ظاهرة التَّسويف وتأجيل الواجبات الدِّراسية تمثل تحديًّا كبيرًا يؤثِّر سلبًا على التَّحصيل الأكاديمي والصِّحة النَّفسيَّة للطُّلاب، وتكمن أهميَّة معالجة هذه المشكلة في التَّعاون المشترك بين الأسرة والمدرسة في توجيه الطُّلاب نحو تنظيم وقتهم بشكل فعَّال وتحفيزهم على الالتزام بالمهام الدِّراسيَّة، وكذلك من خلال توفير الدَّعم النَّفسي والتَّعليمي وتطبيق...

في كلِّ لحظة تمرُّ من عمر الإنسان، تنقص من رصيده الزَّمني، وتقترب به خطوة نحو النِّهاية؛ ولذلك، لم يكن غريبًا أن تحذِّر النُّصوص الشَّريفة من عادة التَّأجيل والتَّسويف؛ لأنَّها تُضعف الهمَّة، وتُقعد الإنسان عن أداء واجبه، حتَّى تُفاجئه الحياة بما لم يستعد له.

قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) مخاطبًا أبا ذر (رضوان الله عليه): "يا أبا ذرٍّ، إيّاكَ والتَّسويفَ بأمَلِكَ، فإنَّكَ بِيَومِكَ ولَستَ بما بَعدَهُ، فإن يَكُن غَدٌ لَكَ فكُن في الغَدِ كما كُنتَ في اليَومِ، وإن لَم يَكُن غَدًا لَم تَندَمْ على ما فَرَّطتَ في اليَومِ" (1).

ويقول الإمام علي (عليه السلام) في وصيَّة نفيسة لأحد أصحابه: "فَتَدارَكْ ما بَقِيَ مِن عُمُرِكَ، ولا تَقُلْ: غَدًا وبَعدَ غَدٍ، فإنّما هَلَكَ مَن كانَ قَبلَكَ بِإقامَتِهِم على الأمانِيِّ والتَّسوِيفِ، حتّى أتاهُم أمرُ اللَّهِ بَغتةً وهُم غافِلونَ" (2).

من هذا المنطلق، نُدرك أنَّ التَّسويف هو سلوك يحمل في طيَّاته غفلة، وتراكمًا للمهام، واستنزافًا للفرص، وهو ما بدأنا نراه بشكل متزايد في واقع الطُّلاب اليوم.

لقد أصبح تأجيل الواجبات الدِّراسية ظاهرة مقلقة، وسلوك متكرر يظهر في مختلف المراحل التَّعليميَّة، ويترك آثارًا مباشرة على مستوى التَّحصيل الدِّراسي، وعلى الحالة النَّفسيَّة للطَّالب. فعندما يعتاد الطَّالب على تأخير ما عليه من مهام من دون وجود مبرر حقيقي، يبدأ بفقدان حسّ الالتزام، وتضعف قدرته على التَّنظيم، ويتولَّد داخله شعور بالعجز والارتباك يصعب تجاوزه.

والخطر الحقيقي أنَّ هذه العادة لا تقف عند حدود الدُّروس والاختبارات؛ وإنَّما قد تمتد لتُشكّل نمطًا عامًا في الحياة؛ تُربّي على التَّردد، وتُضعف الثِّقة، وتُغذي القلق المزمن اتِّجاه كلِّ ما تمَّ تأجيله. وكلَّما استمر التَّسويف، ترسَّخ أثره، وأصبح الإصلاح أكثر صعوبة.

لذلك، كان لا بدَّ من فتح الحديث حول هذه الظَّاهرة التي تشغل تفكير كثير من أولياء الأمور، من آباء وأمهات، لما يرونه من تأثيرها المباشر على أداء أبنائهم، وعلى استقرارهم النَّفسي، واستعدادهم لمواجهة مصاعب الحياة.

إنَّ الدَّور الحقيقي للأسرة والمعلمين لا يقتصر على المتابعة أو التَّذكير؛ فهو يشمل تنمية وعي الطَّالب بأهميَّة الوقت، وتعويده على الإنجاز، وتحفيزه على المبادرة من دون انتظار الظُّروف المثاليَّة. وكلُّ طالب يُدرَّب على إتمام واجباته في وقتها، هو شخص يُعد لمواجهة المستقبل بثقة.

المحور الأوَّل: أسباب تسويف وتأجيل الطُّلاب لواجباتهم.

تتضافر مجموعة من الأسباب التي تؤدِّي إلى التَّسويف والتَّأجيل، ومن أهمِّها:

1. غيابُ التَّنظيمِ الشَّخصي. 

يعاني كثير من الطُّلاب اليوم من صعوبة في تنظيم وقتهم، ممَّا يدفعهم في كثير من الأحيان إلى تأجيل إنجاز مهامهم الدِّراسيَّة حتَّى اللحظة الأخيرة. وهذا التَّأجيل يعود غالبًا إلى غياب خطَّة زمنيَّة واضحة وجداول منظمة ترشدهم إلى كيفيَّة توزيع أوقاتهم. ومن دون وجود هذه الخطَّة، يشعر الطَّالب بعدم وجود ضغط حقيقي يدفعه لإنجاز العمل في الوقت المناسب، فيقع فريسة للتَّسويف والتَّأجيل المستمر، ممَّا يؤثر سلبًا على تحصيله الدِّراسي وقدرته على تحقيق أهدافه.

