على مدار السنوات الاربع الماضية والازمة السورية تعاني إنقساما حادا بين مؤيدي الحسم العسكري واستخدام القوة العسكرية المسلحة لإسقاط نظام (بشار الاسد) بدعم وتأييد وتمويل كلا من تركيا ومنظومة دول الخليج وبمباركة امريكية من جهة، وبين دعاة الحل السياسي للأزمة الذين يرون إمكانية حل الازمة سياسيا دون الحاجة الى استخدام القوة المسلحة وذلك بالاعتماد على الوسائل السياسية والدبلوماسية ويتزعم هذا الاتجاه كلا من روسيا وايران، فضلا عن بعض الاطراف التي لها مصلحة في بقاء الاسد في منصبه، او على الاقل عدم اسقاط نظامه عسكريا.
هذا الانقسام بين القوى الدولية الكبرى امتد الى اروقة مجلس الامن الدولي طيلة تلك المدة حتى جاء القرار رقم 2254 بتاريخ 18/12/2015 ليضع حدا لذوي التطلعات الحربية لإنهاء الازمة والالتجاء الى الحلول السياسية ضمن مجموعة بنود كان اهمها:-
1- وقف اطلاق النار في ارجاء سوريا يبدأ تنفيذه بعد ان يبدأ ممثلو كلا من (النظام) و(المعارضة السورية) خطوات اولية نحو انتقال سياسي تحت رعاية الامم المتحدة، على ان يلتزم الفريق الدولي بدعمه ومساندته، ورصد الخروقات فيما يتعلق بوقف إطلاق النار والتبليغ عنه.
2- دعا القرار الى دعم اجراء انتخابات حرة ونزيهة تجري وفقا للدستور، وذلك في غضون (ثمانية عشر شهرا) تحت إشراف الامم المتحدة، يسبقها فترة حكم انتقالية بقيادة سوريا مدتها (6) اشهر.
3- دعوة ممثلي النظام والمعارضة السورية الى مفاوضات رسمية مطلع كانون الثاني المقبل.
4- على جميع الاطراف إيقاف الهجمات على المدنيين والاطراف المدنية.
والتساؤل هنا، هل إن قرار مجلس الامن هذا سيؤدي الى إنهاء حالة الاحتراب الداخلي في سوريا وسيمهد للدخول الى مرحلة انتقالية جديدة تنتهي بإعادة بناء الدولة السورية على اسس ديمقراطية كما ورد في نص القرار؟. وهل سيلتزم الطرفان بتنفيذ بنود ذلك الاتفاق؟. او بتعبير اخر، هل ستلتزم الاطراف الاخرى المغذية للصراع في سورية بإحلال السلام والعمل على تعزيزه بعد حرب ضروس دامت سنين عدة خلت؟.
في الواقع، ان قرار مجلس الامن هذا هو في حقيقته نوع من الحل الوسط بين الاطراف الدولية والاقليمية المعنية بالازمة السورية، وليس بين السوريين انفسهم، (فالمعارضة والنظام) يجدان نفسيهما مجبرين على التعايش مع هكذا قرار وليس القبول به بشكل نهائي. وبالتالي فالمسألة تعتمد على نوايا القوى الكبرى (الدولية والاقليمية) فيما يتعلق بإرساء السلام في سوريا، وبما يتفق مع اهدافها ومصالحها.
فالقرار قد تناول التسوية السياسية في سورية، وبالرغم من كونه قد حدد الخطوط العريضة لتلك التسوية والياتها ورسم خارطة طريق لها، الا ان هذا القرار هو مجرد خطوة اولى على طريق غير محدد الملامح، فكل جملة ونقطة تحتاج الى جهود لتفسيرها بما يتوافق مع مصلحة القوة المجتمعة بشأن القضية السورية، فالمتفاوضين حضروا الى طاولة الحوار ولكل منهم خلفيته ووجهة نظره على امل تحقيق اكبر قدر من المكاسب الممكنة لكي يظهر بأنه المنتصر، ولكي يعوض ماعجز عن تحقيقه في الميدان بسبب تعقد الوضع الدولي والاقليمي هناك وتشابك المصالح، وبالتالي ان تكون له كلمة في تحديد مستقبل سوريا لقاء مايقدمه من دعم مادي ومعنوي في المعركة القائمة هناك.
من جهة اخرى ان هنالك خلافات ووجهات نظر متضاربة لاتزال قائمة حول قضايا خلافية لم يحسمها القرار، وظلت معلقة الى مراحل اخرى، قد تكون هي الشياطين التي تكمن في التفاصيل مثل مستقبل الرئيس السوري (بشار الاسد)، حيث هناك وجهة نظر تقول بأن مستقبله يحدده الشعب السوري فقط حصراً عبر صناديق الاقتراع، ووجهة نظر اخرى ترى أن لا دور له في المرحلة الانتقالية التي حددها القرار بسنة ونصف السنة، ووجهة نظر ثالثة لا تمانع ان يكون له دور في التسوية وفي المرحلة الانتقالية باعتباره جزءاً من الحل وشريكاَ اساسياً في المفاوضات، إذ ظلت هذه القضية معلقة وغير محسومة في ظل انشغال مجلس الأمن بأولوية مكافحة الارهاب والخطر الذي بات يمثله على العالم اجمع.
