"ادين بالفضل لصاحب الجلالة الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله ورعاه وصانه من كل سوء ومكروه"، على هذا العنوان الذي ورد في كلمة له العام الماضي في جمع من رجالات الدولة السعودية، وقال مانصه: (والحمد لله للامن والرخاء والاستخراء والوحدة في القلوب والحمد لله الله عز وجل منعم علينا بالاستخراء كما قلت لكم).. وقد ضحك ولي ولي العهد السعودي على كلمة الاستخراء التي ذكرها والده المفدى..
لايمكن ان تكون الكلمة دون قصد او معنى، حتى ان صدرت دون وعي منه، وهو في هذا العمر
حيث يبلغ الثمانين عاما، وهو عمر يبدأ فيه الانسان الذي يعيش في نفس البيئة التي يعيش فيها "الملك المفدى"، بالتخريف والهلوسة، فاللاوعي هو جزء من اللامفكر فيه، وهو يضمر لكثير الذي تكشفه فلتات اللسان مثل هذه الفلتة..
وهي فلتة صدق فيها وهو يصف المملكة التي أسسها أجداده، ولم يجانب سلمان الصواب بذلك الوصف وحتى لوكان قصده الإسترخاء وليس الإستخراء، فهي مملكة للإسترخاء والإستخراء.
هكذا ورد في فيديو على اليوتيوب مصحوبا بتعليق صوتي على هذه الاسخراء الملكية، فبعد مرور قرابة القرن على تأسيسها، وبرغم مداخيلها الخيالية من النفط والتي تبلغ قرابة المليار دولار يوميا، إلا انها لازالت تستورد العقال العربي والغترة والدشداشة من سويسرا واليابان وغيرها من الدول.
لم يوظف آل سعود ثروات البلاد النفطية ولا عائدات حج بيت الله ولا عائدات مناجم الذهب، لبناء دولة صناعية ذات قاعدة علمية، بل حولوا البلاد الى دولة مستهلكة تأكل وتنام وتستخري.
بل ووصل بهم الأمر الى الإستخراء على بعضهم البعض وكما حصل عبر قرارات "الملك المفدى" بعد تنصيبه، إذ تم استبعاد كبار رجالات العائلة مثل مقرن وطلال وأحمد أبناء عبد العزيز ليحل محلهم شباب طائشون لا خبرة لهم ولا حكمة.
سياسات آل سعود الإستخرائية حولت المنطقة الى ساحة للنزاعات والحروب الداخلية، خدمت عبرها الشركات المصنعة للسلاح وتركت اسرائيل تعيش عصرها الذهبي مع ضعف ووهن العرب.
إنها حقا مملكة الإستخراء على الأمتين العربية والإسلامية خدمة لإسترخاء أعداءهما.
في العام الجديد تفتتح المملكة ومليكها المبجل عهدا جديدا للملكة، حيث تنفذ حكم الإعدام بالشيخ النمر مع مجموعة أخرى من السعوديين، للتغطية على البعد الطائفي لهذا الإعدام..
ولا تفوت صحيفة بريطانية مثل الصنداي تايمز هذا الحدث دون ان تتساءل في موضوع لافت لها:
"هل سيدمر هذا الملك بيت آل سعود"؟.
تناولت فيه الصحيفة إعلان إعدام 47 شخصا في السعودية بينهم القيادي الشيعي نمر النمر.
وتضيف الجريدة أن صرخات المعترضين على قتل نمر النمر قد وصلت للساسة في كل الشرق الاوسط ليبادر بعضهم بتهديد آل سعود.
وتقول الجريدة إن إيران، العدو القديم في المنطقة للسعودية، أكدت أن إعدام النمر جريمة ويعتبر جزءا صغيرا "من النظام الاجرامي لهذه العائلة الخائنة".
وتضيف الجريدة انه لم تمر سنة كاملة حتى الآن على تولى الملك سلمان البالغ من العمر 80 عاما منصبه ورغم ذلك تعد هذه السنة واحدة من أسوأ السنوات في تاريخ المملكة.
وتشير الى ان العالم الغربي أصبح يدرك حاليا ان الفكر الوهابي الذي بنيت عليه المملكة هو سبب التطرف الذي يجتاح المنطقة.
وتقول الجريدة إن ذلك يتوازى مع الادلة والاشارات العديدة التي توضح وجود مشاكل في العائلة السعودية المالكة بسبب السياسة التمييزية التي ينتهجها سلمان ومحاباة ابنه المفضل محمد بن سلمان التي تولى منصب وزير الدفاع رغم ان سنه لم يتخط الثلاثين عاما وعين وليا لولي العهد.