لكننا عندما نتمعن في النِّظام الدَّقيق الذي أبدعه الله (سبحانه وتعالى) في الكون، نرى صورة واضحة لأهميَّة التَّنظيم والالتزام بالوقت. يقول الله (تبارك وتعالى): (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ* وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ* لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (3). فهذه الآيات تتحدَّث عن انتظام الشَّمس والقمر في مدارات محددة، لا يتخطى أحدهما الآخر، ولا يسبق الليل النَّهار، وكلُّ شيءٍ يسير وفق نظام محكم ودقيق. وهذا النِّظام الكوني، الذي يعكس حكمة الخالق وقدرته اللامتناهية، يحمل في صفحاته رسالة عميقة للبشريَّة: أنَّ النِّظام والتَّرتيب وظيفة ضروريَّة في حياة الإنسان.

 وكما أنَّ الكون يسير بتناغم وتنظيم دقيق، يجب على كلِّ فرد أن يسير في حياته وفق قواعد واضحة وتنظيم مدروس. وهذا ما أكَّده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في وصيَّته الأخيرة للإمامينِ الحسن والحسين (عليهما السلام)، حين قال: "أُوصِيكُمَا وجَمِيعَ وَلَدِي وأَهْلِي ومَنْ بَلَغَه كِتَابِي بِتَقْوَى اللَّه ونَظْمِ أَمْرِكُمْ" (4). وهنا يربط الإمام بين التَّقوى؛ وهي الخشيَّة من الله (تعالى) والالتزام بأوامره، وبين التَّنظيم الشَّخصي وترتيب الأمور، مؤكِّدًا أنَّ الحياة النَّاجحة لا تتحقق إلَّا بتنظيم مدروس ومسؤول.

وبالعودة إلى واقع الطُّلاب، يظهر جليًا أنَّ غياب مهارات تنظيم الوقت يشكِّل عائقًا كبيرًا أمام تحقيق النَّجاح؛ فإذا استلهم الطَّالب من النِّظام الكوني هذا المفهوم، وطبَّق على حياته مبادئ التَّخطيط والتَّنظيم، فإنَّه لن يترك واجباته الدِّراسية حتَّى ينتهي الوقت، وسيضع جدولًا واضحًا يضمن إنجاز المهام في أوقاتها، متجنبًا التَّسويف الذي يضعف فرص النَّجاح والتَّفوق. 

2. الخوفُ من الفشل. 

يُعاني بعض الأشخاص من رقَّة في النُّفوس وحساسيَّة مفرطة تجعلهم غير قادرين على تحمُّل الصَّدمات بسهولة. وغالبًا ما يكون هؤلاء قد نشأوا في بيئات اعتادت توفير الرَّاحة والدَّلال، ممَّا يدفعهم إلى تجنُّب كلِّ ما قد ينطوي على مشقَّة أو تحدٍّ. وفي هذا السِّياق، يتعاظم الخوف من الفشل؛ حيث يُضخِّم الفرد في ذهنه احتمال الإخفاق، فيراه أكبر وأخطر ممَّا هو عليه في الواقع، فيفضِّل التَّأجيل على مواجهة ما يظنُّه تهديدًا لقدراته أو صورته أمام الآخرين.

عندما تكون الأمور بسيطة وسهلة، لا يشعر الإنسان بالخوف أو التَّردد في مواجهتها؛ إذ يدرك مدى يسارها وقدرته على اجتيازها. فعلى سبيل المثال، إنْ طُلب منك أن تمشي مسافة قصيرة لا تتجاوز نصف كيلومتر، فلن تشعر بأي رهبة؛ لأنَّ المهمَّة تبدو أمامك بسيطة للغاية. وأمَّا إذا كُلِّفت بمسافة طويلة مثل عشرة كيلومترات، فغالبًا ما تشعر بتردد أو تهيب؛ لأنَّ المهمَّة تبدو صعبة ومرهقة في نظرك.

وينعكس هذا الشُّعور على حياة الطالب أيضًا؛ إذ يلجأ أحيانًا إلى التَّسويف خوفًا من عدم تمكنه من أداء المهمَّة على نحو جيِّد. وهذا الخوف من مواجهة الواجبات الدِّراسيَّة يجعل الطَّالب يؤجل إنجاز المهام، هربًا من مواجهة المشكلات التي يظن أنَّها تفوق قدراته، بدلًا من مواجهتها والعمل على تجاوزها.

3. الميلُ إلى الأنشطةِ التَّرفيهيَّة.

 يفضِّل بعض الطُّلاب الانشغال بالأنشطة التَّرفيهيَّة مثل مشاهدة التِّلفاز، أو اللعب بألعاب الفيديو، أو تصفح وسائل التَّواصل الاجتماعي بدلًا من أداء واجباتهم الدِّراسيَّة. وهذه الأنشطة تمنحهم شعورًا مؤقتًا بالمتعة والاسترخاء، ممَّا يدفعهم إلى تأجيل المهام الدِّراسيَّة التي قد يراها البعض مملَّة أو مرهقة. وهذا التَّأجيل ينتهي في كثيرٍ من الأحيان إلى تراكم الواجبات وزيادة الضَّغط النَّفسي لاحقًا، وهو ما يؤثِّر سلبًا على تحصيلهم الأكاديمي.

