صحيح ان هجمات باريس الأخيرة قد قلصت، الى حد ما، الفارق الواسع بين اراء المعارضين المؤيدين للنظام السوري، ووحدتهم تجاه الهدف الرئيسي... وهو القضاء على تنظيم داعش بعد قناعة جميع الأطراف بانها باتت تشكل خطرا حقيقيا على الامن والسلم الدوليين... لكن مع مقدمات الاتفاق (سالفة الذكر) ما زال امام الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة في قلب الازمة، سيما في سوريا والعراق، الكثير من العقبات والتفاصيل المرهقة والمزعجة للتوصل الى هدف او مشروع واحد يمكن ان يثمر عن تحول حقيقي في استراتيجية القضاء على المنظمات المتطرفة، وفي مقدمتها تنظيم داعش.
للتوضيح أكثر... ما زال اغلب القادة في الغرب وفي الشرق يعيدون تكرار ذات الكلمات والاتهامات الضمنية والصريحة لبعضهم البعض الاخر من دون تقديم أي خطة او خارطة للمستقبل القريب، على الرغم من تجذر القناعة لدى الجميع بضرورة التوحد لمكافحة وانهاء وجود تنظيم داعش والمتطرفين في أي منطقة يسيطر عليها، إضافة الى تجفيف منابع التمويل ومراقبة النشاطات الإعلامية والفكرية للمتشددين، وتفعيل الجهد الاستخباري المشترك، والعمل على مساعدة الدول التي تواجه مقاتلي التنظيم لتسريع خطوات النجاح واحتواء الخطر.
الكلام والوعود والتصريحات ما زال في خانة الاقوال ولم تصل الى مستوى التنفيذ والافعال، ومع ان فرنسا ودول اوربية أخرى، إضافة الى الولايات المتحدة الامريكية، لديها قناعات بان دورا مهما يمكن ان يلعبه الروس في القضاء على المتطرفين في سوريا والعراق، الا ان شروطا إضافية يمكن ان تعرقل إمكانية أي تعاون مستقبلي قد تبديه دولا أخرى، خصوصا عندما يدور الكلام عن ربط مستقبل الأسد بمستقبل سوريا فضلا عن مستقبل التنسيق المشترك للقضاء على المتطرفين فيها.
ومع ان الوضع في العراق اقل تعقيدا من الوضع السوري، الا ان المصالح والخلاف حول طريقة إدارة الصراع ضد داعش في سوريا والعراق، قد أثر بشكل كبير على قرار المجتمع الدولي بدعم الحكومة العراقية والقوات الأمنية في التصدي لتنظيم داعش.
اغلب الظن ان قرار توحيد الجهود الدولية ما زال يحتاج الى المزيد من الجهد والدبلوماسية الفاعلة، وربما هذا ما سيدفع الرئيس الفرنسي، هولاند ووزير خارجية فابيوس، للقيام بجولات دبلوماسية الى روسيا والولايات المتحدة الامريكية، ليس من اجل اقناع الأطراف الرئيسية بجدوى العمل المشترك، وانما للتوافق حول الية مناسبة للعمل المشترك، وإذا ما تم التوصل الى توافق حول الخطوط الرئيسية فان دخوله حيز التنفيذ سيكون امرا يسيرا.
الأمين العام للأمم، بان كي مون، أكد أيضا إن الأمم المتحدة "ستقدم خطة عمل شاملة مطلع العام المقبل لهزيمة العنف والتطرف"... حاثا روسيا والولايات المتحدة للتعاون ضد الإرهاب وهزيمة "الإرهابيين والمتطرفين باسم الإنسانية (...) علينا أن نتحد، نحتاج إلى أن نبدي تضامنا عالميا للتعامل مع العدو المشترك وهو داعش وجماعات متطرفة وإرهابية أخرى"... بمعنى ان الحاجة الى إطار عمل مشترك يتفق فيه الجميع لتنظيم الجهد ضد التطرف أصبحت أولوية تتفوق على باقي الأولويات الأخرى في الوقت الراهن.
طبعا أهدر المجتمع الدولي الكثير من الوقت والفرص التي كان من الأولى استغلالها لإلحاق الهزيمة بتنظيم داعش الإرهابي، لكن ما زالت هناك فسحة من الامل في تعديل أخطاء الماضي والتوصل الى صيغة توافقية برعاية اممية لتحالف دولي أكثر تمثيلا واوسع تأثيرا.
اضف تعليق