المشكلة الاخرى تتمثل في تحديد أطراف الصراع وعلى الاخص في مايتعلق بالمعارضة، فمن هو الممثل الحقيقي للمعارضة؟ في ظل عدم وجود فرز واضح بين المعارضة المعتدلة والجماعات الارهابية، وفي ظل تخفي بعض الجماعات الارهابية تحت ستار المعارضة المعتدلة، لاسيما وان القرار قد حدد موعداً لاستئناف المفاوضات في يناير/كانون الثاني المقبل، أي ان المدة لاتتجاوز شهراً واحداً، فهل يمكن إذاً للمعارضة ان تكون جبهة للتفاوض تحظى بمقبولية لدى المنظمة الدولية اولاً، والقوى الدولية الكبرى والاقليمية ثانياً، واطراف الصراع السورية نفسها ثالثاً؟.
إذاً، وفي ظل عمومية القرار الدولي وفضفاضيته، وفي ظل رغبة سورية في حماية نفوذها في المتوسط والساحل السوري مدعوماً برغبة ايرانية انطلاقاً من توجهات ايديولوجية ودينية معينة، مقابل سعي الولايات المتحدة الامريكية لإثبات وجودها في عمليه التسوية ومحاولة منها للوقوف في وجه المد السوري المتنامي، الى اين سيؤول مستقبل القضية السورية؟.
مع الاقرار بأن الحل السياسي بات هو الاقرب للمسألة السورية في ظل توافر قناعات الاطراف المعنية به، لكن هذا الحل وفي ظل تعقد المصالح وتشابكها في الداخل السوري سيترتب عليه اثارا مستقبلية، لعل أبرزها احتمالية تعرض سوريا الى التقسيم والتفكك الى دويلات.
ففي ظل المعطيات الراهنة، وفي ظل تعدد أطراف الصراع وتنامي حدة الازمة وتعقدها يصبح التقسيم الخيار الاكثر ترجيحاً في مستقبل الازمة.
فوفقاً لهذه الاحتمالية ستنقسم سوريا الى ثلاثة مناطق، منطقة خاضعة لحكم العلويين، ومنطقة خاضعة للكرد، واخرى للسنة.
فتمسك كلاً من (سوريا وايران) بالرئيس السوري (بشار الاسد) يجعل من مسألة اقامة (دولة علوية) امراً مقبولاً، لان رحيله يعني تبخر نفوذهما في المنطقة وبالتالي ستكون هناك انعاكسات على المشهدين العراقي واللبناني، خاصة مع تراجع الدور الايراني في اليمن.
كما ان وجود (كيان علوي) قائم بذاته سيجنب العلويين بطش الجماعات السنية المتطرفة الساخطة على نظام بشار الاسد، وسيكون هناك حاجز صد بينها وبين التنظيمات الارهابية التي تتمركز في المناطق التي يشكل السنة غالبية سكانها.
مقابل ذلك، فان الغرب عامة وامريكا خاصة يرون في ان بشار الاسد افضل من خيارات اخرى قد لا تكون في صالح الغرب واسرائيل، وبالتالي فانهم اصبحوا على قناعة ببقاء الاسد وعدم اسقاط نظامه عسكرياً، وانما تحجيم نفوذه في رقعة (جيوسياسية) اصغر ضمن سياستها المعروفة بـ(تفتيت المفتت وتقسيم المقسم).
اما الكرد في سوريا، فالفرصة مؤاتية لهم اكثر من قبل في فرض الحكم الذاتي، خصوصاً في ظل التحركات المريبة لرئيس اقليم كردستان العراق (مسعود البرزاني) وتقديمه تطمينات للإدارة التركية بأن الاستفتاء على مصير الكرد في اقليم كردستان العراق، او اقامة حكم ذاتي للكرد في سوريا سوف لن يمس (اكراد تركيا)، ولن يمثل ذلك الحلم الكردي المزعوم في اقامة دولة تضم اكراد المنطقة جميعاً.
اما بخصوص السنة، فيبدو ان التقسيم سيكون تحصيل حاصل بالنسبة اليهم في ضوء سياسة الترهيب التي مارسها (تنظيم داعش الارهابي) في مناطقهم، وفي ظل تخلي الغرب وامريكا عن الاستمرار في دعمهم لإسقاط نظام بشار الاسد، فضلا عن توفر القناعة عند الدول السنية الداعمة لمشروع اسقاط النظام السوري بالقوة، والمقصود هنا بالدرجة الاساس كلا من (تركيا والسعودية)، بعدم جدوى تبني هذا المشروع.
وقد جاءت اولى ثمار ذلك بإعلان السعودية عن قيام تحالف اسلامي لمحاربة الارهاب بحسب ظاهره، ولكن في حقيقته هو لتوفير الحماية لأبناء السنة في الكيان المفترض اقامته لهم، بعد التخلص من وجود (تنظيم داعش الارهابي) والتنظيمات السنية المتطرفة، لاسيما ان هذا التحالف كان قد اقتصر على دول سنية فقط، وبعضها ذو وزن اقليمي كتركيا والباكستان، مع تجاهله لطرف الصراع الرئيسي وهي سوريا.
خلاصة القول، ان مامرت به سوريا من احداث وصراعات دينية وطائفية على مدى السنوات الاربعة الماضية مع تعدد جهات الصراع واختلاف وسائلهم واهدافهم، يجعل من موضوعة التقسيم امراً وارداً وعلى الجميع تحمل مرارته على الرغم من كونه يندرج ضمن الحلول السياسية لا العسكرية.
اضف تعليق