وفي هذا السِّياق، يذكِّرنا القرآن الكريم بأنَّ الحياة الدُّنيا مليئة باللعب واللهو؛ ولكنَّها ليست الغاية الحقيقيَّة للإنسان. يقول الله (تعالى): (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) (5). فالحياة الحقيقيَّة تنحصر في الإيمان والعمل الصَّالح، الذي يتطلَّب منَّا التَّوازن بين الاستمتاع بالرَّاحة والتَّرفيه، والجديَّة في تحمل المسؤوليات، ومنها الدِّراسة والتَّعلُّم.

4. الافتقارُ إلى التَّحفيز.

 نقص الدَّافع والتَّحفيز من الأسباب التي تفضي إلى تأجيل الطُّلاب لمهامهم الدِّراسيَّة وتأخير إنجازها. فعندما لا يجد الطَّالب معنىً واضحًا أو فائدة ملموسة في أداء الواجبات الدِّراسية، يتولد لديه شعور بالملل أو الإحباط، وهذا يدفعه إلى التَّسويف والهروب من التَّكليف. وهذا الشُّعور يجعل المهمَّة تبدو أكثر ثقلًا وصعوبة فتفقد الدِّراسة مكانتها بوصفها وسيلة لتحقيق طموحاته الشَّخصيَّة والمستقبليَّة، وتغدو عبئًا يثقل كاهله ويُطفئ شغفه.

علاوة على ذلك، فإنَّ غياب الدَّافع يحرم الطَّالب من الشُّعور بالإنجاز والرِّضا الذَّاتي عند إتمام الواجبات، وهو ما يقلل من رغبته في الاستمرار والمثابرة؛ ولهذا، يصبح التَّسويف بمثابة آلية دفاع نفسيَّة يلجأ إليها لتجنب مواجهة الأزمات التي يعتقد أنَّها تفوق قدراته أو لا تحقق له مكاسب واضحة.

لذلك، يظهر جليًا أنَّ تحفيز الطَّالب وزيادة إدراكه لأهميَّة الدِّراسة وربطها بأهدافه الشَّخصيَّة والمهنيَّة أمر ضروري جدًا. فبزيادة الوعي بالفائدة الواقعيَّة للدراسة، يمكن أن يتحوَّل الواجب المدرسي من عبء ثقيل إلى فرصة للتطور والتَّقدُّم، ممَّا يقلل من التَّسويف ويزيد الالتزام والمثابرة في الأداء الأكاديمي.

5. الاعتمادُ على القدرةِ في اللحظات الأخيرةِ.

 يعتمد بعض الطُّلاب –وأحيانًا يفتخرون بذلك– على قدرتهم في إنجاز المهام الدِّراسيَّة في اللحظات الأخيرة، معتقدين أنَّ "الضَّغط" يساعدهم على التَّركيز والإنتاج. فيظهرون وكأنَّهم يتقنون إدارة الوقت، بينما هم في الواقع يهربون من الواجب المؤجل. وهذا النَّمط، وإن بدا فعَّالًا ظاهريًا، إلَّا أنَّه يحمل في طيَّاته مشكلات كثيرة لا تظهر إلَّا مع مرور الوقت. فإنَّ فكرة "سأنجز لاحقًا" أو "ما زال لدي وقت" تزرع في النَّفس شعورًا زائفًا بالرَّاحة؛ لكنها في الحقيقة تُؤجج القلق وتنتهي إلى تكدُّس المهام. والاعتماد على الإنجاز في آخر لحظة لا يضمن جودة العمل؛ وإنَّما يُضعفها بسبب التَّسرُّع، ويقلل من فرص المراجعة والتَّحسين، ويُسبب ضغوطًا نفسيَّة قد تؤثِّر على الأداء العام.

المحور الثَّاني: أثر التَّسويف على الطُّلاب.

التَّسويف داء يجرُّ معه أمراضًا أخرى، كما أنَّ الضَّرر في جزء من البدن قد يسفر عن أضرار في بقيَّة أجزائه؛ ومن هذه الأضرار:

1. تدني المستوى الدِّراسي.

عندما يُؤجل الطَّالب أداء واجباته ومذاكرته، فإنَّه يقلِّص بذلك الوقت المتاح لإنجاز العمل بجودة مناسبة، ممَّا يقود غالبًا إلى تقديم أعمال ناقصة أو ضعيفة، وتنعكس مباشرة على درجاته وتحصيله العلمي.

وتكرار هذا النَّمط لا يمر مرورًا عابرًا. ويتحوَّل تدريجيًا إلى أسلوب حياة دراسي يفقد الطَّالب شعوره بالمسؤوليَّة، ويتراجع مستواه من دون أن يشعر، حتَّى يجد نفسه في دائرة من الإحباط أو الفشل لا يملك أدوات الخروج منها بسهولة. وقد عبَّر الإمام الجواد (عليه السلام) عن هذا المعنى العميق بأسلوب جامع، فقال: "تأخيرُ التَّوبَةِ اغْتِرارٌ، وَطُولُ التَّسْوِيفِ حَيْرَةٌ"(6).

