحكومة التوافقية وحكومة الشراكة الوطنية وغيرها من تسميات للحكومة، لم يعهدها خبراء القانون الدستوري قبل الحالة العراقية (سبقتنا لبنان الى ذلك)، ولابد في مقام الرصد (القراطي) من ذكر البيروقراطية، التي يألفها العراقيون منذ تشكيل دولتهم في العام 1921..
وهذه الاصطلاحات لا معنى لها في القانون الدستوري، اذ أن القاعدة في الديمقراطيات واضحة ومبسطة وهي أن الحزب المنتصر في الانتخابات يتحكم في عنوان الحكومة أو شكلها ولكنه محكوم بقاعدة أخرى وهي المسؤولية، مسؤولية اداء الوزراء الذين يختارهم في الكابينة الوزارية، ويحسب لهذا الحزب فضيلة اذا نجح في اختياره، وتحسب عليه رذيلة اذا اساء في ذلك، مع السماح للآخرين بالتصدي للمسؤولية واصلاح ما احدثه هذا الحزب، وهو هنا حزب الدعوة، على اعتبار ان اغلب الحكومات كانت من نصيبه.
لا شغل هذه الايام للعراقيين غير الحديث عن (التغيير الجوهري) الذي نادى به رئيس الوزراء حيدر العبادي، ومفاده انه لايمكن انقاذ العراق الا من خلال وزراء تكنوقراط يقودون الكابينة الوزارية المتعثرة منذ اول تشكيل حكومي.
والحكومة التكنوقراطية باعتبارها شكلا من أشكال الحكومة، تعني حرفيا حكومة التقنية ويقال حكومة الكفاءات وبناء على ذلك فإن الحكومة التكنوقراطية تتشكل من الطبقة العلمية الفنية المثقفة، وهي حكومة متخصصة في الاقتصاد والصناعة والتجارة، غالبا تكون غير حزبية فهي لا تهتم كثيرا بالفكر الحزبي والحوار السياسي.
(التغيير الجوهري) و(حكومة التكنوقراط) اثارت كما هو المعتاد جدلا بين الاوساط السياسية العراقية، بعد اتهامات تلك القرارات المرتقبة بأنها ستكون "ارتجالية، لا تستند الى تقييم أداء الوزراء المزمع تغييرهم"، بحسب نواب عن كتلة المواطن البرلمانية. وتدعو الكتلة رئيس الوزراء الى "تقديم استقالته، قبل اجراء أي تغيير جزئي".
فيما حذرت كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني من تجاوز "التوازن والاستحقاقات الانتخابية في أي تغيير في الكابينة الحكومية".
من جانبهم، يؤكد قياديون في ائتلاف دولة القانون، أن "أغلب الكتل لم تبد تجاوبا مع تلك التغييرات حتى الان". وطالب رئيس الائتلاف بأن تكون الإصلاحات "ليست ترقيعية".
اما اياد علاوي زعيم القائمة الوطنية، فله رأي آخر عبر عنه بقوله: إن "الحل بإصلاح البيت العراقي وليس بتغيير أشخاص بآخرين"، وأشار إلى أن "العملية السياسية لا تخلو من نفوذ أجنبي ولكن على العراقيين أن يقرروا، وأن العراق تحول الى حقل تجارب بسبب الحكومات المتعاقبة. ولامس علاوي الواقع بدقة هذه المرة حين اعتبر أنه "لا توجد إجراءات تعالج جوهر المشاكل في العراق، ولو جئنا بأينشتاين الى العراق كوزير فلن يحل مشكلة العراق".
بعد تلك المواقف هل يحق لنا ان نتساءل: هل يعتمد نجاح الوزارة على الوزير بالدرجة الاساس، ام على جميع اصحاب المناصب والمواقع الادارية في وزارته من وكلاء وزارة ومدراء عامين وموظفين بدرجات مختلفة، ولا ننسى المدراء العامون الذين يخضعون للكثير من مزاجيات مجالس المحافظات، بالإضافة الى ان الدوائر الحكومية التابعة للوزارات خاضعة لنسب معينة من المحاصصة بين المكونات.. اضف الى ذلك المستشارون في كل وزارة، وهم الذين يقدمون مشوراتهم للوزير حول اعمال الوزارة، ولاننسى اهم شيء وهو الذي يعاني منه العراق بشكل صارخ وهو الفساد المالي، وحتى لو فرضنا جدلا ان الوزير (التكنوقراط) نفسه لايسقط في هذا المستنقع، من يضمن ان البقية لايمارسون الفساد بعد ان استوطنوا في تلك الوزارات نتيجة حصص احزابهم ومكوناتهم؟
يعلم الجميع ان ما يمر به العراق لايمكن اصلاحه بتغيير وزير او غفير، او نائب او مسؤول، بغياب القانون والنظام والمؤسسات، وان مايطرح الان من تغيير جوهري هو نوع من التخدير وزيادة كميات مساحيق التجميل على وجه الحكومة القبيح، مما سيؤدي الى فقدان ملامحها المشوهة اصلا، فلا هي تصبح جميلة الشكل، ولا يمكن التعرف على وجهها الاصلي، فهي مسخ هجين لاملامح واضحة له..
اضف تعليق