في اليوم الوطني للعراق، يستحضر أبناؤه هذا الإرث العريق ليدركوا أن قيم الحرية والعدالة والمشاركة ليست غريبة عن أرض الرافدين، بل هي جزء أصيل من حضارته الممتدة. ومن هنا يظل الأمل قائمًا في أن يُتوَّج هذا التاريخ الطويل بقيام الدولة الحضارية الحديثة، التي تحمل رسالة العراق إلى العالم من جديد...

عندما يتحدث العالم عن الديمقراطية، غالبًا ما تُنسب جذورها إلى أثينا في القرن الخامس قبل الميلاد. غير أن شواهد التاريخ والآثار العراقية تكشف أن العراق عرف أشكالًا مبكرة من الممارسة الديمقراطية قبل ذلك بأكثر من ألف عام، في مدن مثل أوروك، لكش، وأور، حيث تبلورت مؤسسات سياسية واجتماعية تقوم على المشاركة الجماعية وصناعة القرار المشترك.

المجالس الشعبية في العراق القديم

تشير النصوص السومرية، مثل ملحمة “جلجامش”، إلى وجود مجلسين لإدارة شؤون المدينة:

 1. مجلس الشيوخ من الوجهاء وكبار السن.

 2. مجلس المحاربين أو عامة الشعب الذي يُستشار في القضايا الكبرى.

وكانت القرارات المهمة، مثل إعلان الحرب أو السلم، تُعرض على هذين المجلسين، في آلية أقرب ما تكون إلى التداول والاتفاق الجماعي، أي ما يمكن وصفه بملامح ديمقراطية مبكرة.

وقد وصف باحثون مرموقون، مثل جون أَكين (John Keane)، هذه التجربة الفريدة بمصطلح “الديمقراطية المجلسية” (Assembly Democracy)، تأكيدًا على ريادة العراق في ابتكار نمط تشاركي مبكر للحكم سبق التجربة الأثينية.

الإصلاحات والقوانين

لم يكن العراق مهد الكتابة فحسب، بل كان أيضًا مهد التشريع المنظم للعلاقة بين الحاكم والمحكوم. في لكش، أطلق الحاكم أوروكاجينا (حوالي 2350 ق.م.) إصلاحات اجتماعية ضد استغلال الطبقات الضعيفة، مؤكدًا حماية الفقراء والأرامل واليتامى.

ثم جاء شريعة أورنامو في أور (2112 ق.م.) لتُعد أقدم قانون مدوّن في التاريخ، وضع أسسًا للعدالة والمساواة أمام القانون، قبل شريعة حمورابي الشهيرة.

دلالات حضارية

تلك التجارب لم تكن ديمقراطية مكتملة بالمعنى الحديث، لكنها شكلت إرهاصات حضارية فريدة لفكرة المشاركة الشعبية، والرقابة على السلطة، والاحتكام إلى القانون المكتوب. وهذا يثبت أن العراق كان سبّاقًا في ابتكار أنظمة الحكم العادل قبل أن تشرق شمس أثينا بأكثر من ألف عام.

خاتمة

في اليوم الوطني للعراق، يستحضر أبناؤه هذا الإرث العريق ليدركوا أن قيم الحرية والعدالة والمشاركة ليست غريبة عن أرض الرافدين، بل هي جزء أصيل من حضارته الممتدة. ومن هنا يظل الأمل قائمًا في أن يُتوَّج هذا التاريخ الطويل بقيام الدولة الحضارية الحديثة، التي تحمل رسالة العراق إلى العالم من جديد.

اضف تعليق