فالاغترار بالتَّأخير وهمٌ قاتل، يجعل الإنسان يظن أنَّ الفرصة ما زالت متاحة دائمًا، وأنَّ بإمكانه تدارك ما فاته لاحقًا؛ لكن الحقيقة أنَّ كلَّ تأجيل يسرق من الإنسان وقتًا وجهدًا وفرصًا، ويدخله في حالة من الحيرة والضَّياع، تمامًا كما يحدث مع الطَّالب حين يُسوف ويؤخر، ثمَّ يجد نفسه في سباق مع الوقت، غير قادر على تقديم الأفضل.

2. الضَّغطُ والإجهاد.

من أكثر العواقب المباشرة للتَّسويف الدِّراسي ما يواجهه الطَّالب من ضغط نفسي وإجهاد متزايد. فعندما يُؤجل المهام الدِّراسيَّة يومًا بعد يوم، من دون خطَّة أو تنظيم، تبدأ هذه المهام بالتَّراكم، حتَّى تصبح عبئًا ثقيلًا يُرهقه مع اقتراب مواعيد التَّسليم. وحينها، لا يكون أمامه وقت كافٍ لإنجازها براحة أو جودة، فيضطر إلى العمل تحت ضغط كبير ووقت ضيق، ممَّا يؤثِّر بشكل مباشر على حالته النَّفسيَّة، وقد يمتد أثره إلى صحته الجسديَّة أيضًا.

فبدلًا من أن يوزع الطَّالب جهده على أيَّام عدَّة، يكدِّس العمل في وقت قصير، ويُجبر نفسه على إنجازه بشكل متسارع. وهذا النَّمط المتكرر يرهقه، وقد يُفقد الطَّالب استمتاعه بالعمليَّة التَّعليميَّة، ويُشعره بالعجز، وقد يوصله إلى حالة من القلق المزمن أو الانهيار النَّفسي في بعض الحالات.

وقد أشار الإمام الباقر (عليه السلام) إلى خطورة هذا السلوك بقوله: "إيّاكَ والتَّسويفَ؛ فإنّهُ بَحرٌ يَغرَقُ فيهِ الهَلْكى"(7). ومن يتأمَّل في الحديث سيجد تعبيرًا دقيقًا وعميقًا؛ إذ يشبِّه التَّسويف ببحر واسع، قد يبدو في أوَّله سهلًا وآمنًا، لكن من يخوض فيه بلا وعي ولا استعداد، يغرق في أمواجه المتراكمة. فكلّ تأجيل هو خطوة إلى عمق هذا البحر، حتَّى يجد الإنسان نفسه محاصرًا بلا مخرج.

وقد يُطرح في كثير من الأحيان سؤال بسيط لكنه عميق: كيف يؤدي التَّسويف إلى الضَّغط؟

 الأمر واضح: كلَّما تراكمت المهام من دون إنجاز، ازداد الضَّغط شدَّة؛ فتأجيل العمل من يوم إلى آخر يضيف طبقة جديدة من المهام المؤجلة، ممَّا يجعل العودة إليها في وقت لاحق أكثر صعوبة وتعقيدًا. وهذا التَّأجيل يكدِّس الأعمال، ويخلق أيضًا شعورًا مستمرًا بالذَّنب؛ فالطَّالب الذي يعرف في داخله أنَّه يؤجل ما يجب عليه القيام به، ويبدأ في الشُّعور بالتَّقصير، يعمق الإحساس بالذَّنب ويزيد من مستوى التَّوتر النَّفسي.

ومع اقتراب المواعيد النِّهائيَّة، يزداد الضَّغط بشكل ملحوظ. ويشعر الطَّالب بالذُّعر، ويحاول إتمام الأعمال المتراكمة في وقت ضيِّق، ممَّا يجبره على العمل في ظروف غير مناسبة. وهذا النَّوع من الضَّغط يؤثِّر على النَّاحية النَّفسيَّة، وعلى الجوانب الصحيَّة؛ فالتَّسويف قد يدفع الشَّخص للسهر وتجاهل الرَّاحة والطَّعام، ما يحدث في النِّهاية إلى تدهور الصحَّة الجسديَّة والنَّفسيَّة.

إنَّ بحر التَّسويف لا يُغرِق إلَّا من استسلم له. وأمَّا من قرر السِّباحة بإصرار وخطة واضحة، فهو قادر على الوصول إلى شاطئ الإنجاز بأمان. 

3. فقدانُ الثِّقة بالنَّفس.

 قد يبدو التَّسويف في بداياته، أمرًا عابرًا أو تصرفًا بسيطًا نبرّره بالكسل أو "عدم المزاج"، لكن ما لا يدركه كثير من الطُّلاب هو أنَّ تكرار هذا النَّمط من التَّأجيل يحمل أثرًا خفيًّا على أعماقهم النَّفسيَّة، قد يكون أخطر من تراجع الدَّرجات أو ضيق الوقت.

