مرة أخرى يطل زعيم إقليم كردستان العراق، مسعود بارزاني، ليعزف على وتر "الاستقلال" عن العراق، على الرغم من الظروف الاقتصادية والامنية الصعبة التي يمر بها الإقليم والمركز في ان واحد، وعلى الرغم من الخلافات السياسية العاصفة بين الكتل الحزبية داخل الإقليم حول طبيعة النظام واختيار الرئيس وتقاسم السلطة، سيما وان اغلب الشعب الكردي بات يصف الرئيس "بارزاني" المطالب بالاستقلال... بالرئيس "المنتهي الولاية" والمتمسك بالسلطة.
ربما تكون "السلطة" أحد الأسباب المحفزة لبارزاني لتكرار دعواته بالاستقلال عن العراق، خصوصا وانه يعرف ان مطالب بهذا المستوى الطموح لا تتناسب لا زمانا ولا مكانا مع الأوضاع المربكة التي يمر بها الإقليم أولا، والعراق ثانيا، والمنطقة والعالم ثالثا... لكنه ما زال مصرا على "رمي الحجر في الظلام عله يصيب الهدف".
وحتى لو فرضنا جدلا، وبعيدا عن الأوضاع والمؤثرات الخارجية، ان كردستان أصبحت بين ليلة وضحاها دولة كاملة الاستقلال ولها حدود إدارية وتتمتع بسيادة على أراضيها المفترضة... فمن سيدير الدولة؟ هل سيديرها "بارزاني" وعائلته كما يحدث الان في الإقليم؟
في عام 2007 أصدرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" العالمية لحقوق الإنسان تفاصيل مرعبة "حول التعذيب والانتهاكات التي تجري في السجون التي يديرها الأكراد في المنطقة الكردية شمالي العراق".
وفي العام الحالي (2016) اصدرت منظمة العفو الدولية (أمنستي إنترناشنال) تقريرا مطولا اكدت فيه إن "قوات البيشمركة الكردية شمالي العراق دمرت آلاف المنازل في سياق محاولة منظمة لإزالة قرى وتجمعات عربية من المنطقة".
وشددت المنظمة في تقريرها على أن "القوات الحكومية في إقليم كردستان قد تكون ارتكبت جرائم حرب في المناطق التي استعادتها من تنظيم (داعش)".
وتقول المنظمة الحقوقية إن "هذه الاكتشافات قد عززت بصور الأقمار الاصطناعية التي تظهر أدلة على تدمير واسع النطاق قامت به قوات البيشمركة، وفي بعض الحالات ميليشيا ايزيدية، أو جماعات مسلحة كردية من سوريا وتركيا تعمل بالتنسيق مع البيشمركة".
وأشار تقرير المنظمة إلى أن "قوات حكومة إقليم كردستان تمنع الآن السكان العرب الذين أجبروا على النزوح من العودة إلى بيوتهم في المناطق التي استعادتها".
بارزاني دعا هذه المرة الى "استفتاء" لتقرير المصير مؤكدا ان "الاستفتاء لا يعني أن يعلن شعب كردستان دولته فور ظهور النتائج، بل يعني أن يعرف الجميع ما الذي يريده شعب كردستان لمستقبله وكيف سيختار مصيره"، مضيفا أن "القيادة السياسية في كردستان ستنفذ إرادة وقرار الشعب في الوقت المناسب".
لكن السؤال الأهم الذي يأتي في هذا السياق... من يمثل "القيادة السياسية" في الإقليم؟ وهل يمثلها "بارزاني" المتمسك بالسلطة حتى مع المطالب الواسعة بنتحيه؟
لا أتصور كيف سيكون شكل الدولة الكردية في ظل حكم بارزاني، الا من خلال ما نقلته المنظمات الحقوقية الدولية، سابقا وحاليا، ومن يعترض على ذلك فليدعوا بارزاني لاحترام رغبة الشعب الكردي والتنحي عن السلطة، وافساح المجال للأخرين عبر التداول السلمي للسلطة داخل الإقليم، بدلا من "فقاعات" الهواء التي يطلقها بين الحين والأخر.
الكل يعرف ان المرحلة القادمة ستكون حاسمة في تاريخ العراق ومعركته ضد الإرهاب، سيما وانه يستعد لطرد تنظيم داعش من الموصل، وبالتالي نحتاج الى الجميع موحدين لا متفرقين، والاصوات التي تغرد خارج السرب ستنشر الخراب والفشل بدلا من النجاح في المهمة.
إضافة الى ذلك، العراق يعاني أوضاعا اقتصادية صعبة، الإقليم ليس استثناءً منها، ولا أحد يعرف كيف ستنتهي والى أي حد تدوم، والأولى ان يتم التركيز على طرق تفادي الازمات الاقتصادية والبحث عن مصادر أخرى للدخل يتعاون فيها الجميع، بدلا من إطلاق التهديدات بالانسحاب او الاستقلال.
الدعوة الى الاستقلال لها ضريبة مكلفة للغاية، سيكون الشعب العراقي (الكردي والعربي) ضحيتها وليس ساسة العراق (العرب والاكراد)، لذلك فلنركز على العبور الى ضفة الأمان بدلا من تحقيق اماني من لا يمثلنا.
اضف تعليق