q

منذ ايام افكر بشراء مجمدة للمنزل، دخلت الى اكثر من محل لبيع المواد الكهربائية، وكان المعروض يتوزع على المنشأ التركي، او الاوربي المصنّع في الصين..

وانا اكتب هذه السطور احصيت قطع الملابس التي ارتديها، الخارجية منها والداخلية اضافة الى الجوارب والحذاء والحزام.. ثماني قطع بالتمام والكمال، قطعة واحدة فقط صناعتها سورية، والباقي صناعة تركية، لعدم وجود البديل المناسب لها، رغم تشجيعي للبديل من الصناعة الوطنية إن وجد.

طبعا ساسة العراق لايرتدون غير البدلات واربطة العنق والاحذية التركية، لاكتساب مظهر انيق امام عدسات الكاميرات التلفزيونية.

ربما في وجبة الفطور وحدها، تطغى المواد المصنعة محليا على ما يتوزع على المائدة من اجبان وألبان وبيض وغير ذلك، ايضا رغبة مني بتشجيع المنتوج الوطني.

انقل بصري في ارجاء المسكن الذي اقطنه، اكثر من قطعة منزلية مصنعة في تركيا او لشركات تركية تصنّع في الصين، او انها صناعة صينية خالصة.

مثلي الملايين في العراق، الذين يستخدمون السلع التركية او غيرها من مناشيء اخرى الا النزر اليسير من المنتوجات العراقية، اما لعدم وجودها، او لرداءتها ان وجدت، او لعدم انتشارها.

مناسبة هذا الكلام هو ردود الافعال والانفعالات العاطفية التي يقوم بها بعض السياسيين، او تقوم بها بعض الجهات الحكومية ردا على دخول القوات التركية الى الاراضي العراقية، واطلاق دعواتها بمقاطعة البضائع التركية في الاسواق المحلية، دون تكبد طرح السؤال على نفسها: ماهو البديل عن تلك البضائع؟

لنستمع الى بعض تلك المطالبات..

مجلس محافظة الديوانية يقرر مقاطعة البضائع التركية .

نظمت نقابة المحامين في النجف وقفة احتجاجية ضد التوغل التركي في الأراضي العراقية فيما دعت الى مقاطعة البضائع التركية رداً على دخول قوات تابعة لها الى العراق.

صوّت مجلس محافظة بغداد على قرار لمقاطعة المنتجات التركية احتجاجاً على التدخل التركي في العراق، فيما أوقف المشاريع التي تنفذها الشركات التركية في العاصمة بغداد لحين سحب أنقرة لقواتها من الأراضي العراقية.

في بقية المواقف تذكرت طيب الذكر دون كيشوت في محاربة طواحين الهواء بسيفه الخشبي، وكانت هناك اكثر من نسخة دون كيشوتية من هذا القبيل، مثل:

الفصائل المسلحة طالبت الحكومة العراقية، بـ"اتخاذ رد حازم" تجاه التواجد التركي في البلاد، وفيما أشارت إلى أن "خيارات الرد مفتوحة" في حال عدم استجابة تركيا، لطلب العراق بالانسحاب من أراضيه، أكدت رفضها لأي مشروع يهدف إلى تقسيم العراق.

المتحدث باسم الحكومة سعد الحديثي قال إن "مجلس الامن الوطني حدد في اجتماعه الاخير مهلة يومين لتركيا والحكومة التركية لسحب قواتها من العراق، وبعد انتهاء المهلة المحددة بالتأكيد نأمل أن تكون هناك استجابة من الجانب التركي".

واستدرك قائلا "إذا لم يستجب الجانب التركي فالعراق لديه خيارات كفلها القانون الدولي، وهي خيارات ذات صبغة قانونية او دبلوماسية او سياسية، يمكن اللجوء لها لان سيادة العراق تعرضت لاعتداء، وحرمة اراضيه تمت اختراقها".

التحالف الوطني وفي بيان له خول العبادي بالتصدي لإدارة الأزمة وفقاً لصلاحياته الدستورية والقانونية، لاتخاذ الإجراءات الضرورية كافة للحفاظ على أمن وسلامة البلد.

وذكر البيان ان "المجتمعين في التحالف الوطني اتفقوا على تخويل العبادي بالتصدي لإدارة الأزمة وفقاً لصلاحياته الدستورية، والقانونية، ولاتخاذ الإجراءات الضرورية كافة للحفاظ على أمن وسلامة البلد، ومن بينها اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي، والجامعة العربية، إضافة إلى إمكانية اتخاذ إجراءات اقتصادية إذا ما استمر الجانب التركي في المماطلة، وعدم الالتزام بمقتضيات حسن الجوار، والسحب الفوري للقوات التركية".

ماهي الحقائق الصادمة على سطح الارض مقابل هذه المواقف العاطفية والعنترية والخيارات المفتوحة؟

منذ العام 2003 وانفتاح الحدود العراقية امام السلع والمنتجات الاجنبية، والعلاقات الاقتصادية العراقية التركية تعاني من خلل في ميزان التبادل التجاري بين البلدين.

فالعراق لا يملك غير النفط سلعة رئيسية يصدرها الى تركيا، بينما الطرف المقابل يملك العديد من السلع الانتاجية والاستهلاكية التي غزت السوق العراقية، وبدأت بأرقام خجولة لتصل الى 13 مليار دولار سنويا، متضمنة مختلف المنتجات من المنظفات الى الحيوانية بأنواعها، والجلود والاقمشة والادوات الكهربائية والمنزلية وقطع الغيار لمختلف السلع، وغيرها الكثير مما لا يعد ولا يحصى.

لعل اصدق التصريحات في هذا الموضوع والذي ابتعد عن الانفعالات والعنتريات هو تصريح المتحدث باسم وزارة التخطيط العراقية حين اوضح أن العلاقات الاقتصادية بين بغداد وأنقرة لم تتأثر بالأزمة المتعلقة بإرسال قوات تركية إلى معسكر للتدريب في مدينة الموصل، شمالي العراق.

ماهي مستويات المقارنة بين العراق وتركيا فيما يتعلق بالخيارات المفتوحة، التي تحتويها لغة التهديد من الجانب العراقي؟

في الجانب الاقتصادي لا يوجد لدينا ما يعتد به من عوامل قوة اقتصادية غير سلعة النفط التي تتدهور اسعارها بين ليلة واخرى.

في الجانب السياسي، ليست هناك من ملامح دولة استطاع السياسيون العراقيون الشروع في بنائها وتشييد اسسها، بل على العكس حتى ما تبقي من هذا المشروع الموروث من عقود سابقة قاموا بتصفيته ودفنه تحت التراب.

في الجانب العسكري، المصيبة أعظم، فقوات الجيش والحشد الشعبي منشغلة في القتال في الرمادي وتحشد لتحريرها وكذلك الموصل، اضافة الى تحديات امنية اخرى تمتد على اكثر من ثلث مساحة العراق.

كل ملامح الانسان الميت يتوفر عليها العراق في هذه الجوانب وغيرها، مما ينطبق عليه المثل القائل (ميت بيد مغسّلين) يقلبونه في مختلف الجهات ولا يملك حولا ولا قوة.

اضف تعليق