فمع مرور الوقت، يبدأ الطَّالب يفقد ثقته بنفسه. وكلُّ مرَّة يُؤجل فيها مهمةً، يشعر بالتَّقصير. وكلُّ مهمة لا يُنجزها في وقتها، تزرع في نفسه شعورًا بالعجز. ومع تراكم هذا الشُّعور، يبدأ في التَّشكيك بقدراته، ويرى نفسه أقل من أقرانه، ويزداد خوفه من الفشل، ممَّا يدفعه إلى مزيد من التَّسويف... فيدخل بذلك في دائرة مغلقة من التَّأجيل وفقدان الثقة، يصعب الخروج منها.

وفي مناجاة مؤثِّرة، يكشف الإمام زين العابدين (عليه السلام) عن أثر التَّسويف على الإنسان عندما يتركه بلا محاسبة، فيقول: "وَأَعِنِّي بِالْبُكَاءِ عَلَى نَفْسِي فَقَدْ أَفْنَيْتُ بِالتَّسْوِيفِ وَالْآمَالِ عُمُرِي وَقَدْ نَزَلْتُ مَنْزِلَةَ الْآيِسِينَ مِنْ خَيْرِي فَمَنْ يَكُونُ أَسْوَأَ حَالًا مِنِّي إِنْ أَنَا نُقِلْتُ عَلَى مِثْلِ حَالِي إِلَى قَبْرِي وَلَمْ أُمَهِّدْهُ [إِلَى قَبْرٍ لَمْ أُمَهِّدْهُ] لِرَقْدَتِي وَلَمْ أَفْرُشْهُ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ لِضَجْعَتِي"(8). 

فالمناجاة تصف أثر التَّسويف في حياة الإنسان بجلاء؛ فهو يستهلك العمر بين التَّأجيل والآمال الكاذبة حتَّى يجد نفسه وقد فقد الفرص، وأصبح في موقع اليائس من إصلاح حاله، كمن انتقل إلى قبر لم يُمَهَّد له بعمل صالح ولم يُعَدّ له بما يكفي من زاد. وهذا المعنى يعكس ما يمرُّ به الطَّالب حين يستسلم للتَّأجيل، فيفقد مع مرور الوقت القدرة على اللحاق بالفرص الضَّائعة، ويشعر أنَّ الإنجاز الحقيقي قد ابتعد عنه شيئًا فشيئًا.

إنَّ التَّسويف يسرق الإحساس بالقيمة، وبالقدرة، وبالذَّات. وكل تأجيلٍ للقيام بما يجب، هو تأجيلٌ لبناء النَّفس والثقة والمستقبل. فلنكن أكثر وعيًا ولنُبادر قبل أن يتحوَّل التَّأجيل إلى ندم.

4. التأثيرُ السَّلبي على العلاقات الاجتماعيَّة.

 قد يبدو التَّسويف أمرًا شخصيًا، يخص الطَّالب وحده، ويتعلَّق فقط بواجباته الدِّراسيَّة ومهامه الأكاديميَّة. لكن الحقيقة أنَّ هذه العادة تمتد لتؤثِّر في جوانب متعدِّدة من حياة الطَّالب، وأبرزها الجانب الاجتماعي.

فعندما يعتاد الطَّالب على تأجيل واجباته حتَّى اللحظة الأخيرة، يجد نفسه مضطرًا للعمل لساعات طويلة في أوقات غير مناسبة، لتعويض ما فاته. وبذلك، يستهلك الوقت الذي كان من المفترض أن يُقضى مع العائلة أو الأصدقاء، أو في نشاطات اجتماعيَّة تُشعره بالتَّواصل والدَّعم.

ومع مرور الوقت، يبدأ الشَّخص في ملاحظة تراجع علاقاته الاجتماعيَّة بشكل تدريجي. وتتلاشى اللقاءات العائليَّة، وتُلغى دعوات الأصدقاء، وتُؤجل المناسبات مرارًا وتكرارًا، حتَّى يجد نفسه في عزلة غير مبررة. وهذه العزلة إنَّما هي ثمرة لسوء إدارة الوقت؛ حين يغرق الشَّخص في تأجيل مهامه ويبتعد عن اللحظات التي كانت يمكن أن تكون مصدرًا للسَّعادة.

إنَّ كلَّ لحظة تُهدرها في تأجيل واجباتك، قد تُفقدك لحظة دافئة بين أهلك، أو حديثًا يملأ قلبك سعادة مع صديق. ومع كلِّ تأجيل، تبتعد عن اللحظات التي تمنحك الرَّاحة النَّفسية وتخفف عنك ضغوط الحياة. فلا تدع التَّسويف يسرق منك هذه اللحظات الثَّمينة، وابدأ اليوم ولو بخطوة صغيرة نحو التَّغيير. فالرَّاحة الحقيقيَّة تبدأ عندما توازن بين العمل والعيش مع من تحب.

المحور الثَّالث: دور الأسرة في علاج التَّسويف.

تلعبُ الأسرةُ دورًا مركزيًّا في مساعدةِ الطَّالبِ على التَّخلصِ من عادةِ التَّسويفِ من خلالِ خطوات عدَّةِ:

1. تنميةُ مهارات تنظيمِ الوقت.

إنَّ قضيَّة إدارة الوقت أصبحت عاملًا حاسمًا في تشكيل شخصيَّة الفرد وتحديد جودة إنجازاته؛ فالزَّمن هو الوعاء الذي تُسكب فيه أعمارنا، وكلُّ لحظة تمضي لا يمكن استعادتها، ولهذا كان لا بدَّ من وعيٍ صادق ومسؤول اتِّجاه كيفيَّة التَّعامل معه.

