في منطقة الشرق الأوسط، التي توصف على انها من أكثر مناطق العنف الطائفي والتوتر الديني، تلعب الرسائل التي تبعث بها الدول الإقليمية الى الاخرين، أهمية قصوى في اثارة المشاكل او تهدئة التوترات الطائفية التي من شأنها ان تصب المزيد من الزيت على النار.
وإذا قارنا سياسية المملكة العربية السعودية التي أقدمت على اعدام المعارض الشيعي البارز، الشيخ "نمر النمر"، في مستهل عام 2016 مع ثلاثة من مواطنيها الشيعة، بعد ادانتهم بتهم "إرهابية" الى جانب (43) شخص ممن ينتمون الى تنظيم "القاعدة"، مع السياسة العامة للمجتمع الدولي والتي دعت الى نبذ العنف والتوجه نحو "الحل السياسي" وفتح باب "الحوار" للحد من التصعيد والتوتر في المنطقة... فإننا نجد بالتأكيد بون شاسعا بين الطرفين.
السعودية التي شاركت بقوات "درع الجزيرة" عام 2011 بقمع التظاهرات السلمية في البحرين، وسحقت بدباباتها ومدرعاتها مطالب الشعب البحريني في تحقيق الإصلاح السياسي والعدالة الاجتماعية، لم تكتفي بقمع تظاهرات مواطنيها في المنطقة الشرقية، واعدام قادتها، بل وحتى اعدام من كانوا تحت السن القانوني ابان اعتقالهم... بل زادت على ذلك بإلغاء "الهدنة" في "اليمن" والتي رعتها "الأمم المتحدة" من جانب واحد، في نفس يوم اعدام "النمر"، بعد ان شنت قواتها الجوية هجوما مكثفا استهدف المزيد من الأهداف المدنية.
ردود الأفعال الغاضبة ما زالت تتوالى، المحلية والإقليمية منها، ومن المتوقع ان تتنامى موجة الاحتجاجات والادانة الدولية، دول، منظمات، شخصيات...ألخ، سيما وان توقيت وطريقة تنفيذ حكم الإعدام بالشيخ النمر لا تدل على ان حكام المملكة لديهم النية في تهدئة التصعيد الخطير في منطقة الشرق الأوسط، مع الإشارة الى ان العنف لن يولد سوى المزيد من العنف والغضب، وهو ما يمكن ان يؤدي الى منزلق خطير جديد الى جانب الملفات الساخنة التي تعاني منها المنطقة منذ سنوات من دون وجود أي بارقة امل لحل سلمي قد تلوح في الأفق القريب.
ان الخطوة التي أقدم عليها "الحكام الجدد" في السعودية لا يمكن ان تصنف الى من خلال الأوجه التالية، (في حال كانت تحمل رسائل موجهة الى الاخرين بطبيعة الحال):
- مخاوف خارجية: انها ماضية في سياسية التصعيد والمواجهة الإقليمية، وبالأخص ضد عدوها التقليدي (إيران)، وإنها لن تترد في اخذ القرارات الحساسة، على المستوى الخارجي، باعتبار منافسة إيران في ملفات ساخنة، كما هو الحال في اليمن وسوريا وغيرها.
- مخاوف داخلية: الخوف من تنامي الاحتجاجات الشعبية ضد النظام السعودي، والتخلص من المعارضة والخصوم السياسيين، على المستوى الداخلي من خلال اعدام المعارضين او قمع أي احتجاجات ضد النظام، راهنا او مستقبلا، ربما استعدادا لتنازل الملك "سلمان بن عبد العزيز" لولي ولي العهد ابنه "محمد بن سلمان" عن الخلافة.
- الارهاب وسيلة تبرر غايات أخرى، وقد اعتبر مدير منظمة "العفو الدولية" في الشرق الأوسط، فيليب لوثر، أن عبر إعدام 47 شخصا ادينوا بـ"الإرهاب" بينهم رجل الدين الشيعي نمر النمر، فإن السلطات السعودية تقول "إنها نفذت أحكام الإعدام هذه للحفاظ على الأمن، لكن إعدام الشيخ نمر باقر النمر يوحي أنها تستخدم الإعدامات لتصفية حسابات سياسية تحت غطاء مكافحة الإرهاب"، وأضاف لوثر "إنها محاولة لإسكات الانتقادات ضد النظام وخصوصا في صفوف مجموعات الناشطين الشيعة"، على الرغم من أن محاكمة الشيخ النمر كانت "غير عادلة بوضوح".
ومهما كان المبرر او الوجه الذي حمل "الحكام الجدد" في السعودية على معاودة "اشعال الحرائق" في المنطقة، فان الأفعال "السلبية" في الشرق الأوسط، عادة لا تمر من دون "ردود أفعال" أكثر سلبية، وإذا كان هدف النظام السعودي تامين اركان حكمة عبر ابعاد المعارضين والنشطاء بهذه الطريقة "الوحشية" فانه يسير عكس التيار، اما إذا كان الهدف من وراء هذه الخطوة، افتعال المزيد من الازمات، فانه نجح في ذلك بكل تأكيد... لكن لمصلحة من؟.
اضف تعليق