محاولات التقارب السابقة بين إيران والسعودية أخفقت جميعها في التوصل الى تقارب دبلوماسي منطقي بين البلدين، سيما مع تنامي موجة الإرهاب العالمي، والشعور العالمي بخطر تنامي التنظيمات المتطرفة في منطقة الشرق الأوسط، الذي بات يهدد الامن والسلم على المستوى العالمي، وهو امر دفع الجميع للتفكير مرتين في إقامة شراكة إقليمية ودولية لدفع خطر الإرهاب بدلا من الدخول في صراعات ثنائية تساعد على تنامي التطرف.
عندما جاء الإصلاحيين الى السلطة في إيران، كانت هناك وساطات مهمة تكفلت بها سلطنة عمان على المستوى الإقليمي والدولي... عندما مهدت الطريق لتفاهمات أمريكية-إيرانية لحل الخلاف النووي والتوصل الى اتفاق تاريخي مع مجموعة (5+1) بعد (22) شهر من المباحثات التي اتسمت بالسرية والتوتر.
كما سعت الى تقريب وجهات النظر بين إيران والسعودية المستمر منذ عام 1979، لكنها لم تفلح في ذلك رغم المؤشرات الإيجابية والتشجيع الدولي الذي رافق هذه المساعي، بعد ان تقاطعت الوفود المشاركة عند اول القضايا المطروحة، وزاد من تعقيد التفاهم الدبلوماسي، وفاة الملك السعودي (عبد الله بن عبد العزيز) وتسلم أخيه للسلطة (سلمان بن عبد العزيز) في المملكة، (والمحسوب على التيار الأكثر تشددا)، وما رافقها من حرب اليمن والاتفاق النووي وتبادل الاتهامات حول سوريا وحادثة منى وغيرها.
وكالة أنباء الأناضول التركية نقلت عن رئيس الشؤون الدينية التركية، محمد غورماز، دعوته إيران الى "التحرك مع تركيا والمملكة العربية السعودية من أجل وضح حد للخلافات وإنهاء حالة الانقسام في العالم الإسلامي." وذلك على هامش مشاركته في مؤتمر للوحدة الإسلامية بطهران، وقال غورماز في مؤتمر صحفي عقب مباحثاته مع المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، بالعاصمة الإيرانية طهران، أنه أبلغ المرشد بـ"ضرورة تحرك تركيا وإيران والسعودية معاً، وخاصة في هذه المرحلة الصعبة، الأمر الذي سينعكس إيجاباً على موضوع إنهاء حالة الانقسام والتفرقة في العالم الإسلامي".
وتابع غورماز أنه شدد أثناء اللقاء على أولوية حل الأزمة السورية من أجل إنهاء معاناة الشعب السوري، "ومن الخطأ النظر إلى المسألة من منطلق طائفي". وأشار المسؤول التركي إلى إمكانية التركيز على "الوحدة والأخوة الإسلامية في الملف السوري،" مضيفاً "بالطبع سيهتم السياسيون بالأبعاد السياسية للمسألة، لكن التوجهات الثقافية تشكل أساس السياسة، ونحن نسعى لأن نبقى داخل هذا الإطار".
الغريب ان تركيا التي تبنت، بحسب هذا الخبر، مسألة التقارب بين الطرفين، تجمعها علاقات قلقة مع الدولتين، الخلاف مع السعودية بسبب موقف الأخيرة المعارض للإخوان المسلمين، الذي يتناقض مع توجهات الحكومة التركية ذات التوجهات الاخوانية، خصوصا حزب العدالة والتنمية، فيما تتقاطع تركيا مع إيران في اهم الملفات الحرجة في الشرق الأوسط، خصوصا في سوريا والعراق.
لكن هذا لا يعني ان الباب مغلق بالكامل امام أي تفاهم او وساطة يمكنها ان تقارب بين وجهات النظر المختلفة، على الأقل في المسائل الحساسة، كالملف السوري على سبيل المثال... ولكي يتحقق هذا التقارب لابد من وجود جهات إقليمية ودولية راعية لهذه التفاهمات، والسؤال هنا، هل يمكن اعتبار تركيا دولة مناسبة لرعاية تفاهم سعودي-إيراني؟
في قراءة بسيطة لمجمل تحركات حكومة اردوغان خلال السنوات التي رافقت الازمة السورية، وتنامي خطر الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، فان التعويل على وساطة تركية يمكن ان تضع حدا للصراع السعودي-الإيراني تبدو ضعيفة للغاية، سيما وان اردوغان لم يستخدم الدبلوماسية في حل المشاكل الداخلية التي اعترضت حكومته مع الاكراد او معارضة الداخل، او المشاكل الخارجية مع بغداد وواشنطن وموسكو او حتى مع إيران والسعودية نفسهما.
وفي مقارنة الدبلوماسية الهادئة من قبل سلطنة عمان والتي دعمتها إدارة البيت الأبيض وقدمت لها الشكر على مساعيها امام الملف النووي الإيراني، والدبلوماسية المتشنجة لتركيا في عهد اردوغان، والتي وصلت حد مقاطعة حلفائها (الولايات المتحدة الامريكية) وفرض الشروط لأي تعاون عسكري (التحالف الدولي)... فان النتيجة تبدو مخيبة للآمال.
يبقى الامل في ان تتوصل الأطراف الإقليمية الى قناعة بضرورة التعاون في تهدئة التوتر فيما بينها والتفرغ لثلاث أمور رئيسية:
- مكافحة الإرهاب
- تقديم الحل السياسي في جميع الملفات العالقة
- عدم التدخل في الشأن الداخلي
اما الطريقة التي يمكن من خلالها التوصل الى هذه الأمور، فهي تحتاج الى أكثر من الرعاية التركية او العمانية، هي تحتاج الى جهد دولي واممي، مثلما سعت الدول الكبرى لحل الخلاف النووي مع إيران، وفي حقيقة الامر يمكن توفير الضغط اللازم لخلق إرادة واقعية لتفاهم دبلوماسي يمنع خلق المزيد من الازمات في الشرق الأوسط.
اضف تعليق