اما الصحفي البريطاني روبرت فيسك فقد كتب في الاندبندنت أون صانداي حول الموضوع نفسه بعنوان "الإعدامات في السعودية مثل تصرفات تنظيم الدولة الاسلامية فماذا سيفعل الغرب؟"
يقول فيسك إن ما حدث من اعدام 47 شخصا بهذا الشكل في المملكة العربية السعودية يعد تصرفا مشابها لممارسات تنظيم "الدولة الاسلامية" وهو تصرف غير مسبوق لبدء السنة الجديدة في المملكة على خلاف الاحتفالات المبهجة في دبي المجاورة.
ويضيف فيسك ان قيام المملكة باستخدام مقاطع من القرآن لتبرير هذه الاعدامات يؤكد انها تستخدم نفس اسلوب التنظيم.
ويعتبر فيسك ان آل سعود ربما لم يكونوا راغبين بهذه الاعدامات سوى استفزاز ايران والشيعة في مختلف انحاء العالم لإشعال صراع طائفي اكثر قوة على غرار ما يفعل تنظيم "الدولة الاسلامية".
ويؤكد فيسك ان مقولة ماكبث "الدم سيؤدي لمزيد من الدم" تنطبق على الحالة السعودية التي تستبيح اراقة الدماء، سواء دماء الشيعة او السنة على حد سواء.
ويقارن فيسك بين التصرف السعودي وتنظيم "الدولة الاسلامية"، قائلا إن التنظيم ايضا يقطع رقاب من يرى انهم مرتدين من السنة ورقاب الشيعة والمسيحيين في العراق وسوريا على حد سواء.
ويؤكد فيسك أن الاجراءات السعودية ضد النمر هي نفسها التي كانت ستستخدم ضده لو كان في قبضة التنظيم.
اما صحيفة الصانداي تليغراف فقد تناولت ذات الموضوع من زاوية التعريف بأسباب العداء بين النمر والنظام الحاكم في السعودية في مقال بعنوان "نمر النمر: رجل الدين السعودي الجريء".
وحاولت الجريدة من خلال الموضوع إلقاء الضوء على نمر النمر والمشاكل التي سببها للأسرة المالكة في السعودية منذ بدأ معارضتهم علنا عام 2011.
وتضيف الجريدة ان نمر النمر كان مصدر قلق مستمر في منطقة شرق المملكة العربية السعودية المليئة بالتوتر بسبب الاغلبية الشيعية التي تقطنها.
وتقول الجريدة إن رجل الدين صاحب الشخصية القيادية والذي كان يبلغ من العمر 56 عاما أطلق دعوات لتشكيل جبهة معارضة في منطقة العوامية التي ينحدر منها.
وتضيف أن العوامية هي احدى المناطق الفقيرة في محافظة القطيف معقل المعارضة الشيعية في المملكة والتى تشكو دوما من تهميشها وتعرضها للظلم والاضطهاد على الاصعدة الدينية والاجتماعية والسياسية.
وتشير الجريدة إلى أن الشيعة يقولون إن الوهابية، وهي التوجه الديني السائد في المملكة، تعتبرهم مهرطقين.
وتوضح أن عام 2009 شهد بداية التوتر الحقيقي بين النمر والعائلة المالكة في السعودية وذلك حين دعا إلى انفصال محافظتي القطيف والاحساء عن المملكة والاندماج مع الشيعة في مملكة البحرين في دولة شيعية واحدة.
وتقول الجريدة إن النمر هدد آل سعود بأنهم إن لم يوقفوا سفك الدماء فإنهم سيفقدون ملكهم وهو الامر الذي ترى الجريدة أنه سبب استفزازا كبيرا للأسرة المالكة.
هذه الصحف بما كتبته اضافة الى الكثير من الفعاليات السياسية والثقافية في العالم وهي تدين حفلة الاعدامات التي قامت بها وجمعت فيها بين من رفع السلاح ضدها ومن رفع صوته احتجاجا على سياساتها ومطالبا بالإصلاح والتغيير، قد اجمعت على حقيقة واحدة، ان مملكة ال سعود بمرتكزاتها الوهابية في تعاملها مع الاخر المختلف عنها دينيا وحتى المتشابه معها ولا يدين بفكرها، هي مملكة استخراء بامتياز.
اضف تعليق