لقد وجَّهنا القرآن الكريم منذ البداية إلى قيمة الوقت، وأرشدنا إلى ضرورة التَّوازن بين العمل والرَّاحة؛ قال الله (تبارك وتعالى): (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا* وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا) (9)؛ أي أنَّ الليل للسَّكينة، والنَّهار للسَّعي والجدِّ. والحياة لا تستقيم إلَّا بتنظيم أوقاتها، وتحديد أولوياتها، بحيث لا تطغى حاجة على أخرى، ولا تُهدر لحظة فيما لا ينفع.

وهذا ما شدّد عليه الرَّسول الأكرم محمَّد (صلَّى الله عليه وآله) حين قال: "يا أبا ذرٍّ، نِعمَتانِ مَغبونٌ فيهِما كَثيرٌ مِن النَّاسِ: الصِّحَّةُ والفَراغُ" (10)؛ فالفراغ إن لم يُستثمر فيما ينفع، تحوَّل إلى عبء ثقيل يُضيِّع على الإنسان فرص البناء والتَّقدُّم.

وليس ذلك فحسب، فالفوضى في إدارة الوقت تنعكس أيضًا على توزيع المهام، حيث نرى كثيرًا من النَّاس يضعون الأعمال الجادة في أوقات التَّعب أو التَّشويش، ويُهدرون لحظات صفاء الذهن في اللهو أو التَّسليَّة. في حين أنَّ كلَّ وقت يحمل خصائص معيَّنة، ويصلح لنوع معيَّن من النَّشاط؛ فالعبادة بعد التُّخمة لا تكون بخشوع، والمذاكرة في وقت النُّعاس لا تؤتي ثمارها، والتَّأمل العميق لا يحدث وسط الضَّجيج. و"الفوضى في إدارة الوقت تعني الدُّخول في صراع خاسر مع الزَّمن"، ومن يُدرك هذه المعادلة، يستطيع أن يرتب يومه على نحو يجعل لكلِّ شيءٍ وقته المناسب. وهذا ما يُعرف بحسن توزيع المهام، وهو فن قائم بذاته، يحتاج إلى دقة في الملاحظة، ومرونة في التَّطبيق، والتزام بالمراجعة الذَّاتيَّة. 

إنَّ دور الأسرة لا يقل أهميَّة عن دور الفرد في ترسيخ قيمة الوقت. وعلى الوالدين أن يساعدوا أبناءهم على بناء وعي عملي بتنظيم يومهم، من خلال وضع جداول واقعيَّة ومتوازنة، تدمج بين أوقات الدِّراسة والرَّاحة والنَّوم والتَّرفيه والعبادة، فذلك يُعلِّم الانضباط، ويُغرس في النَّفس احترامًا للزَّمن.

من ينظِّم وقته ينظِّم حياته، ومن يُضيّعه يُضيّع عمره وإن ظنَّ أنَّه مشغول؛ فالعبرة في جودة ما ننجز، وفي توقيته، وفي أثره. والنَّجاح الحقيقي يبدأ عندما نُدرك أنَّ السَّاعة التي تمضي لن تعود، وأنَّ لحظاتنا هي عمرنا ذاته.

2. تشجيعُ الالتزامِ بالواجباتِ الدِّراسية. 

إنَّ غرس عادة الالتزام بأداء الواجبات الدِّراسيَّة في وقتها من أهمِّ أسس النَّجاح الأكاديمي والتَّربوي لدى الأبناء، وهو أمانة مشتركة تبدأ من الأسرة قبل المدرسة. ويلعب الوالدان دورًا حاسمًا في هذا الجانب، من خلال توجيه الأبناء إلى ضرورة تنظيم الوقت، والانخراط المبكر في أداء واجباتهم المدرسيَّة بعد عودتهم من المدرسة أو فور استلام المهام الدِّراسيَّة.

ومن الأساليب النَّاجحة التي يمكن أن يعتمدها الأهل:

- إرساء روتين دراسي منتظم: كأن يُخصّص وقتًا محددًا يوميًّا للقيام بالواجبات، يُراعى فيه أن يكون بعد فترة قصيرة من الرَّاحة والطَّعام، لضمان التَّركيز والاستعداد الذِّهني.

- المكافآت التَّحفيزيَّة: ويمكن أن تكون ماديَّة، وقد تكون كلمات تشجيعيَّة مثل: "أحسنت، لقد أنهيت واجبك دون تذكير"، أو امتياز صغير مثل السَّماح بوقت إضافي للعب أو مشاهدة برنامج مفضَّل. على سبيل المثال، إذا التزم الطفل بأداء واجباته طيلة أسبوع، ويمكن منحه يوم عطلة خالٍ من المهام تعبيرًا عن التَّقدير والاحترام.

- ربط الواجبات بأهداف أكبر: مثل شرح كيف أنَّ التزامه بالواجبات اليوم يعني نجاحه في الامتحانات لاحقًا، أو مساهمته في تحقيق حلمه بأن يصبح مهندسًا أو طبيبًا أو غير ذلك. وهذا النَّوع من الرَّبط يساعد على أداء الواجبات في وقتها المناسب.

