q

عندما حلقت الطائرات الروسية في سماء روسيا، كان قادة اركان الجيش في الولايات المتحدة الامريكية وروسيا يضعون اللمسات الأخيرة لقواعد الطيران فوق الأجواء السورية للطائرات الروسية وطائرات التحالف الدولي التي تستهدف الجماعات المتطرفة وهي تحلق في نفس المجال الجوي، منعا لأي عملية احتكاك او اشتباك جوي، قد تؤدي الى تصعيد عسكري غير محمود العواقب.

لم يكن احد يتصور ان تكون المواجهة مع تركيا بدلا من طائرات التحالف الدولي التي كثفت طلعاتها وغارتها الجوية بشكل مضاعف بعد هجمات باريس الأخيرة، ومع هذا، كان التنسيق بين الجانب الروسي وباقي دول التحالف فعالا في منع أي تصادم او مواجهة نارية بين الطائرات الاوربية او الامريكية مع الطائرات الروسية والسورية، اما تركيا التي انضمت مؤخرا الى التحالف الدولي، فضلا عن انها عضو في حلف الناتو، فقد بادرت الى اسقاط طائرة روسية (سو-24) بصاروخ من طائرة (اف-16) تركية بعد ان اتهمتها بخرق الأجواء التركية بعد تحذيرها لأكثر من 10 مرات خلال خمس دقائق متواصلة.

الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي بدا منفعلا خلال حديثة عن اسقاط الطائرة الحربية الروسية من قبل تركيا قال "إسقاط المقاتلة الروسية طعنة في الظهر من أعوان الإرهاب وستكون له عواقب وخيمة"، وهذا الكلام يحتمل عدة أوجه وتفسيرات... لكن الشيء المؤكد ان تركيا لم تقدم على هذا العمل بصورة اعتباطية، بل هي رسالة قد تكون مشابهة للرسالة السابقة، رسالة اسقاط الطائرة الروسية المدنية في مصر بعمل إرهابي راح ضحيته العشرات من الروس.

روسيا التي دخلت اللعبة الشرق أوسطية، فهمت المقصود من الأولى، مثلما تلقت الرسالة الأخرى، وربما جواب بوتين تلخصه عبارة "الطعنة من الخلف من أعوان الإرهاب" وهي طعنة ستكلف تركيا الكثير وستكون له "عواقب وخيمة" لم يحددها الروس بعد.

الرئيس التركي رجب طيب اردوغان لم يبدي اسفة لما حدث، بل القى اللوم على الروس لخرقهم المجال الجوي التركي، واعتبر ان الرد الطبيعي كان بإسقاط الطائرات التي تنتهك سيادة الدولة، بل وجدد عزمه في السعي لإقامة (منطقة امنة) عندما قال إن "تركيا وبالتعاون مع حلفائها ستنشئ قريبا "منطقة إنسانية آمنة" بين جرابلس السورية وشاطئ المتوسط"، مستندا في ذلك على دعم حلف (الناتو)، الذي لم يتأخر في الرد عبر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرج، بالقول "نتضامن مع تركيا وندعم سلامة أراضي حليفتنا في حلف شمال الأطلسي"، وهو موضوع حساس للغاية، سيما وانها المرة الأولى في تاريخ الحلف بإسقاط طائرة حربية روسية والتي قد تسيء للعلاقة المتوترة في الأساس.

الرد الروسي لن يتأخر كثيرا، لكنه لن يكون من النوع العسكري المباشر، فمن غير المرجح ان تتصادم روسيا مع تركيا بسبب حادثة واحدة وان كانت القناعة الروسية بانها متعمدة... ربما سيكون الرد الروسي على الأراضي السورية والسعي لتحجيم دور تركيا فيها، وقد تحرك المزيد من الأوراق الأخرى، كضرب جبل التركمان داخل سوريا انتقاما لمقتل طياريها... وربما اقتصاديا، سيما وان تركيا مستاءة من الاتفاق الروسي-الإيراني حول الغاز والي قد يضرب المشروع التركي-القطري المشابه له.

ما يتخوف منه الكثير من المتابعين، هو مدى التأثير الذي ستلعبه هذه الحادثة على الازمة السورية، بعد المؤشرات الإيجابية الأخيرة بإمكانية التوصل الى اتفاق سياسي ينهي (الصراعات بالوكالة) القائمة فيها منذ سنين بين أطراف دولية وإقليمية مختلفة، تقاربت آرائهم بضرورة الحل السياسي والقضاء على التطرف بعد هجمات باريس الأخيرة.

الثابت في الامر ان الازمة في سوريا باتت محل صراع شديد لأطراف دولية وإقليمية تتنافس حول الصدارة السياسية والاقتصادية وضرب المشاريع الأخرى المنافسة لها، وما لم تحل هذه الازمة بأسرع وقت ممكن فإنها بحق تشكل تهديدا كبير للأمن والسلم الدوليين، ولعل تداعيات الازمة الروسية-التركية احدى هذه التهديدات.

اضف تعليق