ما انفك المتصارعون في سوريا من إقامة المزيد من قنوات الاتصال مع الأطراف السورية المختلفة وغيرها، وإنشاء شبكات واسعة من الدعم المالي والعسكري والأمني، فضلا عن الجهد الاستخباري والعمل الدبلوماسي الدؤوب من اجل تفويت الفرصة على أقرب المنافسين من كسب الجولة... وربما السعي لربح الجائزة الكبرى، هو الهدف الأهم، في حال اقتربت اتون الحرب من خواتيمها في سوريا بعد خمس سنوات من القتل والقصف وحرب العصابات... التي أدت الى مقتل أكثر من 250 ألف انسان وتشريد أكثر من 5 مليون اخرين.
وكحال بقية المتنافسين داخل الشرق الأوسط "عموما" وفي صلب الازمة السورية على وجه الخصوص، تحاول المملكة العربية السعودية، اثبات نفسها كطرف رئيسي له كلمته المسموعة التي يمكن ان تساهم فيها من خلال وضع بصمتها الخاصة في "خارطة الطريق" التي تحاول الدول الكبرى رسمها في عملية السلام المزمع المضي فيها بين تفاهمات نيويورك وجنيف ولقاءات الولايات المتحدة الامريكية وروسيا والدول الكبرى في الاتحاد الأوربي.
وحتى لا تخرج عن مسار المجتمع الدولي، سعى حكام المملكة الجدد الى هيكلة تحركاتهم ضمن إطار جهود مكافحة الإرهاب العالمي، من باب دفع الشبه عن نفسها بعد تنامي الأصوات الغربية بمحاسبة الفكر الوهابي (المذهب الرسمي للملكة) وما يصدره من تطرف ديني يستلهم منه أكثر المتشددون معتقداتهم الجهادية المتشددة...
إضافة الى التماشي مع الدعوات السابقة لحلفاء المملكة الغربيين، من تفعيل دور "خليجي" او "عربي" او "سني" اقوى في مواجهة الإرهاب العابر للحدود ومحاربة تنظيم "داعش" الذي بات يهدد الغرب بعمليات انتحارية وتجنيد المزيد من المقاتلين وتهديد لمصالحه الاقتصادية.
في سبيل تحقيق ذلك سعت السعودية الى:
- العمل الدبلوماسي وجمع المعارضة المناهضة لنظام بشار الأسد، بما فيها الجماعات المسلحة المصنفة على انها "جماعات إرهابية" او ذات "أيديولوجية متطرفة"، ومحاولة إعادة تقسيمها وتصنيفها، خصوصا تلك الجماعات التي توفر لها الدعم الكامل، وتم ذلك من خلال مؤتمر موسع عقد في الرياض.
- العمل العسكري بعد ان أعلنت عن تشكيل "تحالف عسكري إسلامي" لمحاربة الإرهاب ويكون مقره في الرياض ، ضم (34) دولة إسلامية، معظمها ينتمي الى منظمة التعاون الإسلامي مع إمكانية ارتفاع العدد، وترك هذا التحالف (بحسب البيان الذي صدر خلال الإعلان عنه) جميع الخيارات العسكرية مفتوحة، بما فيها خيار التدخل العسكري في سوريا والعراق، إضافة الى محاربة جميع الحركات والمنظمات التي يصنفها هذا التحالف على انها "إرهابية" وليس الاقتصار على محاربة تنظيم "داعش" فحسب.
لكن لماذا دشنت السعودية مؤتمر الرياض وجمعت المعارضة على المائدة المستديرة وهي تعلم ان جهودا دولية تسعى للتوافق حول انهاء الازمة السورية بالطرق السلمية؟
ولماذا جمعت عشرات الدول الإسلامية لتقودها في تحالف جديد وهي جزء من "تحالف دولي" شكلته الولايات المتحدة الامريكية قبل أكثر من عام وشاركت فيه (60) دوله عربية وغربية؟
أجوبة واحتمالات
1. انها جزء من الضغوط التي مارستها دولا غربية لتفعيل الدور الخليجي امام محاور نشطة داخل سوريا كما هو الحال بالنسبة لإيران... على سبيل المثال.
2. ربما يكون العمل الدبلوماسي والعسكري السعودي امتداد للعمل الدبلوماسي والعسكري الأمريكي الذي قد يوحد الجميع في خطوة تتخذ لاحقا.
3. احدى الفرضيات ترى ان ما قامت به السعودية هو تحرك داخلي أكثر مما هو تحرك خارجي، فالصراع على السلطة بين العائلة المالكة من جهة وبين سلمان وابنه الطامح للسلطة من جهة أخرى، قد يبرر سعيه لإثبات احقيته بالفوز بكرسي الحكم دون الاخرين.
4. هناك من يذهب الى القول ان السعودية ليس لها القدرة على التحرك بمفردها، ولعل "عاصفة الحزم" في اليمن أفضل دليل على ذلك، فبعد تسع أشهر من القتال، وتحالف عربي ضم (10) دول، ومليارات الدولارات التي تم صرفها، لم تستطع المملكة انهاء ما أسمته "تمرد" الحوثيين في اليمن وارجاع الرئيس الهارب "هادي" الى السلطة.
5. أخيرا... قد تكون الدعاية والاعلام السبب الرئيسي وراء الخطوات الدبلوماسية والعسكرية الأخيرة التي لجأت اليها، فدورها ودور تركيا قد ضعف كثيرا امام دور روسيا المتنامي هناك، وإذا كان لابد من التحرك لمنع خسارة كل شيء لن يكون هناك أفضل من هذه الخيارات التي أعلنت عنها السعودية، وان كانت حبرا على ورق.
اضف تعليق