3. تقديمُ الدَّعم والمساعدة. 

كثير من الطَّلبة يتأخرون في إنجاز واجباتهم الدِّراسية نتيجة شعورهم بصعوبة المهام، أو عدم قدرتهم على التَّعامل معها بمفردهم. وفي مثل هذه الحالات، تقع على الأسرة مهمَّة تقديم الدَّعم المناسب الذي يُشعر الطَّالب بالأمان والثِّقة، ويُساعده على تجاوز العقبات التي تعترض طريقه الدِّراسي.

ويمكن لهذا الدَّعم أن يبدأ بمساعدة الطَّالب على فهم المادة العلميَّة بشكل أوضح. وعلى سبيل المثال، إذا واجه صعوبة في فهم مسألة رياضيَّة، يمكن لأحد الوالدين شرحها باستخدام وسائل بسيطة، مثل الرَّسم أو الأمثلة المألوفة من البيئة اليوميَّة. كما يمكن استخدام الوسائل الرَّقمية المتاحة، مثل المنصات التَّعليميَّة أو التَّطبيقات المخصصة لتقوية المهارات في القراءة أو الحساب، لتكون مرجعًا داعمًا ومكمِّلًا لما يتلقاه في المدرسة.

4. خلقُ بيئة منزليَّة مناسبة.

البيئة المحيطة بالطَّالب تؤثِّر تأثيرًا مباشرًا في قدرته على التَّركيز والتَّحصيل الدِّراسي، وكلَّما كانت هذه البيئة أكثر تنظيمًا وهدوءًا، ازدادت فرص الطَّالب في إنجاز واجباته بكفاءة؛ لذلك، من المهم أن يحرص الأهل على تهيئة جوّ منزلي يساعد على التَّفرغ الذِّهني والمعرفي للمهام الدِّراسيَّة.

ومن أهمِّ الخطوات في هذا السِّياق تقليل مصادر التَّشتت أثناء وقت الدِّراسة، مثل إغلاق التلفاز، وإبعاد الأجهزة الإلكترونيَّة غير المستخدمة في الواجب، وضبط الأصوات العالية داخل المنزل. وعلى سبيل المثال، قد يُخصص مكان محدد في البيت —كزاوية هادئة في غرفة الجلوس أو طاولة مستقلة في غرفة الطفل— ليكون "ركن الدِّراسة"، بحيث يربط الطفل ذهنيًا بين هذا المكان والانضباط والتَّركيز.

إلى جانب تقليل المشتتات، يُفيد تنظيم الأدوات المدرسيَّة مسبقًا، من أقلام ودفاتر ومراجع في تهيئة الطَّالب للبدء بواجباته بسهولة ومن غير تأخير. ويمكن استخدام مؤقت زمني بسيط ليحدد أوقات الدِّراسة والرَّاحة، ممَّا يساعد على ضبط الإيقاع اليومي ويقلل من التَّشتت أو الإرهاق.

كما أنَّ وجود روتين منزلي منتظم — مثل تحديد وقت ثابت يوميًا للدراسة — يمنح الطَّالب شعورًا بالاستقرار، ويُرسِّخ عادة الالتزام الذَّاتي. وهذا التَّنظيم يُسهم أيضًا في تعليمه مهارات إدارة الوقت، وهي من المهارات الجوهريَّة في حياته الأكاديميَّة والمهنيَّة مستقبلًا.

المحور الرَّابع: دور المدرسة في علاج التَّسويف.

تلعب المدرسة أيضًا دورًا محوريًا في توجيه الطُّلاب نحو مواجهة التَّسويف وتبني عادات دراسيَّة سليمة عن طريقِ:

1. تعليمُ الطُّلابِ مهارات إدارةِ الوقتِ. 

الوقت هو الوعاء الحقيقي لأعمالنا، وقد قدَّم الإمام زين العابدين (عليه السلام) في أدعيته منهجًا متكاملًا لإدارته واستثماره، ويتجلَّى بوضوح في دعائه الشَّامل الذي يقول فيه:

"اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِه، ووَفِّقْنَا فِي يَوْمِنَا هَذَا ولَيْلَتِنَا هَذِه وفِي جَمِيعِ أَيَّامِنَا لِاسْتِعْمَالِ الْخَيْرِ، وهِجْرَانِ الشَّرِّ، وشُكْرِ النِّعَمِ، واتِّبَاعِ السُّنَنِ، ومُجَانَبَةِ الْبِدَعِ، والأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، والنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وحِيَاطَةِ الإِسْلَامِ، وانْتِقَاصِ الْبَاطِلِ وإِذْلَالِه، ونُصْرَةِ الْحَقِّ وإِعْزَازِه، وإِرْشَادِ الضَّالِّ، ومُعَاوَنَةِ الضَّعِيفِ، وإِدْرَاكِ اللَّهِيفِ"(11).

وهذه الكلمات العميقة هي خطَّة عمليَّة لإدارة اليوم، تقوم على ملء الوقت بالأعمال الصَّالحة، والابتعاد عن المعاصي، وتحقيق التَّوازن بين الواجبات الدِّينيَّة والاجتماعيَّة والإنسانيَّة؛ فكل فقرة من هذا الدُّعاء تمثِّل "مهمَّة يوميَّة" يمكن أن تُصبح معيارًا يقيِّم الإنسان من خلاله أداءه الذَّاتي، ويراجع عبره مستوى تقدُّمه الأخلاقي والاجتماعي.

وإذا كان الوقت بهذه القيمة العظيمة، فإنَّ المدرسة –بصفتها الحاضنة الأولى في تنشئة الأجيال– تتحمَّل مسؤوليَّة بالغة الأهميَّة في ترسيخ ثقافة تنظيم الوقت لدى الطُّلاب. فكثير من ظواهر التَّأجيل، والتَّسويف، وضعف الإنجاز الدِّراسي تعود إلى غياب الوعي بأهميَّة الوقت، وعدم اكتساب مهارات إدارته بالشَّكل الصَّحيح.

من هنا، يصبح من الأفضل للمدرسة أن تعتمد برامج تربويَّة وتطبيقيَّة؛ منها:

- تقديم ورش عمل حول تقنيات إدارة الوقت بفعَّاليَّة، تتضمن استخدام الجداول الزمنيَّة، وتحديد الأولويات، ووضع خطط أسبوعيَّة ويوميَّة.

- تدريب الطُّلاب على تقسيم المهام الكبيرة إلى خطوات صغيرة ومنجزة، ممَّا يدعم شعورهم بالقدرة على الإنجاز، ويقلل من الضَّغط والإرباك.

- ترسيخ ثقافة الالتزام بالمواعيد بوصفها قيمة أخلاقيَّة وسلوكيَّة، لا مجرَّد نظام داخلي للمدرسة.

- إشراك الأسرة في هذه المنظومة التَّربويَّة، عبر تقديم توجيهات عمليَّة تساعد الوالدين على دعم أبنائهم في تنظيم وقتهم خارج أوقات الدَّوام المدرسي.

2. المتابعة المستمرة.

ينبغي للمعلمين والمعلمات أن يحرصوا على متابعة تقدُّم الطُّلاب في إنجاز واجباتهم الدِّراسيَّة بشكل منتظم، لما لذلك من أثر بالغ في رفع مستوى روح الالتزام والانضباط؛ فالمتابعة المستمرة هي وسيلة تربويَّة تدفع الطَّالب إلى الاهتمام بواجباته وعدم تأجيلها، كما تُشعره بأنَّ جهوده مرصودة ومقدَّرة.

ومن خلال التَّشجيع الإيجابي، وحثّ الطُّلاب على البدء في المهام منذ وقت مبكر، يمكن للمعلِّم أن يسهم في بناء عادات دراسيَّة صحيحة لدى المتعلمين، تُساعدهم على تنظيم وقتهم، وتقليل الضَّغط النَّفسي النَّاتج عن التَّراكم والتَّأجيل. كما أنَّ إشراك الطَّالب في تقييم تقدُّمه، من خلال أسئلة توجيهيَّة أو ملاحظات بنَّاءة، يقوّي ثقته بقدرته على الإنجاز والاستمرار في المسار الصَّحيح.

3. التَّواصلُ مع الأسرةِ.

 المدرسةُ عليها أن تُحافظ على قناة تواصل مستمرة مع الأهلِ، خصوصًا إذا لاحظت وجود تسويف متكرر لدى الطَّالب في أداء واجباته الدِّراسيَّة. وهذا التَّعاون الوثيق بين المدرسة والأسرة ركيزة أساسيَّة لمعالجة المشكلة بسرعة، حيث يمكن للأهل دعم الطَّالب وتشجيعه في المنزل، بينما تقدِّم المدرسة الإرشاد والمتابعة اللازمة. وبتضافر الجهود، يصبح من السَّهل وضع خطَّة مشتركة تساعد الطَّالب على تجاوز التَّسويف وتحقيق النَّجاح الأكاديمي.

إنَّ ظاهرة التَّسويف وتأجيل الواجبات الدِّراسية تمثل تحديًّا كبيرًا يؤثِّر سلبًا على التَّحصيل الأكاديمي والصِّحة النَّفسيَّة للطُّلاب، وتكمن أهميَّة معالجة هذه المشكلة في التَّعاون المشترك بين الأسرة والمدرسة في توجيه الطُّلاب نحو تنظيم وقتهم بشكل فعَّال وتحفيزهم على الالتزام بالمهام الدِّراسيَّة، وكذلك من خلال توفير الدَّعم النَّفسي والتَّعليمي وتطبيق استراتيجيات تحفيزيَّة، يمكن للطُّلاب التَّغلب على هذه العادة السلبيَّة وتحقيق النَّجاح الأكاديمي والتَّطور الشَّخصي.

........................................

الهوامش:

1. مكارم الأخلاق: ج2، ص363.

2. بحار الأنوار: ج73، ص75.

3. سورة يس: الآيات: 38-40.

4. شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد): ج١٧، ص5.

5. سورة الحديد/ الآية: 20.

6. بحار الأنوار: ج2، ص30.

7. المصدر نفسه: ج78، ص164.

8. إقبال الأعمال (ط. ق): ص72.

9. سورة النبأ: الآيتان: 10-11.

10. مكارم الأخلاق: ج2، ص363 – 364.

11. الصحيفة السجادية (ابطحي): ص57.

اضف تعليق